وافق مجلس النواب الأمريكي على مشروع قانون رفع سقف الدين، في خطوة مهمة، نحو تمريره في مجلس الشيوخ، قبل 5 يونيو الجاري، وهو الموعد النهائي الذي حذرت وزيرة الخزانة جانيت يلين، أن الحكومة الأمريكية ستكون غير قادرة على سداد التزاماتها.
وصوّت غالبية أعضاء مجلس النواب الأمريكي، بالموافقة على مشروع القانون المقدم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لتعليق سقف الدين الحكومي البالغ 31.4 تريليون دولار.
وبعد موافقة مجلس النواب على مشروع القانون، يجب أن يوافق عليه مجلس الشيوخ ذو الأغلبية الديمقراطية، قبل أن يتسنى للرئيس جو بايدن التوقيع على الإجراء ليصبح قانونًا.
وتمرير مشروع قانون سقف الدين في الكونجرس، من شأنه أن ينقذ الحكومة الأمريكية من التخلف عن سداد التزاماتها، ويجنب الاقتصاد العالمي تداعيات كارثية.
لكن رغم انفراج أزمة سقف الدين الأمريكي، لا يزال الاقتصاد العالمي يواجه جبلًا من المخاطر، وفق ما ذكرت شبكة "سي. إن. إن" الأمريكية، التي أوضحت أن هناك حزمة من المشكلات التي تواجه الاقتصاد العالمي، حاليا، والتي تلقي بظلالها على التوقعات. من هذه المشكلات معدلات التضخم المرتفعة، وارتفاع معدلات الفائدة، والنمو البطيء.
التباطؤ العالمي
ونقلت "سي. إن. إن" عن كارستن برزيسكي، الرئيس العالمي لأبحاث الماكرو في البنك الهولندي" "أي إن جي"، قوله: " حتى مع استبعاد السيناريو الأسوأ على الطاولة، لا زلنا ننظر في سيناريو التباطؤ العالمي".
وهناك بالفعل دليل على أن النمو الاقتصادي متعثر في الولايات المتحدة والصين- الاقتصادين الأكبر في العالم.
فقد نما الاقتصاد الأمريكي أقل بكثير من التوقعات في الربع الأول من العالم الجاري، وأظهرت بيانات، أمس الأربعاء، أن نشاط المصانع في الصين تراجع في مايو إلى أضعف مستوى، منذ أن أنهت البلاد سياسة صفر كوفيد قبل خمسة أشهر.
وهذا أحدث مؤشر على أن الانتعاش الاقتصادي في الصين يفقد زخمه، ويعيقه ضعف الطلب المحلي، وارتفاع معدلات البطالة، والركود العميق في قطاع العقارات.
وذلك الوضع يمنح بصيصًا من الأمل لألمانيا للخروج من انكماش اقتصادها، لأن الصين تعتبر الشرك التجاري الأهم لبرلين.
وانزلقت ألمانيا إلى الانكماش في الربع الأول من العام الجاري، حيث أثرت صدمة أسعار الطاقة في العام الماضي على إنفاق المستهلكين.
والتباطؤ الذي طال أمده في أكبر اقتصاد بأوروبا، من شأنه أن يسبب مشاكل لبقية المنطقة، التي نجت بصعوبة من الركود في بداية العام.
وبالفعل، يتباطأ الزخم في فرنسا، التي تمتعت بانتعاش اقتصادي قوي منذ جائحة كورونا. فقد أظهرت بيانات رسمية، أمس الأربعاء، أن الإنفاق الاستهلاكي انخفض للشهر الثالث على التوالي في أبريل.
ونقلت "سى. إن. إن" عن شارلوت دو مونبليه كبير الاقتصاديين في "أي إن جي"، قوله: "من الواضح أن الاقتصاد الفرنسي يتباطأ بشدة".
معدلات التضخم المرتفعة
وقد تراجعت معدلات التضخم في فرنسا- ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا، مثلما حدث في ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا. ومن المتوقع أن تظهر بيانات شهر مايو، المقرر الكشف عنها، في وقت لاحق اليوم الخميس، أن أسعار المستهلكين في الدول العشرين في منطقة اليورو، ارتفعت بوتيرة أبطأ مما كانت عليه في أبريل، عندما ارتفع التضخم إلى 7٪.
كما تراجع التضخم في المملكة المتحدة والولايات المتحدة - إلى 8.7٪ و 4.9٪ على التوالي- لكنه لا يزال مرتفعًا بشكل غير مريح بالنسبة للبنوك المركزية، التي تستهدف معدل 2٪.
