مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2024، تشهد الساحة السياسية الأمريكية منافسة متزايدة، وذلك بعد الأنباء الأخيرة التي تشير إلى قرب إعلان مايك بنس نائب الرئيس السابق، التقدم للفوز بترشح الحزب الجمهوري، ما يعزز مواجهة مع حليفه السابق دونالد ترامب، الذي يعتبره البعض داخل الحزب رمزًا للقوة والتغيير، بينما يرى آخرون أن انقسامات قد تنجم عن ترشحه مرة أخرى، بالمقارنة بشخصية بنس المعتدلة والمؤيدة للقيم الجمهورية التقليدية.
ونقلت وكالة "رويترز" عن مصادرها، اليوم الخميس، أن بنس بصدد الإعلان عن بدء حملته الانتخابية في 7 يونيو الجاري، استعدادًا لخوض السباق الانتخابي للرئاسة في 2024، حيث سيطلق حملته سعيًا لنيل ترشح الحزب الجمهوري من خلال مقطع فيديو وكلمة يدلي بها من ولاية أيوا.
ومن أجل الظفر بترشيح الحزب الجمهوري، يتعين على بنس التغلب على منافسه الأبرز، الرئيس السابق، دونالد ترامب، الذي يظل في الوقت الراهن المرشح الأوفر حظًا لتمثيل الحزب الجمهوري في هذه الاستحقاقات.
تدفق المرشحين
من المقرر أن يواجه بنس، الذي تتوافق سياسته في الغالب مع المسيحيين الإنجيليين، كتلة التصويت الأساسية للجمهوريين، منافسة قوية من أجل الفوز بترشيح الحزب، ورغم أن بنس كان من ضمن أقوى حلفاء دونالد ترامب، إلا أنه أثار غضب الأخير، بعد رفضه دعم جهود ترامب الرامية لإلغاء نتائج انتخابات 2020، كما عبر عن معارضته لتصريحات الرئيس السابق، عقب هجوم أنصار ترامب على مبنى الكونجرس في يناير 2021، وعقب الإدلاء بشهادته في محاكمة ترامب حول هجوم الكابيتول، صرح نائب الرئيس السابق أن التاريخ "سيحاسب" دونالد ترامب على دوره في هجوم 2021 على مبنى الكونجرس.
وينضم بنس، بذلك، إلى عدد متزايد من المرشحين الجمهوريين الذين يسعون لمواجهة الرئيس الديمقراطي، جو بايدن، الطامح إلى الفوز بولاية رئاسية ثانية.
وفضلا عن ترامب، وحاكم ولاية فلوريدا، رون ديسانتيس، يتنافس كل من الحاكمة السابقة لولاية ساوث كارولاينا والسفيرة السابقة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، والحاكم السابق لأركنساس، آسا هاتشينسون، ورجل الأعمال، فيفيك راماسوامي، والمضيف الإذاعي، لاري إلدر، والسناتور عن ساوث كارولاينا، تيم سكوت، للظفر بترشيح الحزب الجمهوري، ورجح عدد من وسائل الإعلام الأمريكية إعلان ترشح الحاكم السابق لولاية نيوجيرسي، كريس كريستي، الثلاثاء المقبل، وقال موقع "أكسيوس" الإخباري، أن كريستي عبر عن رغبته في الترشح عن الحزب الجمهوري ويسعى إلى نيل تذكرة الحزب في الانتخابات التمهيدية نهاية العام الجاري.
الزعيم المحافظ
قبل تعيينه نائبًا للرئيس ترامب في انتخابات العام 2016، كان بنس حاكمًا لولاية إنديانا وعضوًا سابقًا في الكونجرس الأمريكي، حيث شغل منصب رئيس المؤتمر الجمهوري في مجلس النواب، ودائمًا ما يشدد بنس في خطاباته على الحاجة إلى المسؤولية المالية وإصلاح برامج التعويضات، كما أنه معروف بمناهضته الشديدة للإجهاض.
يعمل بنس على تصدير صورة حول سياسته المحافظة أما التيار التقدمي للحفاظ على ما يعرف بمبادئ المجتمع الأمريكي، ويقدم نفسه على أنه "محافظ كلاسيكي"، سيعيد الحزب الجمهوري إلى جذوره التي سبقت وصول ترامب إلى الحكم، كما يتبنى المبادئ المحافظة على غرار الرئيس السابق رونالد ريجان، التي تختلف تمامًا عن السياسات الشعبوية لكل من ترامب، ورون ديسانتس حاكم فلوريدا، ويراهن على لم شمل اليمين المسيحي، والمحافظين الماليين، وصقور الأمن القومي داخل الحزب.
