الوساطة الصينية تعيد القضية الفلسطينية إلى دائرة الضوء
دعوة قام بها الرئيس الصيني، اليوم، عكست الدور الدبلوماسي المتزايد للصين في الشؤون الإقليمية والعالمية، حيث دعا شي إلى ضم فلسطين كعضو كامل في الأمم المتحدة، وذلك بعد لقاء بين الرئيس شي جين بينج والرئيس الفلسطيني محمود عباس، في بكين، ونقلت وسائل الإعلام الصينية الدعوة، التي وصفتها بالتطور الدبلوماسي الجديد مشيرة إلى نجاح الصين في دور الوساطة مؤخرًا، وخاصة في العلاقات بين الرياض وطهران.
أهمية الدعوة
تعكس دعوة بكين التزام الصين بقضية فلسطين، كما تشير إلى التزامها بدعم حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفي المقابل تعزز الدعوة موقف بكين كدولة تنادي في خطابها الرسمي بتحقيق العدالة والاستقرار في المنطقة، كما تؤكد على دور الوساطة المحايد للصين، وتاريخيًا، اتبعت الصين سياسة خارجية تتمثل في الحفاظ على الحياد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، من جهة أخرى، توضح الدعوة دورًا دبلوماسيًا وسياسيًا جديدًا تتبناه الصين في الساحة الدولية، حيث تلعب دور الوسيط المحايد بين الأطراف المتنازعة، ما يجعل بكين شريكًا موثوقًا للجميع.
رفع مستوى العلاقات الثنائية إلى "الشراكة الاستراتيجية"
وذكرت صحيفة "جلوبال تايمز" الصينية أن بكين قد رفعت مستوى علاقاتها الثنائية مع الفلسطينيين إلى مستوى شراكة استراتيجية بحسب إعلان الرئيسين الصيني، والفلسطيني، حيث أكد شي أن الصين وفلسطين صديقان حميمان وشريكان جيدان يثقان ويدعم كل منهما الآخر، مضيفًا أن الصين كانت من أوائل الدول التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين، ودعمت قضية الشعب الفلسطيني العادلة المتمثلة في استعادة حقوقه الوطنية المشروعة.
السياسة الأمريكية تسببت في مزيد من الفوضى
وقالت الصحيفة الصينية إنه خلال العقود الماضية، استطاعت دول المنطقة أن تدرك أن سياسة الولايات المتحدة بشأن قضايا الشرق الأوسط، بما في ذلك الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والاتفاق النووي الإيراني والأزمة السورية، غير موثوقة وغير مستدامة، ولم تفشل الولايات المتحدة فقط في حل المشكلات الإقليمية لتحقيق السلام والتنمية في المنطقة، ولكنها أضافت المزيد من التوترات والفوضى، ما تسبب في فقدان الدول للثقة في الولايات المتحدة، وفي المقابل أصبح من المتوقع أن تلعب الصين دورًا أكبر في تعزيز السلام.
جهود بكين أثارت قلق واشنطن
وتابعت الصحيفة أنه بينما تبذل الصين جهودًا لتعزيز السلام في المنطقة، تبدو الولايات المتحدة قلقة من أن "بكين توسع نفوذها" في المنطقة حيث كانت الولايات المتحدة هي وسيط القوة الرئيسي لعقود، واستشهدت "جلوبال تايمز" بما نشرته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن "بكين سعت إلى تعزيز علاقاتها بالشرق الأوسط، متحدية النفوذ الأمريكي طويل الأمد هناك ـوهي جهود أثارت القلق في واشنطن".
الولايات المتحدة تدعم حل الدولتين "لفظيا" والقضية الفلسطينية تم تهميشها:
وقال محللون صينيون إن الولايات المتحدة، التي كانت وسيطًا في الشرق الأوسط لعقود، تهتم أكثر بنفوذها وهيمنتها في المنطقة، مستشهدين بدعم الولايات المتحدة "اللفظي" لحل الدولتين وترويج إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب لما أسمته بـ"صفقة القرن"، وأشاروا إلى أن انحياز الولايات المتحدة تجاه إسرائيل أدى إلى تراجع قدرتها على التواصل مع الفلسطينيين، في حين أن تقلبات السياسة الأمريكية، بحسب كل إدارة أدت إلى زيادة إحباط المجتمع الدولي.
ومن جهة أخرى، فإن لقاء شي وعباس لا يعيد التأكيد على الصداقة التقليدية بين الصين وفلسطين على أساس الثقة والدعم المتبادلين فحسب، بل يؤكد على التزام الصين المستمر بالتعامل مع القضية الفلسطينية، التي تم تهميشها على خلفية التغييرات والاضطرابات الرئيسية في العالم، رغم تصاعد التوترات في الآونة الأخيرة
إعادة القضية الفلسطينية إلى دائرة الضوء
وقال لي ويجيان، نائب رئيس الجمعية الصينية لدراسات الشرق الأوسط، إن وساطة الصين لا تهدف إلى حل القضية على الفور، لأن القضية أكثر عمقًا وتعقيدًا من خلافات أخرى توسطت فيها بكين، فالهدف الفوري هو إعادة القضية الفلسطينية إلى دائرة الضوء، وتهدئة التوترات وإنهاء الأعمال العدائية من أجل استئناف محادثات السلام التي توقفت منذ عام 2014، وأضاف لي أنه بما أن الصين لا تسعى إلى تحقيق مصالح حصرية لها في المنطقة، فإن الولايات المتحدة، إذا كانت على استعداد للقيام بدور مماثل، يمكنها الانضمام إلى الجهود العالمية من خلال علاقاتها الخاصة مع إسرائيل.
موقف الصين ثابت وعادل بعكس دول كبرى "مترددة"
ويرى دينج لونج، الأستاذ في معهد أبحاث الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات، أن موقف الصين الثابت، على عكس مواقف بعض الدول الكبرى "المترددة"، هو أساس الثقة المتبادلة رفيعة المستوى بين الصين وفلسطين، كما أشار وو سايك، المبعوث الخاص السابق للحكومة الصينية بشأن قضايا الشرق الأوسط، إلى أنه عند التوسط في الصراع، لا تفكر الصين من منظور ثنائي، بل تهتم أيضًا بالاستقرار الدائم في المنطقة وذلك في إطار مبادئ العدالة الدولية، وتابع أنه طالما لم يتم التعامل مع مخاوف الفلسطينيين، فستشتعل الصراعات بين الحين والآخر، ما يعرض الأمن والتنمية للخطر، حيث أظهر استطلاع حديث للرأي أن 80٪ من الفلسطينيين يرحبون بالدعوات الصينية للتوسط في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بينما يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها الخيار الأقل تفضيلًا.