تكالبت الدول الغربية على مساعدة أوكرانيا، منذ بدء العملية العسكرية الروسية، كلمتهم كانت واحدة وقرارهم واحدًا، حتى أعلنت أمريكا عن موافقتها على إرسال القنابل العنقودية، المحظورة دوليًا، من قبل أكثر من 120 دولة، وعندها برزت معارضة غربية وأوروبية للقرار.
ألمانيا وبريطانيا، كانتا على رأس الرافضين لقرار أمريكا بإرسال قنابل عنقودية إلى أوكرانيا، كما أعلنت كندا وإسبانيا رفضهما للقرار، مؤكدين على ضرورة عدم إرسال تلك القنابل العنقودية إلى أوكرانيا.
انقسام داخل أمريكا
تبعات القرار الأمريكي، لا تقتصر على الخارج، وإنما امتدت للداخل الأمريكي نفسه، لترفع مستوى الانقسام داخل الكونجرس، ويقول الدكتور إحسان الخطيب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة "موري ستيت"، الأمريكية، إن قرار تلك الأسلحة لن يُتخذ باستخفاف بسبب الالتزام الأخلاقي، إذ إنها قد تؤدي إلى مقتل الأطفال وتشويه المدنيين، وقال "الخطيب"، في حديثه لـ"القاهرة الإخبارية"، إن الولايات المتحدة لم تتخذ القرار دون العودة لحلفائها، وهو ما أكده بايدن أمس، مُشيرًا إلى أن هذه القذائف قد تُسهم في مساعدة أوكرانيا في هجومها المضاد الذي لاقى انتقادات غربية؛ لأنه "بطيء" للغاية فيما يتعلق بالتقدم على الميدان.
وقال النائب الجمهوري بول جوسال، إن هذه الخطوة تدل على أن إدارة بايدن لا تريد السلام، مُضيفًا أنه لا إدارة بايدن ولا الناتو يريد السلام في الوقت الحالي، بحسب وكالة "نوفوستي" الروسية.
وانتقد النائب الجمهوري، الهجوم الأوكراني المضاد، قائًلا إنه لم يحقق شيئًا لأوكرانيا، التي واجهت تصديًا قويًا من القوات الروسية، أما بيتي ماكولم، النائبة الديمقراطية باللجنة الفرعية لمخصصات القوات المُسلحة، فوصفت قرار إدارة الرئيس بايدن بشأن نقل قنابل عنقودية إلى أوكرانيا، بأنه خطأ رهيب. واعتبرت "ماكولم" أن تاريخ القنابل العنقودية حافل بـ"البؤس، والموت"، مُشددة على ضرورة التخلص من مخزونات تلك القنابل، وليس إلقائها في أوكرانيا.
رفض بريطاني
أعلن رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، أن المملكة ملتزمة باتفاقية عدم استخدام القنابل العنقودية، مُضيفًا أن المملكة واحدة من 123 دولة حظرت هذه الأسلحة المثيرة للجدل، بسبب قتلها للمدنيين، إلا أن "سوناك"، أكد رغم ذلك على استمرار دعم بلاده لأوكرانيا.
اعتراض إسباني
قالت مارجاريتا روبليس، وزيرة الدفاع الإسبانية، السبت، إنه يجب ألا يتم إرسال تلك الذخائر إلى أوكرانيا، مُضيفة خلال تجمع في مدريد قبل الانتخابات المقررة في 23 يوليو، أن إسبانيا تؤكد على التزامها الراسخ تجاه أوكرانيا، وأنها أيضًا لديها التزام قوي بعدم تسليم أسلحة وقنابل معينة تحت أي ظرف.
وتابعت: "لا للقنابل العنقودية، نعم للدفاع الأوكراني، الذي ينبغي ألا يستخدم القنابل العنقودية"، مؤكدة أن القرار اتخذته الحكومة الأمريكية، وليس حلف شمال الأطلسي.
معارضة كندية
كندا كذلك أعلنت معارضتها لاستخدام القنابل العنقودية من قبل أوكرانيا، مؤكدة التزامها باتفاقية "أوسلو"، التي تحظر هذه القنابل، وقالت في بيانها إنها لا تؤيد استخدام القنابل العنقودية، وتلتزم بوضع حد لآثار القنابل العنقودية على المدنيين وخاصة الأطفال.
