كوارث طبيعية بوتيرة متسارعة، ارتفاع في درجات الحرارة، تصحّر، جفاف، حرائق الغابات، وغيرها ضربت بلدان العالم، بسبب التغيرات المناخية، إذ كشف تقرير أممي أن عدد الكوارث الطبيعية تضاعف خمس مرات خلال نصف قرن، ليجد العالم نفسه أمام أزمة تتفاقم.
وتعد إفريقيا أكثر قارات العالم تأثرًا بالكوارث الطبيعية، وخاصة في منطقة الساحل الإفريقي الغربي (أشد مناطق العالم تأثرًا وتضررًا بالتغيرات المناخية) على الرغم من أن الدول الإفريقية تسهم بشكل ضئيل في التغيرات المناخية، إذ إن نصيبها من الانبعاثات الضارة لا يزيد عن 3 في المئة، مقارنة بـ30 في المئة للصين و14 في المئة للولايات المتحدة.
ووضعت القارة الإفريقية، الآمال على قمة المناخ التي تستضيفها مصر حاليا، في شرم الشيخ COP27، تحت عنوان "قمة التنفيذ"، آملة أن تتحول تعهدات الدول الغنية إلى حقيقة على أرض الواقع، تنفيذًا لمبدأ "الخسائر والأضرار"، وهو المصطلح الذي يعود إلى عام 1991، الذي صاغه تحالف الدول الجزرية الصغيرة خلال مفاوضات المناخ في جنيف، وفي عام 2013 خلال قمة المناخ التاسعة عشرة في بولندا جرى إنشاء الآلية الدولية للخسائر والأضرار المرتبطة بآثار تغير المناخ بهدف مواجهة ومعالجة هذه القضية.
قمة المناخ السابقة، في جلاسكو "كوب 26"، خرجت بثلاثة أهداف رئيسة، أولها الحصول على التزامات بخفض الانبعاثات الضارة، للبقاء في نطاق هدف الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية، وثانيها الوصول إلى هدف تخصيص 100 مليار دولار سنويًا لتمويل التكيف المناخي في البلدان النامية، إضافة إلى اتفاق بشأن تنفيذ بنود مؤتمر باريس، إلا أن الجهود على أرض الواقع لم تكن على قدر الحدث، وقال أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، إن العالم يخسر السباق أمام التغير المناخي، وهناك فجوات كبيرة في التمويل لا يمكن تجاوزها دون العمل.
وفي قمة المناخ "cop 27"، ألقى الرئيس الأمريكي جو بايدن، كلمة تعهد خلالها بتقديم 150 مليون دولار لمبادرات تدعم خطة "بريبير" للتكيف في إفريقيا، كدفعة أولية، قائلا إنه تعهد العام الماضي بالعمل مع الكونجرس لزيادة الدعم الأمريكي لـ 4 أضعاف للتمويل المناخي، وتقديم 11 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2024 بما في ذلك 3 مليارات للتكيف، ويأتي ذلك في إطار استجابة الولايات المتحدة لمبدأ "الخسائر والأضرار"، وأكد "بايدن" أن بلاده ستموّل خطة الطوارئ للتكيف والقدرة على الصمود لمساعدة أكثر من نصف مليار إنسان في العالم، في البلدان النامية للاستجابة لتغير المناخ، قائلا إنه طلب ملياري دولار لخطة "بريبير" هذا العام، وأنه سيضمن تمويل كل هذه المشاريع بالكامل، بما في ذلك برنامج التكيف في إفريقيا.
وقال الرئيس الأمريكي، إن هذا المجهود انطلق بالاشتراك بين مصر والولايات المتحدة في يونيو، ويشمل توسيع نظم الإنذار المبكر لتغطي إفريقيا، وتوسيع فرص التمويل المناخي وتعزيز الحماية من المخاطر وتعزيز الأمن الغذائي وتعبئة القطاع الخاص، ودعم مركز جديد للتدريب في مصر، لتعجيل جهود التكيف عبر القارة الإفريقية، مشيرًا إلى أن إدارته ساهمت للمرة الأولى في صندوق التكيف العام الماضي، وتتعهد هذا العام بمضاعفة المبلغ ليكون 100 مليون دولار، مؤكدًا أن كل دولار ننفقه سينفذ أكثر ما يمكن تنفيذه، وهذا بفتح الأبواب لمصادر أخرى للتمويل وتريليونات من الاستثمار من القطاع الخاص، قائلاً: "نعرف أننا سنحتاج إليها كما أننا ندعم الدرع العالمية، وهو مبادرة لمجموعة السبعة لتعزيز حماية البلدان الضعيفة أمام المناخ، بما في ذلك الخسائر المناخية والاستجابة بسرعة للأضرار المناخية والشراكة من أجل البنية التحتية العالمية، والاستثمار بقيادة مجموعة السبعة تعمل على تلبية الاحتياجات الحيوية في البنية التحتية في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط مع التركيز على المناخ".
