حدد قاضي ولاية نيويورك، 25 مارس 2024، موعدًا لبدء محاكمة دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الرئاسي، في القضية المعروفة إعلامية بـ"شراء صمت" النجمة التلفزيونية ستورمي دانيالز، الأمر الذي أثار غضب ترامب لكونه يتزامن وسعيه لنيل ترشيح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة العام المقبل.
وأعلن القاضي خوان ميرشان، من محكمة مانهاتن، القرار خلال جلسة حضرها ترامب عبر اتصال بخاصية الفيديو كونفرس من فلوريدا، وتبلغ من القاضي أيضًا أمرًا بتقييد ما يمكنه نشره عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بشأن القضية.
وتعتبر القضية الأشهر من ضمن حفنة القضايا الموجهة للرئيس الأمريكي السابق، إذ يعتبر أول رئيس أمريكي يتم توجيه اتهام جنائي له، خاصة وأن قضية ستورمي دانيالز ترتبط بتوجيه اتهامات أخرى تتعلق بتزوير وثائق على صلة بدفع مبلغ للممثلة الإباحية مقابل التستر عن علاقة يعتقد أنها كانت قائمة بينهما. وفي المقابل ينفي ترامب هذه التهم التي وصل عددها 34 اتهامًا.
وكانت ممثلة الأفلام الإباحية اتهمت ترامب بدفع مبلغ 130 ألف دولار، قبيل الانتخابات الرئاسية في 2016 لشراء صمتها عن علاقة جمعتهما معًا.
وكان الغرض الأساسي من جلسة، أمس الثلاثاء، إبلاغ ترامب رسميًا بأمر يمنعه من الكشف عن أدلة معينة لأطراف ثالثة، منها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
وأفاد ممثلو الادعاء بأن أمرًا منعه من الكشف عن أدلة معينة ضروري، بسبب تاريخ ترامب في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة لمهاجمة الآخرين، وخطر تعرض الشهود للمضايقات.
وفي بداية الجلسة، سأل القاضي ميرشان، ترامب عما إذا كان لديه نسخة من الأمر، ورد الأخير قائلًا: "أجل، لدي".
"تكميم ترامب"
مع إعلان قاضي منهاتن عن موعد بدء المحاكمة، ظهر على ترامب التوتر والحنق بشكل متزايد عندما ذكر مرشان المعنيين بوجوب عدم الالتزام بأي ارتباطات أخرى قد تتعارض مع مسار الإجراء القضائي.
يذكر أن دونالد ترامب أعلن ترشحه لخوض السباق الانتخابي للبيت الأبيض، المقرر في نوفمبر 2024، وبعد إعلان موعد بدء محاكمته يؤدي هذا الأمر إلى شل حركة ترامب للنيل تأييد حزبه الجمهوري له، وتقييد تحركاته في حملته الانتخابية داخل الولايات.
واعترض فريق الدفاع عن ترامب على الأمر القضائي، معتبرًا أنه يشكل سابقة "تكمم فم" لمرشح للانتخابات الرئاسية.
وأبلغ المحامي تود بلانش، الذي جلس إلى جانب ترامب، القاضي بأن موكله "قلق جدًا" من انتهاك حقه بحرية التعبير الذي يكفله الدستور الأمريكي.
إلا إن القاضي شدد على أن الأمر الصادر لا يحرم ترامب من التحدث عن القضية ولا عن حملته للانتخابات الرئاسية في 2024.
ويحق لترامب - 76 عامًا - أن ينشر أي معلومات منشورة سابقًا وغالبية الأدلة التي جمعها فريق محاميه. لكن يمنع عليه نشر أسماء بعض العاملين في فريق المحامي العام في مانهاتن ألفين براج، أو أسماء الشهود الذين تمّ التحدث إليهم، لحين بدء المحاكمات.
مأزق الانتخابات التمهيدية
ويأتي موعد المحاكمة في خضم الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، التي يأمل ترامب الفوز بها وخوض الانتخابات الرئاسية، في مواجهة الرئيس الحالي الديمقراطي جو بايدن، الذي أخرجه من البيت الأبيض في 2020.
وعلى الرغم من أن ترامب يعتبر المرشح الأوفر حظًا إلا إن هذه المحاكمة تعتبر أكبر تحدٍ سيواجهه الرئيس الأمريكي السابق.
