تستمر الهند في تطبيق سياسة "عدم الانحياز"، إذ تسير علاقاتها مع طرفي الصراع الروسي الأوكراني جنبًا إلى جنب، رغم المحاولات الأمريكية المتكررة لاستمالتها، واليوم أجرى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك بعد أيام من زيارة تاريخية إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وأكد بيان الكرملين أن بوتين ومودي ناقشا التعاون الثنائي، وأكدا أهمية مواصلة التنفيذ للمشاركة المشتركة الرئيسية في مختلف المجالات.
وبحسب الكرملين، جدد "مودي" و بوتين"، عزمهما المتبادل تعزيز الشراكة الاستراتيجية المتميزة بشكل خاص بين روسيا والهند، واتفقا على مزيد من الاتصالات.
حقبة جديدة في العلاقات الأمريكية الهندية
حديث "مودي"، وبوتين جاء بعد نحو أسبوع واحد، من استقبال الرئيس الأمريكي جو بايدن له بحفاوه، في واشنطن، وإعلانهما عن حقبة جديدة في العلاقات الأمريكية الهندية، في وقت تسعى فيه أمريكا لاستمالة نيودلهي إلى جانبها، فيما يتعلق ببعض القضايا الدولية، وعلى رأسها الأزمة الروسية الأوكرانية.
وتسعى واشنطن إلى استمالة "الهند"، في وقت تراهن فيه عليها كقوة موازنة للصين، ووقع الجانبان اتفاقات في مجالي الدفاع والتجارة، بهدف التصدي للنفوذ الصيني حول العالم.
وأكد بايدن في مؤتمر صحفي مشترك، أن الشراكة بين الهند وأمريكا أصبحت "أقوى وأوثق وأكثر حيوية من أي وقت في تاريخها"، أما مودي فأشار إلى "فصل جديد"، في الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
الصين كلمة السر
صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، قالت إن سر احتفاء بايدن بـ"مودي"، لا علاقة له بسياسات رئيس الوزراء الهندي، وأن السر يكمن في الموقع الجغرافي لبلاده، إذ إنه لا توجد دولة أخرى لديها القدرة على العمل كقوة موازنة للصين، وقالت الصحيفة إن أمريكا والهند تشتركان في خوف واقعي من "الصين".
حل قضية الحدود
في مطلع يونيو الجاري، اتفقت الصين والهند، على تسريع حل القضية الحدودية، وعقد جولة جديدة من المحادثات بين كبار المسؤولين العسكريين، بحسب وزارة الخارجية الصينية، التي قالت إن الجانبين اتفقا على الحفاظ على الروابط بينهما والإبقاء على القنوات الدبلوماسية والعسكرية، بهدف تخفيف التوتر على الحدود بين البلدين.
وتحاول الصين والهند، حل الخلاف الذي يتمحور حول ترسيم الحدود على طول 60 ألف كيلو متر بولاية أروناتشال براديش الشمالية الشرقية، ومنطقة جبلية في شمال كشمير، إذ اندلعت حرب بين الجانبين في عام 1962، ووقتها منيت الهند بهزيمة قاسية، رغم ذلك احتفظت بولاية أروناتشال براديش، بعد انسحاب القوات الصينية وسط ضغوط دولية.
وفي 2020 تجدد النزاع بين البلدين، عندما وقعت احتكاكات بين جيشيهما، في منطقة بحيرة بانجونج في لداخ.
وتحاول واشنطن الاستفادة من الصرع الدائر بين الهند والصين، إذ إن الأولى هي القوة الوحيدة القادرة على منافسة الصين حاليًا، وحال اتحادهما ستواجه واشنطن أزمة أكبر مع التنين الصيني.
سياسة عدم الانحياز
تتبع الهند سياسة عدم الانحياز، وهو مصطلح برز خلال ذروة الحرب الباردة التي انتهت عام 1989، لتصبح الحركة (عدم الانحياز)، والتي تأسست عام 1961 واحدة من أكبر التحالفات السياسية، بقيادة دول مثل الهند ومصر وغانا وزامبيا والجزائر وكوبا.