ويتوقع المستثمرون أن يرفع صانعو السياسة أسعار الفائدة بشكل أكبر في الأسابيع المقبلة لترويض الأسعار المرتفعة - وكلاهما يمثل عبئًا على الاقتصاد.
وأصبحت بريطانيا يائسة للغاية لترويض التضخم، وهي تتحدث عن تحديد سقف لأسعار الغذاء. فالتضخم يزيد من تكلفة السلع والخدمات اليومية، ويقلل من الاستهلاك. في الوقت نفسه، تجعل زيادة أسعار الفائدة على القروض والرهون العقارية أكثر تكلفة، ما يؤثر على إنفاق الشركات والأسر.
ولم يتحقق تأثير ارتفاع تكاليف الاقتراض بالكامل بعد. في تقرير صدر أمس الأربعاء، قال "دويتشه بنك" إن موجة من التخلف عن السداد بين الشركات الأمريكية والأوروبية كانت "وشيكة" بسبب السياسة النقدية الأكثر صرامة منذ 15 عامًا، مع معدلات الدين المرتفعة وانخفاض الربحية. ويقول محللو "دويتشه بنك" إن الموجة لن تبلغ ذروتها حتى أواخر عام 2024.
آثار التشديد النقدي
ويشير تحليل لـ" كابيتال إيكونوميكس" إلى أن أقل من نصف آثار التشديد النقدي حتى الآن في الأسواق المتقدمة قد تم الشعور بها في الاقتصاد الحقيقي.
وكتب نيل شيرينج كبير الاقتصاديين للمجموعة، في مذكرة في 15 مايو: "مع اشتداد الظروف المالية، نتوقع أن تنزلق معظم الاقتصادات المتقدمة الرئيسية إلى الركود وأن تهدأ ضغوط الأجور والأسعار".
وأضاف شيرينج: "الركود الذي نتوقعه معتدل نسبيا، ومن المحتمل أن يكون مؤهلًا على أنه هبوط ضعيف نظرًا للارتفاع الشديد في التضخم خلال العام الماضي".
حرب أوكرانيا وأزمة المناخ
وأي ركود، مهما كان معتدلاً، سيزداد سوءًا بسبب صدمة غير متوقعة. وفى الوقت الراهن، يبدو أنه من غير المرجح أن ينبع ذلك من داخل حكومة الولايات المتحدة. لكن لا يزال من الممكن أن ينشأ عن تهديدين قديمين، هما حرب أوكرانيا وأزمة المناخ، وكلاهما يشكل مخاطر على سلاسل التوريد العالمية وأسعار المواد الغذائية.
ويقول ميخائيل بوسيوركي الزميل في المجلس الأطلسي: "ربما يكون من المحتمل على المدى القصير أن تستخدم روسيا استراتيجية هجينة لمهاجمة أوكرانيا وجعل الحياة غير مريحة للغرب."
وأضاف بوسيوركي أن هذا يمكن أن يشمل "تسليح الغذاء من خلال تقييد السفن التي تحمل الحبوب والمنتجات الزراعية الأخرى من أوكرانيا إلى الأسواق الغربية".
فقد دفعت الحرب في أوكرانيا، أسعار الغذاء العالمية إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق العام الماضي. وعلى الرغم من تراجع الأسعار نسبيًا بعد تمديد اتفاق تصدير الحبوب، إلا أنها لا تزال مرتفعة في العديد من البلدان، وتسببت في الجوع الشديد في الدول الفقيرة.
ويحوم تضخم أسعار المواد الغذائية بالفعل حول مستويات قياسية في أوروبا. واجتاحت الفيضانات المدمرة في شمال إيطاليا الشهر الماضي آلاف المزارع في منطقة تعرف باسم "وادي الفاكهة".
وجاءت كارثة "مرة كل قرن" في أعقاب سنوات من الجفاف الشديد في المنطقة، مما أدى إلى ضغط التربة، مما قلل من قدرتها على امتصاص الأمطار.
وقد يؤدى جفاف حاد آخر في جنوب أوروبا إلى تفاقم الأمور. وقالت "جرو إنتيليجنس" وهي شركة تقدم البيانات الزراعية، في تقرير لها هذا الشهر: "التربة الجافة في إسبانيا والجفاف الشديد، يؤثران على مجموعة واسعة من المحاصيل ويهددان بدفع أسعار المواد الغذائية للارتفاع في العديد من دول الاتحاد الأوروبي".
ووفقًا للتقرير، تعد إسبانيا ثالث أكبر مصدر للطماطم في العالم. كما تنتج الدولة القمح والشعير والأرز وزيت الزيتون.