داعمو بنس
يساند بنس عدد من أعضاء الحزب الجمهوري أهمهم لجنة العمل السياسي التي أطلقت على نفسها اسم "ملتزمون تجاه أمريكا"، التي تضم رئيسين مشاركين هما عضو مجلس النواب السابق، صديق بنس المقرب جيب هينسارلينج، وهو جمهوري من تكساس، والمستشار الجمهوري المخضرم سكوت ريد الذي أدار الحملة الرئاسية لبوب دول في عام 1996 وكان كبير الاستراتيجيين السياسيين لغرفة التجارة الأمريكية.
وصف هينسارلينج في بيان للجنة، بنس بأنه "الزعيم المحافظ الذي تحتاج إليه الأمة الأمريكية في هذا الوقت الحرج"، وأنه "أظهر باستمرار مع تنقله من رئاسة المؤتمر الجمهوري في مجلس النواب الأمريكي، إلى حكم ولاية إنديانا، إلى العمل كنائب للرئيس، التزامًا لا مثيل له بالمبادئ المحافظة والدستور، ولذلك يمكن لمايك الفوز، وهو مستعد للقيادة الآن".
سياسة بنس
رغم صعوبة المعركة ضد خصمين شعبويين مثل ترامب، وديسانتس الذي ينتظر ترشحه قريبًا، فإن بنس يراهن على اقتطاع مساحة جيدة ضمن الناخبين الجمهوريين الأساسيين من خلال مناشدة الإنجيليين وهم الشريحة الأكبر في الحزب، وتبني موقف متشدد لدعم حظر الإجهاض على المستوى الفيدرالي، وتعزيز التجارة الحرة، وصد جهود الجمهوريين لمراقبة الشركات الكبرى وتحديها على أسس أيديولوجية.
كما يؤكد نائب الرئيس السابق، أنه مدافعًا أسس الحزب الجمهوري في أهم القضايا الخلافية مع بعض المنقسمين في الحزب، فهو يطالب على سبيل المثال بتقليص الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية كجزء من أي خطة جادة للتعامل مع الدين الوطني الأمريكي، وهو نهج كان قبل دخول ترامب مجال السياسة الوطنية الأمريكية عام 2015، بمثابة نوع من التشدد الجمهوري المعتاد، حيث يدعو إلى قطع برامج الاستحقاقات، لكن ترامب غير ذلك ووعد في حملته الثالثة الجارية الآن، بعدم قطع أي من البرنامجين، كما هاجم ديسانتس في هذه القضية، مدعيًا أن حاكم فلوريدا سيقطع تمويل تلك البرامج، وفق ما أوردته صحيفة "إندبندنت".
في المقابل، انتقد بنس توافق ترامب وبايدن على عدم المساس بالضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، وقال إنه سيشرح للناس كيف ستؤثر أزمة الديون على أطفالهم وأحفادهم، مؤكدًا أن خطته لخفض المزايا لن تنطبق على مدفوعات الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية للأشخاص المتقاعدين أو الذين سيتقاعدون في السنوات الـ25 المقبلة، لكنه سيطرح أفكارًا لخفض الإنفاق للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 عامًا.
السياسة الخارجية
وفيما يتعلق بنهج بنس في القضايا والملفات الخارجية، فهو يقدم أجندته الخاصة المختلفة عن منافسيه ترامب وديسانتس، وفيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، يرى بنس أن المعركة "نسخة حديثة من الحرب الباردة"، منتقدًا رغبة أعضاء من الحزب الجمهوري وقف الدعم لكييف، ويرى بنس أن أمريكا يجب أن تظل "زعيمة العالم الحر" ولهذا يجب أن تستمر واشنطن في تقديم الدعم لأوكرانيا.
الترشح الصعب
تشير استطلاعات الرأي بحسب شبكة "فوكس نيوز" الإخبارية وصحيفة "وول ستريت جورنال" ووكالة "أسوشيتد برس" إلى أن أغلبية طفيفة فقط من الجمهوريين لا يفضلون ترشيح بنس، وما يصل إلى أربعة من كل 10 لا يحبونه، كما أظهر استطلاع لشبكة "سي بي إس" أن 57 % من الجمهوريين قالوا إنهم لن يفكروا في التصويت لصالحه، وعلى المستوى الوطني فإن 60 % من الأمريكيين لديهم وجهة نظر غير مؤيدة لبنس، مقارنة بنحو 29 % مؤيدين، لكن بنس وحملته قد يجدان عزاءهما في أرقام ترامب نفسه في مايو 2015 حين ترشح للمرة الأولى للانتخابات الرئاسية، إذ أظهر استطلاع، لصحيفة "واشنطن بوست" وشبكة "إيه بي سي نيوز" في ذلك الوقت أن 71 % من الأمريكيين و65 % من الجمهوريين لديهم وجهة نظر سلبية عنه، لكن بعد فترة وجيزة من إطلاق حملته، أظهر الاستطلاع نفسه تغيرًا عكسيًا سريعًا بشكل مفاجئ آنذاك، فقد أيد 57 %من الجمهوريين ترامب، بينما لم يؤيده 40%، وهو نفس المعدل الذي يقف عنده بنس الآن تقريبًا.