أُثيرت المخاوف إزاء تعطل صادرات الحبوب من أوكرانيا، بعد تدمير سد كاخوفكا، وخط أنابيب لنقل الأمونيا، ما يهدد بعودة ارتفاع أسعار المواد الغذائية عالميًا.
وانهار سد كاخوفكا الواقع على نهر دنيبرو، جزئيًا نتيجة انفجار وقع، الثلاثاء الماضى، ما أغرق مساحات واسعة منها أجزاء مأهولة بالسكان.
وغمرت الفيضانات الناجمة عن تدمير سد كاخوفكا منطقة تزيد مساحتها على 600 كيلومتر مربع في جنوب أوكرانيا، على الضفة اليمنى لنهر دنيبرو التي يسيطر عليها الأوكرانيون كما على الضفة اليسرى التي يسيطر عليها الروس، وفق ما أفاد حاكم منطقة خيرسون أولكسندر بروكودين، والذي أوضح أن متوسط منسوب الفيضانات بلغ 5.61 أمتار.
أوكرانيا قد تفقد ملايين الأطنان من المحاصيل
جاء هذا في حين حذرت وزارة الزراعة الأوكرانية، أن كييف قد تفقد عدة ملايين من الأطنان من المحاصيل بسبب الفيضانات الناجمة عن تدمير سد كاخوفكا. وقالت الوزارة في بيان: "بدون مصدر لإمدادات المياه، من المستحيل زراعة الخضراوات".
وفى وقت سابق، توقعت وزارة الزراعة الأوكرانية أن تغمر المياه نحو 10 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية على الضفة الشمالية لنهر دنيبرو في منطقة خيرسون. وأشارت الوزارة إلى أنه من المتوقع غمر أضعاف هذه المساحة في المنطقة الواقعة على الضفة الجنوبية للنهر والتي تحتلها قوات روسية.
ويقع سد كاخوفكا على نهر دنيبرو، وبجانبه محطة كاخوفكا الكهرومائية، ويحتجز 18 مليون متر مكعب من المياه. ويبلغ ارتفاعه 30 مترًا وطوله 3.2 كيلومتر، قد أنجز في عام 1956.
وشكل السد خلفه بحيرة بحجم مماثل تقريبًا لبحيرة "سولت ليك" الكبرى في ولاية يوتا الأمريكية، كما أنها تزود شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا في عام 2014 بالمياه.
ويعتبر سد كاخوفكا نقطة الضعف الكبرى في خيرسون، فتدميره سيشكل كارثة حقيقية، كما أن نسف السد سيدمر نظام قنوات الري في معظم جنوب أوكرانيا، ومنها شبه جزيرة القرم أيضًا.
وفي رد فعل سريع، ارتفعت الأسعار العالمية للقمح والذرة بعد ساعات من الإعلان عن انهيار السد الأوكراني، إذ صعدت أسعار القمح بنسبة 2.4 بالمئة في التعاملات المبكرة ببورصة شيكاغو التجارية، إلى 6.39 دولار للبوشل، كما ارتفعت أسعار الذرة بأكثر من 1 بالمئة، إلى 6.04 دولار للبوشل.
وحذر برنامج الغذاء العالمي، من تداعيات مدمرة، بالنسبة للأشخاص الذين يعانون الجوع على مستوى العالم جراء تدمير سد كاخوفكا الأوكراني.
وشدد منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة، مارتن جريفيث، على أن تدمير السد ضربة هائلة للنشاط الزراعي.
ووفق وكالة "أسوشيتدبرس" الأمريكية، فهناك حقول زراعية ضخمة في جنوب أوكرانيا حيث انفجر السد، ما تسبب في تعريض المحاصيل للخطر في مسار مياه الفيضانات.
ويقول كبير الباحثين في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، جوزيف جلوبر، إنه "في أي وقت تظهر علامات على تصاعد هذه الحرب، سيكون هناك الكثير من القلق، وسرعان ما تتفاعل الأسواق مع ذلك".
وفي ذات السياق، يرى المدير الإداري لشركة أبحاث الأسواق الزراعية في البحر الأسود، أندريه سيزوف، أن "انهيار السد بدا وكأنه تصعيد كبير له عواقب وخيمة ومخاطر كبيرة".