والقضية تعتبر واحدة من سلسلة ملاحقات يواجهها ترامب وقد تؤثر على خوضه انتخابات 2024، إذ ينتظر المرشح الرئاسي النظر في توجيه اتهامات أخرى في تحقيقات منفصلة بمحاولته تغيير نتائج انتخابات 2020 في ولاية جورجيا، إلى جانب قضية احتفاظه بوثائق سرية حكومية في منزله بفلوريدا دون وجه حق، والتحقيقات حول دوره في اقتحام أنصاره للكونجرس، 6 يناير 2021.
ودفعت إدانة ترامب بهذه التهم إلى تساؤلات حول أهليته للمنصب، كما زادت من انتقادات عدد من المشرعين الجمهوريين.
قوة الكتلة "الترامبية"
وقال السيناتور كيفين كرامر، من ولاية داكوتا الشمالية: "هذا وعدة أشياء أخرى تجعلني أتساءل عما إذا كان ترامب سيكون أفضل مرشح للحزب"، وأضاف عبر تغريدة له على موقع تويتر، "أُفضل أن يكون لدي رئيس ليس لديه هذا التاريخ المشين، لكن في الوقت نفسه، في مرحلة ما، سيكون هناك خيار آخر، وهذا ما سنقوم به".
في حين قال النائب دون بيكون، من ولاية نبراسكا: "أعتقد أنه سيخسر، لن يفوز بالبيت الأبيض. ومن المحتمل أن يتسبب في خسارتنا لأغلبية مجلسي النواب والشيوخ".
من جهه أخرى، يتجنب الجمهوري كيفن مكارثي، رئيس مجلس النواب، إضافة إلى زعيم الجمهوريين بمجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل، من الإجابة عن أي أسئلة تتعلق بإدانة ترامب.
غير أن الأكثر غرابة هو صمت منافسي ترامب ممن أعلنوا رسميًا خوض السباق الرئاسي التمهيدي في الحزب الجمهوري، وكذلك المرشحين المحتملين أيضًا.
ويرجح ذلك أن هؤلاء لا يرغبون في إغضاب الكتلة "الترامبية" الضخمة، ووفق استطلاع رأي أجرته قناة فوكس نيوز، مارس الماضي، أوضح أن 54% من الجمهوريين ما زالوا يدعمون ترشح ترامب رغم كل التهم الموجهة له.
وفي المقابل أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة "واشنطن بوست" وقناة "News ABC"، عقب إعلان بايدن نيته الترشح لانتخابات 2024، بتراجع شعبيته، موضحًا أن 36% من المستطلعين يؤدون ترشحه لولاية ثانية، في حين يعارض 56% من المستطلعين إعادة ترشيحه لولاية ثانية.
ورغم ما يتعرض له ترامب من لائحة اتهامات، إلا أنه يحق له الترشح للسباق الرئاسي وفق القانون الأمريكي، طالما لم يبادر هو بالانسحاب من سباق الحزب الجمهوري، في الوقت الذي لم تطالبه قيادات الجمهوريين بمجلس النواب والشيوخ بالانسحاب. وهو ما يعكس حجم هيمنته على الحزب الجمهوري في الوقت الراهن.
وتشير أحدث استطلاعات الرأي إلى أن ترامب لا يزال المرشح الأوفر حظًا للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة عام 2024، رغم القضايا التي تهدد بعرقلة فرصه.
وعلى النقيض، فوفق استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "مورنينج كونسلت" Morning Consult شمل 3574 ناخبًا جمهوريًا، أوضح أن فرص الرئيس السابق في الفوز بالانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في أعقاب ظهوره في محكمة مانهاتن بعد توجيه اتهامات جنائية له، تظهر أن ترامب وسع من تقدمه على أكبر منافسيه، حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، وأوضح الاستطلاع، الذي شمل 3574 ناخبًا جمهوريًا، أن ترامب يتقدم على ديسانتيس في سباق الترشح على بطاقة الحزب بنسبة 60% مقابل 19%.
جاء ذلك في الوقت الذي يستمر فيه تفوق ترامب في الاستطلاعات على المستوى القومي، إذ كشف استطلاع أجرته صحيفة "واشنطن بوست" بالتعاون مع شبكة "ABC News" بين 28 أبريل والثالث من مايو وشارك فيه 1006 ناخبين، عن حصول بايدن على نسبة 38% من الأصوات، مقابل 45% لترامب، ولم يقرر 18% من الناخبين بعد لمن ستذهب أصواتهم.