يبدأ حجاج بيت الله الحرام في التوافد، صباح اليوم الإثنين، الموافق الثامن من شهر ذي الحجة 1444، إلى مشعر منى، لقضاء يوم التروية، الذي يُمثل سُنة مؤكدة عن الرسول ﷺ، تقربًا لله تعالى.
ويمثل يوم التروية رُكنًا أساسيًا بمناسك الحج، إذ يُكثّف الحجاج من دعائهم خلال تواجدهم بمشعر منى، راجين من الله القبول والمغفرة، ومتبعين سُنة النبي.
يوم التروية
أوضح الأزهر الشريف أن يوم "التروية"، الذي يوافق الثامن من شهر ذي الحجة، إذ يُحرم الحجاج وقت الضحى، وينوون أداء مناسك الحج بقول "لبيك حجًا"، وهو ما يسمى بـ"الإهلال بالحج"، ثم ينطلقون إلى مشعر منى.
ويقضى الحاج في مشعر منى طيلة اليوم، ويصلي فيه صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، كل صلاة في وقتها، وتُصلى الرباعية منها ركعتين قصرًا بلا جمع، ولا فرق بين الحجاج من أهل مكة وغيرهم في ذلك، فالجميع يقصر الصلاة.
واقتداءً بسنة النبي ﷺ، يبيت الحجاج في منى هذه الليلة، استعدادًا لأداء أهم أركان الحج في اليوم التالي، بالوقوف على عرفة، التي تُعرف بـ"الوقفة الكبرى".
ويبقى الحجاج بمشعر منى إلى ما بعد بزوغ شمس التاسع من ذي الحجة، ثم يتوجهون بعدها للوقوف بعرفة، ثم يعودون إليها بعد "النفرة" من الجبل، والمبيت بمزدلفة لقضاء أيام 10 و11 و12 و13، ورمي الجمرات الثلاث، العقبة والوسطى والصغرى.
وحمل يوم "التروية" هذا الاسم، لأن الحجاج كانوا يتزودون بالماء في هذا اليوم قديمًا، نظرًا لعدم وجود مصادر أخرى للمياه في تلك المناطق آنذاك.
مكانة دينية وتاريخية
ويقع جبل منى بين مكة المكرمة ومشعر مزدلفة، وتحديدًا على بعد 7 كيلومترات شمال شرق المسجد الحرام، وتحيطه الجبال من الجهتين الشمالية والجنوبية، ولا يُسكن إلا مدة الحج فقط.
ويتمتع "منى" بقيمة كبيرة في الإسلام، إذ نزلت به سورة "المرسلات"، حسب روايات وأسانيد تاريخية استعرضتها وكالة الأنباء السعودية.
وشهد مشعر "منى" عددًا من الأحداث التاريخية الشهيرة، أبرزها بيعتا العقبة الأولى والثانية، إذ وقع في العام الـ12 من الهجرة مبايعة 12 رجلًا من الأوس والخزرج لرسول ﷺ، تلتها العقبة الثانية في حج العام الـ13 من الهجرة، التي شهدت مبايعة 73 رجلًا وامرأتان من المدينة المنورة في الموقع نفسه.
وحسب وكالة الأنباء السعودية "واس"، فإن مشعر منى يتمتع بمكانة تاريخية ودينية، إذ رمى نبي الله إبراهيم الجمار فيه، وذبح فدي ولده النبي إسماعيل، ثم أكد الرسول ﷺ هذا الفعل في حجة الوداع ورمى الجمرات في هذا الموقع، ليستن المسلمون بسنته بعدها، ويرمون الجمرات ويذبحون هديهم ويحلقون الرأس في هذا الموقع.
ويشتهر المشعر بمعالم تاريخية، تشمل الشواخص الثلاث التي تُرمى، وبه مسجد "الخيف" التاريخي، الذي صلى فيه النبي ﷺ.
جهود التطوير السعودية
وتولي الحكومة السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، اهتمامًا كبيرًا بمشعر منى، استشعارًا منها لأهميته كركن رئيسي في الحج، ولتوفير سبل الراحة خلال الفترة الزمنية التي يقضيها الحجاج في المشعر.
ومن بين الجهود التي أقامتها السعودية في منى، استكمال شركة كدانة السعودية، المطور الرئيسي للمشاعر المقدسة، تنفيذ عدد من المشروعات التطويرية في موسم الحج، شملت تطوير جبل الرحمة والمنطقة المحيطة به، على مساحة 200 ألف متر مربع، وزيادة الطاقة الاستيعابية من خلال تهيئة وتهذيب المساحات الجبلية ومواقع الهضاب بمشعري منى ومزدلفة، حسب وكالة الأنباء السعودية.
وتتضمن تهيئة مساحة موقعين لتسكين الحجاج بمشعر منى وساحتي نزول الحجاج، إذ تم مشروع التهيئة على مساحة تصل 78 ألف متر مربع، وتنظيم مواقع نزول الحجاج عند محطات قطار المشاعر المقدسة، إضافة لتوسعة مسار حركة حشود الحجاج ليصل عرض المسار 10 أمتار، وصيانة المسار وإزالة العوائق وتنفيذ أعمال الإنارة.
وعملت "كدانة" على تنفيذ مشروعات البنية التحتية؛ من خلال إعادة تأهيل عدد من مواقع مخيمات إسكان الحجاج بمشعر منى؛ بهدف تأهيل المخيمات بمشعر منى من "تكييف، كهرباء، إنذار الحريق، مطابخ، وممرات"، مع زيادة طاقة التكييف بتلك المخيمات بنسبة 15%، إضافة لمشروعات البنية التحتية لمنطقة شرق الربوة وعرفات ومزدلفة؛ بغرض إضافة مساحات إسكان للحجاج لتستوعب 13 ألف حاج.
كما نفذت مشروع البنية التحتية للمخيمات للمرحلة الثانية بمشعر عرفات؛ من خلال إنشاء شبكة توزيع كهرباء داخلية لمخيمات إسكان الحجاج بمشعر عرفات على مساحة مليون و600 ألف متر مربع، مع رفع مستوى سلامة أعمال التمديدات ومطابقتها للمواصفات والجودة، ومشروع زيادة الطاقة الكهربائية بمخيمات منى "جهد منخفض".
وإجمالًا، تسعى السعودية لتوفير الخدمات الأمنية والطبية ووسائل النقل اللازمة، للتسهيل على قاصدي بيت الله الحرام، وإتاحة الفرصة لهم من أجل أداء المناسك بأجواء روحانية وآمنة.