الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ملامح التغيير في السياسة التركية بعد فوز أردوغان

  • مشاركة :
post-title
الرئيس التركي أردوغان

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

نجح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في تجاوز أثقل اختبار ثقة في مسيرته السياسية، بعدما فاز في جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية بنسبة 52,14% من إجمالي الأصوات مُتفوقًا على خصمه الرئيسي زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليتشدار أوغلو، بفارق نحو مليوني صوت.

كانت نسبة التصويت أقل زخمًا من الجولة الأولى، رغم ارتفاعها إلى نحو 83,99%، كما شهدت خريطة التصويت استقرارًا في نسب التصويت بالولايات والمناطق، باستثناء ولاية هاتاي في جنوب البلاد التي انحازت في هذه الجولة إلى الرئيس التركي، بعدما تقدم فيها مرشح المعارضة كمال كيليتشدار أوغلو بفارق طفيف في الجولة الأولى، بجانب حفاظه على العاصمة أنقرة منطقتي شرق الأناضول والبحر المتوسط والولايات الغربية في منطقتي مرمرة (شمال غرب) وإيجه (جنوب غرب)، مع ثبات تأييد الرئيس التركي في منطقتي وسط الأناضول والبحر الأسود شمالًا.

دلالات الاقتراع

أظهرت نتائج جولتي التصويت في المعركة الرئاسية ثبات نسب التصويت بين مُختلف المناطق التركية، والتي شهدت تغيرات طفيفة، ويُمكن الإشارة إلى الدلالات التالية:

نتائج الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية التركية-جريدة حرييت نقلًا عن وكالة أنباء الأناضول

(*) خريطة التقدم: من واقع الأقاليم التركية السبعة، يُمكن التعرف على كتل التصويت المؤيدة لكلا الطرفين، حيث يشمل معسكر الرئيس التركي (باللون الأصفر) مناطق البحر الأسود ووسط الأناضول وشرق الأناضول والتي حقق فيها 65,36% و59,08% و54,09% على التوالي.

وتقدم فيها الرئيس التركي في عدد 52 من إجمالي 81 ولاية تركية، بمتوسط نسب زيادة عن الجولة الأولى يصل إلى 2%، وتقدم بفارق واضح بنسبة تتراوح بين 20 و30%، كانت في أعلى مستوى في ولاية بايبورت شمال شرقي البلاد، حيث سجل أردوغان 82,45% من إجمالي أصواتها، بينما سجل أقل نسبة فوز في ولاية هاتاي الأكثر تضررًا بكارثة الزلزال المُدمر في 6 فبراير الماضي بنسبة 50,13%، والتي كانت محسوبة في الجولة الأولى على مرشح المعارضة.

الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية التركية

وفي المقابل تقدم مرشح المعارضة (باللون الأحمر) في منطقة إيجه بنسبة مُريحة بلغت 57,71% من إجمالي الأصوات، بينما حصد مناطق مرمرة وجنوب شرق الأناضول والبحر الأبيض المتوسط بفارق ضئيل بنسبة 50,37% و50,52% و50,78% على التوالي.

ومن إجمالي 29 ولاية تقدم فيها كيليتشدار، جاءت ولاية تونجلي الصغيرة في شرقي البلاد؛ لتحقق أعلى مستوى تأييد بنسبة 82,81% من إجمالي التصويت، بينما مثلت بيتليس أقل الولايات المؤيدة لكيليتشدار أوغلو بنسبة 50,21%.

(*) المدن الكبرى: وتشمل 5 ولايات مليونية، كانت أكثرها انحيازًا لمرشح المعارضة ولاية إزمير التي سجل فيها 67,12%، بنسبة أعلى من الجولة الأولى التي حقق فيها نحو 63,31%، تليها أنطاليا التي حقق فيها 57,34%، ثم إسطنبول 51,75% بارتفاع نحو 3% عن الجولة الأولى التي لم يحقق فيها سوى 48,56% وأخيرًا العاصمة أنقرة بنسبة 51,22% مُتقدمًا عن نسبة الجولة الأولى التي بلغت 47,32%.

وفي المُقابل لم يفز الرئيس التركي في المدن الكبرى سوى في ولاية بورصة بنسبة 54,66% بزيادة نحو3% عن نتائجه بالجولة الأولى والتي كانت 51,47%.