وتواجه الهند وغيرها من الدول التي تتبع سياسة عدم الانحياز، حالة استقطاب حادة، جراء الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا المدعومة من الغرب، في وقت تتطلب مصالح تلك الدول عدم المجازفة بانحياز صريح إلى أحد طرفي النزاع، ففي الوقت الذي أدانت فيه العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، رفضت المشاركة بالمقاطعة والالتزام بالعقوبات المفروضة على روسيا.
بحسب "بي بي سي"، تعود صياغة المصطلح إلى فينجاليل كريشنا مينون، وهو دبلوماسي هندي، تسلم منصب وزير دفاع الهند خلال فترة حكم جواهر لا نهرو، أول رئيس وزراء للهند بعد استقلالها.
وكانت المرة الأولى التي استخدم فيها المصطلح عام 1953، خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتحدث فيه عن سياسة حكومته الحيادية والمناهضة للاستعمار.
وفي مطلع الخمسينات من القرن الماضي، وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، واستقلال جزء كبير من المستعمرات في أسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وتكوين دول مستقلة تجمعها قواسم مشتركة، وفي ظل هذه الأجواء عقد مؤتمر "باندونج"، بمشاركة دول إفريقية وآسيوية، معظمها حديثة الاستقلال.
وكانت أبرز أهداف مؤتمر باندونج، الذي عقد في مقاطعة جاوة الغربية بإندونيسيا، خلال الفترة من 18-24 أبريل عام 1955، تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي الأفروآسيوي، ومعارضة الاستعمار بجميع صوره، بما فيها الاستعمار الجديد، وعقد بمشاركة رؤساء ورؤساء حكومات 29 دولة ينتمون إلى الجيل الأول من قيادات ما بعد الحقبة الاستعمارية من قارتي إفريقيا وآسيا، ومن أبرزهم نهرو، والرئيس الإندونيسي أحمد سوكارنو، والزعيم المصري جمال عبد الناصر.
وكانت الدعوة الأبرز، تتمثل في عدم استخدام أحلاف الدفاع العسكرية الجماعية لتحقيق مصالح خاصة لأي من الدول الكبرى في سياق الحرب الباردة، مؤكدين ضرورة امتناع الدول النامية عن التحالف مع أي من القوتين العظميين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وقتها.
وبعد المؤتمر بستة أعوام، أُعلن عن تأسيس حركة دول عدم الانحياز على أساس جغرافي أكثر اتساعًا خلال مؤتمر القمة الأولى الذي عقد في العاصمة اليوغسلافية بلجراد خلال الفترة من 1-6 سبتمبر عام 1961، بحضور 25 دولة أبرزها "الهند ومصر والجزائر واليمن والسعودية وتونس وسوريا".
وكان شرط العضوية في حركة عدم الانحياز، هو أن الدول لا يجوز لها أن تكون جزءًا من تحالف عسكري متعدد الأطراف مثل حلف الناتو، أو أن توقع اتفاقية عسكرية ثنائية مع إحدى "القوى الكبرى".
إلا إن الحركة واجهت تحديات عدة، أبرزها مع انهيار الاتحاد السوفيتي، ونهاية حقبة الحرب الباردة عام 1991، إذ اختلفت موازين القوى، ونشأت تكتلات إقليمية واقتصادية جديدة، إضافة إلى بروز صراعات عرقية وأهلية في عدة مناطق في العالم الثالث، وانشغال بعض الدول بالانقسامات الداخلية، إضافة إلى تغير الخريطة السياسية والاقتصادية الدولية، وتحول بعض الدول الأعضاء مثل الصين والهند إلى الصناعة.
الهند وفخر سياسة عدم الانحياز
وتفتخر الهند باتباعها سياسة عدم الانحياز، ولا تريد أن تكون محصورة في محور قوة معين بالنظام العالمي، خاصة أنها تعتمد على موسكو في ما يقرب من 50% من حاجاتها الدفاعية، الأمر الذي أغضب واشنطن في الأشهر الأولى من الحرب، ومنذ ذلك الوقت تحاول واشنطن استمالتها.
ولطالما كانت العلاقات بين الولايات المتحدة والهند معقدة، وشهدت عقودًا من عدم الثقة، ثم تلاها عملية إعادة بناء الثقة، إلا إن التوتر بين البلدين يطفو على السطح من وقت لآخر، فيما يبدو الرئيس الأمريكي جو بايدن عازمًا على جعل العلاقات الهندية الأمريكية، في أفضل حالاتها، بحسب "بي بي سي".