واعتبرت صحيفة "الجارديان" البريطانية، أن الدمار الناجم عن انهيار سد كاخوفكا قد يستغرق عقودًا لعلاجه، موضحة أن فقدان الخزان سيعني أنه سيكون هناك مياه شرب أقل بكثير للمدن في المنطقة والري للحزام الزراعي المحيط به، وسيكون لذلك تأثير غير مباشر على إنتاج الغذاء، وعلى صادرات القمح والذرة وزيت عباد الشمس وفول الصويا، إلى بقية العالم.
وتجدر الإشارة إلى أن أوكرانيا تعد رابع أكبر دولة مصدرة للحبوب في العالم، وبالتالي فأي تأثير يحدث داخلها يلقي بظلاله بشكل مباشر على الغذاء في العالم أجمع، وبشكل خاص في القمح والذرة.
وتنتج المنطقة التي انهار بها السد، حوالي 6 بالمئة من إنتاج أوكرانيا من القمح، وهو ما يقارب 20.8 مليون طن، ما يؤثر على كمية الغذاء المتاحة للعالم، ويدفع لموجة ارتفاعات جديدة في أسعار المواد الغذائية.
تخريب خط أنابيب "توجلياتي- أوديسا للأمونيا"
وقد تتأثر صادرات الحبوب من أوكرانيا، بعد تخريب خط أنابيب "توجلياتي- أوديسا للأمونيا"، والذي تتهم روسيا، أوكرانيا بالوقوف وراءه، وهددت بإنهاء اتفاقية نقل الحبوب المبرمة بين الدولتين بسببه.
وقال إيجور كوناشينكوف، المتحدث باسم وزير الدفاع الروسي، أمس الأربعاء: "في الخامس من يونيو، في قرية ماسيوتيفكا بمنطقة خاركيف، فجر فريق استطلاع وتخريب أوكراني خط أنابيب توجلياتي- أوديسا للأمونيا". ووصفت وزارة الخارجية الروسية الانفجار بأنه "ضربة ضد اتفاقية الحبوب"، ما يثير المخاوف على مستوى دولي من ارتفاع أسعار الغذاء جراء فشل الاتفاقية.
ويشار إلى أن الأمونيا غاز سام يتم معالجته لتحويله إلى سماد. وتعد روسيا إحدى أكبر منتجي الأمونيا ومصدريها. وتم إغلاق خط أنابيب من توجاليتي المطلة على نهر فولجا باتجاه مدينة أوديسا الساحلية جنوبي أوكرانيا، بعد نشوب الحرب الروسية الشاملة ضد أوكرانيا. كان قد تم إنشاء الخط في الحقبة السوفيتية.
وضغطت روسيا مرارًا خلال الأشهر القليلة الماضية لجعل إعادة فتح خط الأنابيب جزءًا من الاتفاقية التي تسمح بتصدير الحبوب من أوكرانيا.
وشكت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في موسكو قائلة: "إن نظام كييف لم يقض على إمكانية نقل الأمونيا ماديًا ببساطة فحسب، بل إن الضربة تم تنفيذها ضد الجهود المشتركة لمساعدة الدول التي تعاني من المجاعة".
وأضافت أن جهود الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، الذي رغب في ضم إمدادات الأمونيا إلى اتفاقية الحبوب، تم تخريبها أيضًا. وذكرت أن الاتفاقية لم يتم احترامها عمومًا.
وكانت اتفاقية الحبوب التي تم إبرامها الصيف الماضي قد أنهت حصارًا بحريًا روسيًا استمر عدة أشهر على موانئ أوكرانيا على البحر الأسود. ونتيجة للاتفاقية، أصبح بإمكان أوكرانيا، وهي واحدة من أهم مصدري الحبوب في العالم، تصدير الحبوب مجددًا، وإن كان ذلك على نطاق محدود.
وقد تم تمديد الاتفاقية عدة مرات، وكانت آخر مرة في منتصف مايو لمدة شهرين. وعلى الرغم من ذلك، تشكو روسيا من أن وعود تسهيلات الصادرات الزراعية الروسية في هذا السياق لم يتم الوفاء بها.