"يا وجدي أنت اللي يسجل معك عمره ما يموت، لأنك هتفضل تذيع تسجيلاته"، كانت هذه العبارة التي سرت على لسان المطرب محمد عبد الوهاب، تعبر بصدق عن عمق التأثير الذي تركه الإعلامي الراحل وجدي الحكيم في النفوس، فكان حافظًا لجزء من تاريخ مصر بلقاءاته التي ستعيش مع الزمن وسجل ببصمة صوته أثرًا لن يمحوه الزمن.
بصوت مميز وأداء فريد، سحر وجدي الحكيم قلوب الملايين عبر أثير الإذاعة المصرية، النجوم والبسطاء، الكبار والصغار، فصوته الذي يبعث في النفس الاطمئنان، وقوة كلماته التي تجذب المسامع، وعمق تأثيره الذي يضفي رونقًا على الحديث، وأمانة الكلمة والحفاظ على الأسرار، كلها أدوات طوعها الإذاعي القدير الراحل وجدي الحكيم في عمله، ليلقب بـ" كاتم الأسرار" و"ملك الحوارات".
رغم أن الإعلامي وجدي الحكيم عاش 79 عامًا حافلة بالإنجازات، تاركًا إرثًا إذاعيًا كبيرًا، إلا أنه لم يتخيل أبدًا أن أسبوعًا واحدًا يفصل بين ذكرى ميلاده ووفاته في شهر يونيه من كل عام، لتحل اليوم 23 يونيو 1934 ذكرى ميلاده، فنشأ في بيئة صعيدية بإحدى قرى مركز ملوي التي كانت تتبع محافظة أسيوط قبل أن تنضم لاحقًا لمحافظة المنيا، وانتقل للقاهرة للدراسة في كلية الآداب قسم علم الاجتماع جامعة القاهرة، وهو أيضًا كان سببًا في اجتماع عدد من الأصدقاء بالكلية وكان منهم عبد المنعم مدبولي، والفنان حسن مصطفى ونجوم ساعة لقلبك، قبل أن تعرف الشهرة طريقهم، لتُعرف هذه المجموعة بخفة الظل، وتلعب الصدفة دورها في انتقاله للإذاعة، إذ سمع الموسيقار محمد الشجاعي قائد أول فرقة أوركسترا بالإذاعة المصرية، عن هذه المجموعة وأعجب بهم ليأخذهم للعمل بالإذاعة المصرية.
انطلق سهم وجدي الحكيم بقوة في عالم الشهرة والنجومية فأصاب أهدافًا وصنع علامات مضيئة في مشواره، وساهم لقاؤه مع الفنان محمد عبد الوهاب في مولد محاور كبير لأسباب يعود بعضها إلى أنه استطاع تسجيل حوار مع قيمة موسيقية كبيرة في أول أيام عمله بالإذاعة، فضلًا عن اختيار عبد الوهاب اسمه الإذاعي الذي اشتهر به بعد ذلك، إذ سأله عبد الوهاب عن اسمه فقال له "محمد وجدي حسن الحكيم"، فقال له عبد الوهاب من الآن اسمك "وجدي الحكيم".
تمر السنوات ويمنح وجدي الحكيم، اسمه للمطربة شيرين وجدي، إذ أعجب بصوتها خلال اختبارها من لجنة الاستماع الموحدة للاعتماد في الإذاعة المصرية، وكأنه يرد الجميل لمن ساهم في دعمه يومًا ما، ويقوم هو الآخر بدعم المواهب الجديدة.
ارتبط وجدي الحكيم بعلاقات قوية ومتينة مع النجوم والمشاهير مثل فاتن حمامة وعبد الحليم حافظ وهدى سلطان وفريد شوقي وغيرهم الكثير، وقدم أشهر البرامج الإذاعية مثل "منتهى الصراحة"، "افتح قلبك"، "ليالي الشرق"، وبفضل أمانته وحفظه للأسرار، زادت ثقة النجوم فيه، فضلًا عن ذكائه في محاورة الفنانين، فاكتسب محبة كبيرة، وكان يفصل بين ما يمكن إذاعته وبين ما يعتبر سرًا يصعب إفشاؤه للجمهور، وهو ما دفع المطربة القديرة أم كلثوم لإعطائه الثقة في أن يسجل ويوثق قصة حياتها.
وعلى الرغم من أن وجدي الحكيم ترك مئات الشرائط والتسجيلات التي تعد ميراثًا للإذاعة المصرية وأرشيفًا ضخمًا، إلا أنه كان يحلم بتدشين هيئة للحفاظ على التراث والهوية المصرية، وتؤرخ فيها 100 عام من الأرشيف الغنائي المصري من عام 1900 إلى عام 2000.
احتفظ وجدي الحكيم بعلاقة متينة مع العندليب عبد الحليم حافظ، وكان هناك اتفاق بينهما على أن يسجل قصة حياته فيديو، ولكن رحل العندليب قبل أن يقوم بذلك، وحاول وجدي استكمال هذا المشروع بالتسجيل مع كل من عاصروه من الفنانين، مثل عمر الحريري وزهرة العلا وكمال الطويل وعمر الشريف وغيرهم الكثير، ولكن هذا المشروع لم يكتمل لوفاة وجدي الحكيم في 16 يونيو عام 2014، ورغم رحيل الجسد إلا أنه سيظل خالدًا بأعماله وتسجيلاته القيمة، مخلدًا أيضًا بلقاءاته كثيرًا من النجوم، إذ يفنى الجسد ويبقى العمل شاهدًا.