قال وزير الدفاع الصيني، لي شانج فو، إن عقلية الحرب الباردة تتجدد الآن، وعادت للظهور في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتزيد مخاطر الأمن، مُضيفًا: "يجب أن يعلو الاحترام المُتبادل على البلطجة والهيمنة".
وأضاف لي شانج فو، خلال كلمته بـ"حوار شانجريلا"، أن بلاده تسعى للحوار وليس المواجهة.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تتحدث فيها الصين عن الحرب الباردة، وكثيرًا ما انتقدها مسؤولون صينيون، وفي أكتوبر الماضي، خرج الرئيس الصيني، شي جين بينج، ليؤكد رفض بلاده، "عقلية الحرب الباردة"، وذلك خلال افتتاح المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني.
وفي يناير الماضي، كرر رئيس الوزراء الصيني، ليو هي، انتقاد بلاده، لـ"عقلية الحرب الباردة"، وذلك في كلمة ألقاها أمام المنتدى الاقتصادي العالمي، قائلًا: "علينا التخلي عن عقلية الحرب الباردة، والسعي لبناء مصير مُشترك للبشرية، والتكاتف للاستجابة للتحديات العالمية"، فماهي الحرب البادرة ومتى وكيف بدأت؟
بداية الحرب الباردة
بدأت الحرب الباردة، في فترة التوتر، بين الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة، والشرق الشيوعي، بقيادة الاتحاد السوفيتي، واستمرت من أواخر الأربعينيات حتى عام 1991 عندما انهار الاتحاد السوفيتي.
كانت المنافسة محتدمة بين الغرب والسوفيت، كل منهما يسعى لحشد أفضل الأسلحة وتطوير تكنولوجيا الفضاء، ويرى البعض أنها بدأت تلوح مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وهناك من يرى أنها بدأت تلوح في الأفق في مؤتمر سان فرانسيسكو، ويجمع الغالبية على أنها بدأت في مارس 1946، عندما دعا تشرشل إلى تأسيس الاتحاد العسكري الأنجلو أمريكي، لمواجهة خطر الشيوعية.
لماذا سميت بالحرب الباردة؟
وجاء وصف تلك الحرب بأنها "حرب باردة"؛ لأن الجانبين لم يعلنا رسميًا حالة حرب بينهما، وانتهت بسقوط جدار برلين الذي قسم ألمانيا الشرقية عن الغربية، عام 1989، ثم انهيار الاتحاد السوفيتي بعد ذلك.
خطة مارشال
في مارس 1947، دعم الرئيس الأمريكي هاري ترومان، تشرشل، وأعلن أمام الكونجرس، أنه يجب على الأمريكيين دعم الشعوب الحرة ضد محاولات الاستعباد، في إشارة غير مباشرة لـ"السوفيت"، ثم في الصيف التالي، وافق الأمريكيون على خطة مارشال، وبموجبها تقرر توفير الدعم المادي والعسكري الهائل للعديد من دول وسط وغرب أوروبا.
بعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت نظريات غربية، تهدف إلى الحيلولة دون انتشار الفكر الشيوعي، أولاها نظرية "الاحتواء"، والتي صاغها وبلورها الدبلوماسي الأمريكي جور جينان، وبلغت الحرب الباردة ذروتها بإعلان الرئيس الأمريكي "ترومان"، بتنفيذه والتزامه بسياسة الاحتواء، وذلك على إثر خطاب للزعيم السوفيتي آنذاك ستالين في فبراير 1946، عندما أكد على حتمية الصراع مع القوى الرأسمالية.
تأسيس حلف شمال الأطلسي
وبلغت الحرب الباردة أشدها، في 1949، عندما قررت الدول الغربية اتخاذ أول خطوة لها لتنظيم الدفاع ضد الشيوعية، من خلال تأسيس منظمة شمال الأطلسي، وانضم لذلك الحلف كل من "الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا ولكسمبورج والنرويج والدنمارك وأيسلندا وإيطاليا والبرتغال"، وبتأسيسه لم تعد الحرب الباردة مقتصرة على أوروبا وحدها بل تسربت إلى جميع أنحاء العالم.
وجسد الاستعمار الغربي في الشرق الأقصى، المرحلة الثالثة من الحرب الباردة، وقالت وكالة أنباء "تاس" السوفيتية في يونيو 1946، إن حلف شمال الأطلسي كان وسيظل أداة لتهيئة الأعمال العدوانية، ولخدمة مصالح الجماعات العسكرية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.
ألمانيا
وكانت ألمانيا، سببًا رئيسيًا في زيادة حدة الخلاف، إذ تم تقسيم ألمانيا إلى أربعة أقسام، بعد انتهاء الحرب عام 1945، بين الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، والاتحاد السوفيتي.
وقررت فرنسا وأمريكا وبريطانيا، توحيد مناطق نفوذها في ألمانيا، عقب محادثات في لندن، وسك عملة جديدة، عرفت بالمارك الألمانية، وهو ما أثار غضب ستالين، وأمر بفرض الحصار على برلين، لكنه لم ينجح في أن يثني الحلفاء عن موقفهم على مدار 11 شهرًا، ثم رفع الحصار على ألمانيا، في مايو 1949.
وفي أواخر عام 1954 ظهر اتجاه واضح لدى الدول الغربية مفاده تكريس سيادة ألمانيا، وضمها إلى حلف الأطلسي، وبعد انضمامها والإعلان عن ذلك، أدى الإعلان إلى إثارة حفيظة السوفيت، وأصدر الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية الأخرى تحذيرًا علنيًا، للدول الغربية، كما تم تأسيس حلف وارسو.
وفي الفترة من 1950 وحتى 1960 أخذت الحرب الباردة منحنى جديدًا، وانتقل الصراع إلى الشرق الأقصى، وظهرت محاولات جدية وخاصة من جانب الاتحاد السوفيتي لإقامة التعايش السلمي.
نهاية الحرب الباردة
وبداية من عام 1980 وبوصول ريجان للرئاسة الأمريكية، بدأت مرحلة جديدة اتسمت بالتوتر في العلاقات الدولية، وأطلق عليها الحرب الباردة في مرحلتها الثانية، وتزايد التوتر بين الجانبين، حتى وصلت الحرب الباردة إلى نهايتها، لتصبح نهاية نزاع أيديولوجي سعى فيه نظامان اجتماعيين طوال 40 عامًا إلى بسط سيطرتهما على العالم.
ورغم نهاية الحرب البادرة، لا يزال اسمها يتردد في الأوساط العالمية، وسط مخاوف من أن تُعيد نفسها بأشكال أكثر دموية، خاصة في ظل التوتر القائم بين الصين وواشنطن، وبين روسيا والغرب؛ بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.