باتت العلاقات بين أذربيجان وإسرائيل أقرب من أي وقت مضى، وظهر ذلك جليًا في التقارب الأخير بين تل أبيب وباكو في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والدفاعية، وأكدته زيارة الرئيس الإسرائيلي اليوم لأذربيجان بعد افتتاح سفارتها في القدس المحتلة قبل شهرين، ويرى مراقبون إسرائيليون أن توتر العلاقات بين أذربيجان وجارتها الجنوبية إيران لعب دورًا محوريًا في تعميق الشراكة بين أذربيجان وإسرائيل التي تسعى جاهدة لتحييد النفوذ الإيراني المتنامي في منطقة الشرق الأوسط، وفقًا لما ورد في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
رئيس إسرائيل في أذربيجان
على صعيد العلاقات الثانية بين البلدين، يُجري إسحاق هرتسوج، رئيس إسرائيل، وقرينته، اليوم الثلاثاء، زيارته الأولى إلى دولة أذربيجان التي تجمعها حدود مشتركة مع إيران، بدعوة من إلهام علييف، نظيره الأذري، بعد شهرين من فتح أذربيجان سفارة لها في القدس المحتلة بمباركة من سلطات الاحتلال، في إطار بحث سُبل التعاون المشتركة فيما بينهما، وخاصة في مجال الأمن والدفاع، وسط مخاوف من وقوع هجمات إيرانية ضد أهداف إسرائيلية خلال تواجد الوفد الإسرائيلي في أذربيجان، بحسب صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية.
ومن المتوقع أن يهيمن "الملف الإيراني" على لقاء الرئيسين، اللذين يتقاسمان رؤية مشتركة في احتواء طهران، إذ أكد الرئيس الإسرائيلي قبل انطلاقه إلى باكو أن إيران سيكون لها نصيب كبير من أجواء المحادثات بين باكو وتل أبيب، باعتبار أنها "عامل غير مستقر في المنطقة، وتسعى باستمرار إلى استهداف إسرائيل وتحالف السلام والأمن المتنامي في المنطقة"، وفقًا لصحيفة "يسرائيل هيوم".
وقال "هرتسوج" أثناء وجوده: "إن زيارة أذربيجان هي تحقيق حلم لي ولإسرائيل، أدعوكم أيها الرئيس المحترم لزيارة تل أبيب، نحن لدينا رؤية مشتركة فيما يتعلق بالسلام مع بلد مسلم شيعي وما زلنا نتمتع بشراكة مع مهاجر مثمر يثبت كيف يمكن تغيير العالم، نحتفل بمرور 75 عامًا على قيام إسرائيل، و30 عامًا من التعاون، وبالتالي فإن زيارتنا ستكون خطوة جديدة في تاريخ علاقتنا".
من جهته، قال الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف: "لقد بدأنا أخيرًا التعاون في مجال الأمن السيبراني وقضايا الدفاع، وأذربيجان أصبحت تستخدم خبرة الشركات الإسرائيلية الممتازة في هذا المجال لتحقيق أهدافنا وحماية أنفسنا، أذربيجان تستخدم أنظمة إسرائيلية متطورة لمساعدتنا على حماية بلدنا وقيمنا وأرضنا".
وأضاف علييف: "نعتزم مضاعفة خطوط الطيران المباشرة بين البلدين، ونود التعاون حتى يأتي المزيد من السياح الإسرائيليين إلى هنا، ويمكننا أن نطلعهم على مئات السنين من التاريخ اليهودي في أذربيجان، فالجالية اليهودية قدمت من قبل ولا تزال تقدم الكثير لبلدنا".
في السياق ذاته، تم التوقيع على خطة تعاون 2023-2028 في مجالات الصحة والعلوم الطبية، بين وزارة الصحة في جمهورية أذربيجان ووزارة الصحة في إسرائيل، بإشراف تيمور موساييف وزير الصحة في جمهورية أذربيجان، وموشيه أربيل وزير الصحة والداخلية في إسرائيل.
تتويج المخطط الصهيوني
ومن المقرر أن يلتقي الرئيس الإسرائيلي بالجالية اليهودية في أذربيجان، كما سيشارك الوفد الإسرائيلي الذي يضم قادة سياسيين واقتصاديين في مناسبة خاصة لإحياء ذكرى مرور 75 عامًا على ما يسمى بـ"تأسيس إسرائيل" حسبما تسميها تل أبيب، التي كانت سببًا رئيسيًا للشتات الفلسطيني وقتل وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من أرضهم لتتويج المخطط الصهيوني الذي يهدف لتوطين الشعب اليهودي في القدس المحتلة.
ويشار إلى أن زيارة "هرتسوج" ليست أول زيارة رئاسية إسرائيلية إلى الدولة المتاخمة لإيران، إذ سبقتها زيارة شيمون بيريز، الرئيس الأسبق لدولة الاحتلال، في عام 2009، وكذلك بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل الحالي عام 2016، فضلًا عن زيارات وزراء الاحتلال التي سبقت افتتاح أذربيجان سفارة لها في القدس المحتلة في مارس الماضي، واجتمع على ضوئها إيلي كوهين، وزير الخارجية الإسرائيلي، مع جيهون بيراموف، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية.
وانعكس التعاون الوثيق بين أذربيجان وإسرائيل في السنوات الأخيرة إيجابيًا على علاقات تل أبيب مع جيرانها، فسياسية أذربيجان الخارجية أولت أهمية لتطبيع إسرائيل ودول أخرى في المنطقة مثل تركيا، وهو ما تجلَّى في التقارب الأخير بين أنقرة وتل أبيب بعد سنوات من انقطاع العلاقات بينهما في أعقاب استهداف إسرائيل للسفينة التركية المعروفة باسم "مرمرة الزرقاء" التي كانت تحمل مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة ونشطاء وحقوقيين لرصد الخروقات الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني.
مصالح متبادلة
وأكدت تقارير صادرة عن "ستوكهولم" الدولي لأبحاث السلام، أن أذربيجان كانت مورد النفط الرئيسي لإسرائيل بين عامي 2018-2020، وفي المقابل زودت إسرائيل أذربيجان بالأسلحة والتقنيات المتقدمة التي لعبت دورًا مهمًا في نجاح أذربيجان بحسم النزاع مع أرمينيا حول إقليم "ناجورنو كاراباخ" المتنازع عليه لصالحها، وفي المقابل، زودت باكو تل أبيب بما تحتاجه من موارد الطاقة.
وفي عام 2020، دعمت إسرائيل علنًا أذربيجان في حربها بأرمينيا، بل وساعدتها، ونتيجة لذلك تحسنت العلاقات بين الدولتين بشكل كبير، كما رفض علييف بإصرار إدانة إسرائيل للعدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.
وارتفع منسوب توتر العلاقات بين طهران وباكو مجددًا الآونة الأخيرة، بعد سحب أذربيجان دبلوماسييها من إيران وإخلاء سفارتها إثر تعرضها لهجوم في وقت سابق على يد رجل مسلح ببندقية كلاشينكوف، أسفر عن مقتل رئيس أمن السفارة وإصابة حارسين، وجاء ذلك فى خضم خلافات متزايدة بينهما بشأن عدة قضايا بعضها له امتداد تاريخي والآخر حديث.