انعكاسات البقاء

تمثلت أولى النتائج المباشرة للانتخابات في بقاء الرئيس التركي وحزبه العدالة والتنمية على رأس هرم السُلطة لمدة 5 سنوات مقبلة، بالاستناد إلى تحالفه مع الحركة القومية دون منازع، وذلك استنادًا إلى أغلبية برلمانية بنحو 322 من أصل 600 نائب، إلا أن انعكاسات البقاء تمتد لتغطي جوانب الحياة السياسية التركية لعقود قادمة، خاصة أن تلك النسخة شهدت استقطابًا حادًا ونزاعًا بين نموذجين سياسيين في مرحلة تاريخية فارقة في عمر الجمهورية التركية التي تحتفل بعد أشهر بذكرى مئوية التأسيس، واعتمدت الدعاية فيها على التنازع حول إرث مؤسس الجمهورية، مصطفى كمال أتاتورك، والخطاب القومي المحافظ الذي يعبر عن ضلعي الائتلاف الحاكم، ويمكن استعراض تلك الانعكاسات على النحو التالي:

(#) ترسيخ الوضع القائم: لم تكن نتيجة الانتخابات استفتاءً على مدى رضا قطاعات وفئات شعبية عن نموذج حوكمة العدالة والتنمية على مدار 20 عامًا بعد معضلات كبرى، كشفتها تجربة الحكم السابقة والتي انتهت بكارثة زلزال 1999. وفي القلب من تلك الأزمات حالة عدم الاستقرار الحكومي التي شابت النظام البرلماني والعلاقات المدنية العسكرية المُعقدة في تلك الحقبة.

ولما كانت إعادة النظام البرلماني على رأس أولويات طاولة الستة، التي كانت تطمح لخلق صيغة من الحكم التشاركي للأحزاب الستة في تسيير شؤون الدولة، وعدم قدرتها لاحقًا على إدارة الخلافات فيما بينها مع انسحاب زعيمة حزب الجيد ميرال أكشينار؛ اعتراضًا على ترشيح كيليتشدار أوغلو، أسهمت كل تلك العوامل في تفضيل بقاء النظام الرئاسي غير مقيد بمساومات أو مقايضة انتخابية، تعطي لأحد المعسكرين رئاسة الجمهورية في مقابل استحواذ المعسكر الآخر على الجمعية الوطنية.

وستُعطي نتائج الانتخابات أريحية أكبر للرئيس التركي في تنفيذ مشروعاته الاقتصادية والسيطرة على مفاصل الحكم في البلاد دون معارضة تذكر، باستثناء التحديات الاقتصادية نتيجة المستويات المُرتفعة من التضخم والضغوط التمويلية التي قد تتزايد في حالة شروعه بتنفيذ قناة إسطنبول البحرية، والتي تتجاوز تكلفتها المبدئية 25 مليار دولار، فضلًا عن تحذيرات خبراء وسياسيين أتراك من المخاطر البيئية والجيولوجية لتلك القناة.

(#) تعزيز الانخراط في الشرق الأوسط: من المُحتمل أن تستمر خطوات التقارب التركي مع مصر في ظل الدعم المصري في أعقاب كارثة الزلزال الذي ضرب جنوب البلاد في فبراير الماضي، وفي ظل الملفات المتعددة التي تتشابك فيها مصالح البلدين وفتح قنوات الاتصال على جميع المستويات، وصولًا لدعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لنظيره التركي لزيارة القاهرة، كما ستواصل تركيا مساعي جذب استثمارات دول الخليج العربي، خاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت ودولة قطر.

وتتطلع أنقرة لاستكمال إجراءات التطبيع مع دمشق، في إطار الآلية الرباعية التي تأسست برعاية ومشاركة روسيا وإيران، سعيًا لإعادة السوريين إلى أراضيهم في مُختلف بقاع الجغرافيا السورية، والتفاهم بين البلدين حول سُبل مواجهة حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردي، واللذين تعتبرهما تركيا تنظيمين إرهابيين بينما تمثل الأخيرة المكون الرئيسي لـ"قوات سوريا الديمقراطية" حليفة الولايات المتحدة في سوريا والتحالف الدولي لمواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي.

الرئيسان الروسي والتركي-أرشيفية

(#) محاولة التوازن: ستظل تركيا تراوح بين انتمائها للتحالف الأمني الغربي والتحوط في مواجهته، وما عبر عنه الرئيس التركي من نوايا الولايات المتحدة في استبدال بلاده أو تقويض مزاياها الاستراتيجية كدولة تقع على الحافة الجنوبية الشرقية لحلف شمال الأطلسي في مواجهة روسيا، وهو ما تستفيد منه تركيا لتحقيق أهدافها بتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع موسكو بالتوازي مع محاولة اكتساب دور القوة المؤثرة في حلف الناتو، فيما تستخدم وساطتها بين موسكو وكييف لتحييد مخاطر الاصطدام بأي من الجانبين الروسي أو الغربي.

وإجمالًا؛مثلت نتائج الانتخابات الرئاسية التركية استفتاءً مُبكرًا على شكل النظام السياسي أكثر منها استحقاقًا انتخابيًا بين مرشحين يُعبران عن برنامجين مُختلفين، إلا أنها تمثل لحظة فارقة للجمهورية التركية وتأكيدًا مُتجدد على أهمية التطورات الأخيرة للسياسة الخارجية التركية باتجاه التقارب مع محيطها العربي والإقليمي واستمرار البحث عن طريق التوازن في علاقاته الدولية.