جاء انعقاد قمة منظمة شنجهاي للتعاون في 4 يوليو 2023، التي نظمتها الهند لأول مرة تحت قيادتها، لا سيما وأنها تتولى الرئاسة الحالية للمنظمة، وشارك في فعالياتها قادة الدول الأعضاء، من بينهم ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي، والرئيسان الصيني شي جين بينج والروسي فلاديمير بوتين، وعدد من ممثلي المنظمات الدولية.
وتنوعت القضايا التي طرحها المشاركون في القمة ما بين الاتجاه نحو توسيع المنظمة الإقليمية التي تغطي 60% من منطقة أوراسيا بعدد سكان يقدر بـ3.2 مليار نسمة، وبحجم اقتصادي يبلغ 20 تريليون دولار، وتمت الموافقة على انضمام إيران للمنظمة ومشاركتها للمرة الأولى كعضو كامل بعد أن كانت عضوًا مُراقبًا، فضلًا عما طرحه القادة المشاركون من قضايا في مقدمتها حفظ الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب والتطرف، وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء في المنظمة.
قضايا القمة:
طرح قادة المنظمة العديد من القضايا التي تعكس طبيعة التفاعلات الإقليمية والدولية الراهنة، وهو ما يمكن إبراز أهمها في التالي:
(*) تعزيز التعاون الأورو– آسيوي: يمثل البعد الأمني والسياسي الأورو-آسيوي أحد مجالات التعاون للدول الأعضاء في المنظمة، لذلك دعا الرئيس الصيني شي جين بينج قادة المنظمة إلى توثيق عُرى علاقاتهم، فيما أكد قادة المنظمة أن تكتلهم الأمني والسياسي غير موجه ضد دول أخرى، ويرحب بتعاون أشمل مع الجميع، ويعارض حل القضايا الإقليمية والدولية على أساس أيديولوجي وبفكر تصادمي.
(*) توسيع عضوية المنظمة: شهدت القمة الافتراضية خطوة بارزة بانضمام إيران إلى المنظمة كعضو كامل. ويمثل توسيع عضوية المنظمة ملمحًا واضحًا منذ تأسيسها عام 2001 من 6 دول مؤسسة هي: "روسيا، الصين، كازاخستان، قيرغيزستان، أوزبكستان، وطاجكستان"، وهدفت إلى ضمان الأمن الإقليمي وصون الاستقرار ومكافحة الإرهاب والتطرف وتعزيز التجارة والتعاون الثقافي والإنساني، فقد توسعت المنظمة لتضم إلى عضويتها في عام 2017، الهند وباكستان ليصبح عدد أعضاء المنظمة ثمانية قبل انعقاد القمة، وبعد الموافقة على انضمام إيران في قمة 2023، أصبح أعضاء المنظمة تسعة.
كما حصلت عدة دول على صفة شركاء حوار للمنظمة، هي: "مصر، السعودية، قطر، البحرين، أذربيجان، تركيا، سريلانكا، كمبوديا، نيبال، وأرمينيا".
(*) حفظ السلام الإقليمي: دعا الرئيس الصيني شي جين بينج، خلال فعاليات القمة، دول المنظمة إلى بذل جهودها لحفظ السلام الإقليمي وضمان الأمن المشترك، وانتهاج الطريق الصحيح وتعزيز تضامنهم وثقتهم المشتركة، مُعتبرًا أن تحقيق السلام الإقليمي والاستقرار على المدى الطويل هو مسؤولية مشتركة للدول الأعضاء.
وشدد أيضًا على دور دول المنظمة في مواجهة "الثورات الملونة" واحتمال اندلاع "حرب باردة جديدة"، مؤكدًا ضرورة اليقظة حيال إثارة القوى الخارجية حربًا باردة جديدة وخلق مواجهة في المنطقة والمعارضة الحازمة لتدخل أي دولة في الشؤون الداخلية وإثارة ثورة ملونة لأي سبب كان.
(*) مكافحة الإرهاب والتطرف: تشكل مواجهة الإرهاب والتطرف أحد أهم أهداف نشأة منظمة شنجهاي للتعاون، لذلك دعا ناريندرا مودي، رئيس وزراء الهند، خلال كلمته إلى اتخاذ تدابير حاسمة لمكافحة الإرهاب، وتعزيز التعاون في مكافحة تمويل الأنشطة الإرهابية، عازيًا تلك المشكلة إلى أن بعض الدول تلجأ إلى الإرهاب العابر للحدود كأداة في سياستها، وهي بذلك تمنح ملجأ للإرهابيين، داعيًا إلى ألا تتردد منظمة شنجهاي للتعاون في انتقاد مثل تلك الدول.
(*) استخدام العملات المحلية: في مارس 2020 اتفق أعضاء منظمة شنجهاي للتعاون على إعطاء أولوية لتطوير المدفوعات بين دولها بالعُملات المحلية، في محاولة للحد من هيمنة الدولار الأمريكي على المعاملات الاقتصادية، وهو ما أشار إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال كلمته بأن بلاده مستمرة في مواجهة كل الضغوطات الخارجية بما في ذلك العقوبات الاقتصادية، مؤكدًا أن موسكو تسعى لتعزيز روابطها مع دول منظمة شنجهاي حتى تصبح أكثر قوة، مشيرًا إلى ارتفاع معدلات التجارة بين روسيا والدول الأعضاء بنحو 37%، وأن أكثر من 80% من المعاملات بين روسيا والصين تتم بالروبل واليوان الصيني.