وشدد بايدن، على أن كل قادة العالم والبلدان القادرة، ينبغي أن يساعدوا البلدان النامية لكي تتخذ الإجراءات اللازمة، مؤكدًا ضرورة تيسير التحول في الطاقة وبناء مسار من أجل الازدهار يتماشي مع مقتضيات المناخ، قائلاً: "إن كانت البلدان الغنية بوسعها أن تموّل الفحم في البلدان النامية فيمكنها أن تموّل الطاقة النظيفة في البلدان النامية".
وأعلن بايدن، أنه إلى جانب الاتحاد الأوروبي وألمانيا فهناك صفقة بـ 500 مليون دولار لتمويل تحول مصر إلى الطاقة النظيفة، قائلا إنها ستسمح لمصر بالحصول على 10 جيجاوات من الطاقة المتجددة بحلول 2030 وتحسين 5 جيجاوات من الطاقة المولدة بالغاز بما يخفّض انبعاثات مصر في نطاق الطاقة بـ 10 في المئة.
وتابع بايدن في كلمته: "سنعمل مع مصر على حجز 4 مليارات من الأمتار المكعبة من الغاز الطبيعي حاليا تخسرهم مصر في الحرق والرياح والتسرب، وبفضل هذا التعاون فإن مصر تصبح قادرة على تحقيق ما وضعته لنفسها كمساهمات محددة وطنيًا، إن كان لنا أن ننجح فلا بد أن نقول إنه لم يعد هناك عذر لأحد، الجميع على علم بما ينبغي القيام به".
مبادرات مصرية لاستعادة حقوق القارة الإفريقية
ووضعت مصر عددًا من المبادرات، لاستعادة حقوق القارة الإفريقية، تطلقها خلال COP 27، ضمت "الانتقال العادل للطاقة، وحياة كريمة لإفريقيا للتصدى لآثار تغير المناخ، ومبادرة المرأة والتكيف، ومبادرة الزراعة ونظم الغذاء، ومبادرة AWARE وهي خاصة بالمياه تهدف إلى وضع نظام إنذار مبكر وحماية المياه من تأثير تغير المناخ، ومبادرة التنوع البيولوجي والتي تهتم بحماية الحياة البحرية والنظام البيئي، إضافة إلى مبادرة المخلفات 50 بحلول عام 2050 لإفريقيا.
قادة إفريقيا يؤيدون مبادرات السيسي بقمة المناخ "cop 27"
في اجتماع لقادة الدول الإفريقية على هامش cop 27، ضم عددًا من قادة الدول الإفريقية و15 من نواب رؤساء الجمهوريات في إفريقيا ورؤساء الوزراء ومسؤولي الاتحاد الإفريقي وممثلين عن المجتمع المدني، أكدوا أن إقرار المؤتمر، وللمرة الأولى، مبدأ الخسائر والتعويضات يمثل انتصارًا للقارة الإفريقية، ويعد من أهم نجاحات المؤتمر الذي ترأسه مصر بجدارة، مشيدين بجهود الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال مؤتمر المناخ COP 27 وتبنيه قضايا إفريقيا وسعيه الدائم لتخفيف معاناة الشعوب الإفريقية جراء كوارث التغير المناخي، إذ عبّر الرئيس المصري خلال كلماته والمبادرات التي طرحها عن صوت إفريقيا ومعاناة شعوبها.
من جانبه، وجّه الرئيس الكيني، وليام روتو، عدة رسائل حاسمة خلال مؤتمر المناخ، تحدث فيها عن مطالب القارة، قائلاً إن الدول الثرية هي المسؤولة بشكل كبير عن انبعاثات الوقود الأحفوري الذي تسبب في ظاهرة تغير المناخ، وعليها الوفاء بتعهداتها في إزالة الكربون وتقديم يد العون للبلدان النامية الأكثر تضررًا من الاحتباس الحراري.
وتحدث الرئيس الكيني، نيابة عن المجموعة الإفريقية للمفاوضين بشأن تغير المناخ، قائلاً: "إن تكتيكات المماطلة والتسويف في إطار العمل المناخي قاسية ومجحفة"، مشيرا إلى أن إفريقيا يمكن أن تلعب دورًا إيجابيًا لا غنى عنه في مواجهة تداعيات ظاهرة تغير المناخ على كوكب الأرض، بسبب ما تزخر به من موارد غير مستغلة في مجال الطاقة المتجددة ومساحات شاسعة وأيضا قوة بشرية شابة.