وأكدت الحكومة الكندية، التزامها التام بالاتفاقية، وأنها تتبنى التزاماتها الناشئة عن اتفاقية "أوسلو"، لتشجيع تبنيها على الساحة العالمية.
اعتراض ألماني
أنالينا بيربوك، وزيرة الخارجية الألمانية، شددت على معارضة بلادها لإرسال قنابل عنقودية لأوكرانيا، قائلة إن ألمانيا تعارض الخطوة، بصفتها عضوًا في اتفاقية حظر القنابل العنقودية.
سر إرسال القنابل العنقودية لأوكرانيا
وصف "بايدن" قرار تزويد أوكرانيا بالقنابل العنقودية، بأنه كان صعبًا، إلا أنه اقتنع بالموافقة في النهاية، لحاجة كييف إلى ذخيرة في هجومها المضاد.
ويكمن سر إرسال أمريكا للقنابل العنقودية المثيرة للجدل، في اقتراب نفاد الذخيرة الأوكرانية، وقال بايدن: "الشيء الرئيسي هو أنهم إما يمتلكون الأسلحة لوقف الروس الآن، ومنعهم من وقف الهجوم الأوكراني المضاد، وإما أنهم لا يمتلكون الأسلحة"، وبحسب "سي إن إن"، يأتي قرار إرسال تلك القنابل في مرحلة حرجة من الحرب، في وقت يكافح فيه الأوكرانيون لتحقيق مكاسب في الهجوم المضاد، إذ إن التقدم أبطأ من المتوقع.
وكشف تقرير لشبكة "بي بي سي" البريطانية، أن القذائف الأوكرانية أوشكت على النفاد، وأن معدل استخدام الذخائر في الهجوم المضاد بكميات غير عادية، يصُعِّب على الحلفاء الغربيين الوفاء بمتطلباتها من تلك القذائف في الوقت المحدد، وأن ما يزيد من أهمية القنابل العنقودية هو أن المدفعية تحولت إلى سلاح رئيسي في جبهات القتال الثابتة، خاصة في الجنوب والشرق.
ومع محاولة كييف التقدم في الهجوم المضاد، والتغلب على الدفاعات الحصينة للقوات الروسية، والممتدة على طول جبهة القتال المقدرة بنحو 1000 كيلومتر، وفي ظل عدم كفاية قذائف المدفعية، طلبت أوكرانيا إعادة تزويدها بالقنابل العنقودية لدعم مخزن الأسلحة، التي تستخدم في استهداف الخنادق الدفاعية.
لماذا تثير القنابل العنقودية الجدل؟
تصف الجماعات الحقوقية القنابل العنقودية بأنها "بشعة"، ووصفت استخدامها بأنه "جريمة حرب"، ووقعت أكثر من مئة وعشرين دولة، بينها المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا معاهدة دولية تحظر استخدام أو تخزين القنابل العنقودية، بسبب تأثيرها العشوائي على المدنيين.
ويعد الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالقنابل العنقودية، لأنها قد تشبه لعبة صغيرة يحصل عليها الطفل، وغالبًا ما يمسكونها بدافع الفضول، إذ تصل نسبة فشل انفجار القنابل العنقودية لنحو 30 أو 40%، وبالتالي تبقى القنابل الصغيرة غير المنفجرة على الأرض، وربما تنفجر في أي وقت.
وحاول جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، تبرير تزويد واشنطن لأوكرانيا بالقنابل العنقودية، وقال إنه قرار صائب، موضحًا أن أوكرانيا قدمت "ضمانات مكتوبة"، لاستخدامها بشكل آمن يجنب المدنيين الضرر، وأن بلاده تدرك مخاطر تلك الذخائر، إلا أنه قال إن نسبة فشل ذخائر أمريكا العنقودية 2.35% أما الروسية فتصل النسبة إلى نحو 40%.
ورغم أن القانون الأمريكي، يحظر نقل القنابل العنقودية التي يزيد معدل فشلها على 1%، إلا أن بايدن قادر على تجاوز الأمر، ويزعم البنتاجون أن روسيا تستخدم هذه القنابل بالفعل في أوكرانيا، وأنها ذات نسب فشل أعلى من تلك التي ستمد بها واشنطن كييف.