كما أشار إلى أن التعامل بعملة الروبل الروسي ارتفع إلى نحو 40% بين روسيا والدول الآسيوية، وأن موسكو تمضي قدمًا في تنفيذ خارطة الطريق التي وضعتها منظمة شنجهاي من أجل الانتقال إلى العملات الوطنية في التجارة المشتركة بين الدول الأعضاء، داعيًا إلى ضرورة متابعة هذا العمل وإزالة كل العقبات التنظيمية التي تعرقل أنظمة الدفع من أجل تحقيق تكامل إقليمي.
(*) التعاون الاقتصادي: يمثل التعاون الاقتصادي أحد مجالات تعزيز العلاقات بين دول منظمة شنجهاي. وهو ما تجلى في دعوة رئيس وزراء الهند، للدول الأعضاء إلى تعزيز التعاون في المجالات التجارية والتقنية والاتصالات، كما تعهد الرئيس الصيني، بمواصلة الصين المضي في الطريق الصحيح للعولمة الاقتصادية، ومعارضة الحمائية الاقتصادية والعقوبات الأحادية وتوسيع مفاهيم الأمن القومي. وتمثل تلك الدعوة إشارة ضمنية للإجراءات التي تتخذها واشنطن لمنع تدفق المواد الخام التي تستخدم في تصنيع التقنيات الحديثة إلى بكين أو ما يعرف بحرب الرقائق الإلكترونية، إذ تسعى واشنطن لتدشين تحالف غربي يحول دون إمداد بكين بمكونات تصنيعها.
تحديات ماثلة:
على الرغم من الإمكانات الاقتصادية للدول الأعضاء في منظمة شنجهاي للتعاون، التي تعد من أكبر التجمعات الإقليمية إذ تضم نحو نصف سكان العالم، و4 دول نووية، وتتميز بتنوع سياسي وثقافي وحجم اقتصادي يبلغ 20 تريليون دولار، إلا إن ثمة تحديات تواجه دور المنظمة، يمكن إيضاحها على النحو التالي:
(&) مخاوف مشتركة: كشف بيان القمة الختامي من مخاوف ترتبط بقضيتين؛ الأولى هي معارضة الدول الأعضاء، التدخل في الشؤون الداخلية للدول بحجة مكافحة الإرهاب، وهي الحالة التي تجلت في التدخل الأمريكي في أفغانستان وما خلفه الانسحاب من عودة للتنظيمات الإرهابية إلى الواجهة.
أما القضية الثانية وربما الأهم فإنها ترتبط بالحد من الانتشار النووي، وأكد البيان الختامي أن الدول الأعضاء في المنظمة تدعم تعزيز النظام العالمي لعدم الانتشار النووي، وأن المنظمة ستبذل جهدها لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. وإذا كانت المنظمة بها 4 دول نووية، فإن المخاوف من الانتشار النووي تظل هاجسًا يؤرق دول المنطقة وجوارها.
(&) خلافات بينية: ترتبط بدلالة انعقاد القمة عبر تقنية الفيديو كونفرانس، في ظل تجاوز العالم لمرحلة كورونا والتعافي منها، وربما ذلك يفسر في أحد جوانبه الخلافات القائمة بين دول المنظمة، لا سيما بين الصين والهند. وتشير العديد من التقديرات إلى أن الخلافات بين البلدين كانت سببًا في انعقاد القمة عبر الإنترنت وليست على أرض الواقع في العاصمة الهندية نيودلهي، حتى يتجنب رئيس الوزراء الهندي استقبال الرئيس الصيني، في ظل توترات متعددة تجلت في تفجر المناوشات الحدودية منذ 2020 وسقوط قتلى من الجانبين، ورفضت الهند التجديد لصحفيين صينيين للإقامة بها فيما عُرف بأزمة الصحفيين بين الصين والهند.
مجمل القول؛ إن انعقاد قمة منظمة شنجهاي للتعاون 2023، والقضايا التي طُرحت خلال فعالياتها يكشف عن أنماط التفاعلات الإقليمية والدولية التي تسعى من خلالها القوى الكبرى، وفي مقدمتها الدول الأعضاء بها كالصين وروسيا والهند، إلى صياغة نظام دولي متعدد الأقطاب كشفه الاتجاه نحو استخدام العملات المحلية في المبادلات الاقتصادية بعيدًا عن الدولار الأمريكي، فضلًا عن أن انضمام إيران إلى المنظمة وما يمثله ذلك من تعزيز لاقتصاد المنظمة، لا سيما في مجال الطاقة، وهو ما سيجعل من المنظمة بمثابة تحالف مناوئ للولايات المتحدة الأمريكية، حتى وإن ظلت الهند حليفًا للغرب، وهو الأمر الذي ستكون له تداعياته المستقبلية على الاستقرار العالمي.