تأتى زيارة سلطان عُمان هيثم بن طارق، إلى مصر في 21 مايو 2023، التي تعد أول زيارة له منذ توليه مقاليد السلطة في يناير 2020، لتعكس عُمق العلاقات الثنائية بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية التي يمر على تأسيسها أكثر من 50 عامًا شهدت نوعًا من التوافق في المصالح والرؤى بشأن القضايا الإقليمية والدولية، لا سيما فيما يخص استقرار المنطقة العربية والرغبة في الحفاظ على وحدة وسلامة الدولة الوطنية، ومنع التدخل في شؤونها، ورفض أهداف تيارات الفوضى والتشرذم لصالح تيار الوحدة والاستقرار، وهي المبادئ التي مثلت قاسمًا مشتركًا بين التوجهات المصرية والتوجهات العمانية إزاء تفاعلات المنطقة العربية ودول جوارها غير العربية.
توقيت الزيارة:
تكتسب الزيارة أهميتها في هذا التوقيت من عدة أوجه أولها أنها تأتي في إطار مرور أكثر من 50 عامًا على إرساء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، التي تم الاحتفال بها أواخر نوفمبر 2022، وهي العلاقات التي قامت على ركائز مشتركة لتعزيز التعاون بين البلدن في جميع المجالات، لا سيما فى ظل تقدير عُمان للدور المصري في إطار المنظومة العربية وسعيها الدائم للحفاظ على التضامن العربي ووحدة الصف العربي، وهو ما عبّر عنه السلطان قابوس بن سعيد -رحمه الله- بالقول "بأنه ثبت عبر مراحل التاريخ المعاصر أن مصر كانت عنصر الأساس في بناء الكيان والصف العربي، وهي لم تتوان يومًا في التضحية من أجله والدفاع عن قضايا العرب والإسلام، وأنها جديرة بكل تقدير".
وثانيها أن الزيارة جاءت عقب انتهاء فعاليات القمة العربية 32 بمدينة جدة بالسعودية على مستوى القادة العرب فى 19 مايو 2023، ومشاركة مصر وعمان فى فعاليات القمة، وهى القمة التى وصفت بقمة التجديد والتغيير، وشهدت اتجاهاً نحز تعزيز التضامن العربي بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وهو المسار الذى يتوافق مع الرؤيتين المصرية والعُمانية الداعمتين للم الشمل والتضامن العربي. حيث اعتبر الرئيس السيسي فى كلمته أمام القمة بأن عودة سوريا إلى الجامعة العربية، تعد بمثابة التفعيل العملي للدور العربي، وبدء مسيرة عربية لتسوية الأزمة السورية استناداً إلى المرجعيات الدولية للحل. فيما جاءت كلمة عُمان أمام القمة لتؤكد على ما جاء في أول خطاب للسلطان هيثم بن طارق في أول خطاب بعد توليه الحكم بالاستمرار في دعم جامعة الدول العربية والتعاون مع زعماء الدول العربية، والرقي بحياة المواطنين، والنأي بهذه المنطقة عن الصراعات والخلافات، والعمل على تحقيق تكامل اقتصادي يخدم تطلعات الشعوب العربية. وانطلاقاً من تلك المبادىء عبرت عُمان عن ترحيبها باستئناف مشاركة سوريا فى أعمال جامعة الدول العربية.
وثالثها أن الزيارة تأتى فى إطار إتجاه دول الإقليم نحو التهدئة مع دول الجوار غير العربية، حيث تم توقيع الاتفاق السعودي الإيراني مارس 2023 بشأن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وهو الاتفاق الذى أشارت تقارير متعددة بأن عُمان والعراق استضافتا جولات متعددة بين ممثلى الطرفين لتقريب وجهات النظر بينهما قبل أن تدخل الصين بثقلها لتصبح الضامن الرئيسي لتنفيذ بنود الاتفاق فى ظل ارتباطها بمصالح إستراتيجية مع الدولتيين تقوم على تأمين إمدادات الطاقة. وقد أشار الرئيس السيسي خلال كلمتة أمام القمة العربية بجدة فى 19 مايو 2023 قائلاً"مع إدراكنا أن الأمن القومى العربى، هو كل لا يتجزأ فقد حان الوقت، لأخذ زمام المبادرة للحفاظ عليه بما في ذلك من خلال الخطوات المهمة، التي بادرت بها دولنا في الفترة الماضية لضبط إيقاع العلاقات مع الأطراف الإقليمية غير العربية، التي نتطلع منها لخطوات مماثلة وصادقة بما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة".
أبعاد الزيارة:
وفقاً للسفير عبدالله بن ناصر الرحبي، سفير سلطنة عُمان بالقاهرة ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية، فإنه من المقرر أن توقع عُمان على 6 اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم مع مصر، في مجالات التعليم والقضاء والوثائق والتراث والنقل والطيران والازدواج الضريبى. لذلك تتنوع مجالات التعاون بين مصر وعُمان، ويمكن ذكر أبرزها بشىء من التفصيل فى النقاط التالية:
(*) التعاون الاقتصادي: خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى عُمان فى يونيو 2022 أعرب السلطان هيثم بن طارق عن تقديره للجهود المصرية الداعمة للشأن العماني على كافة الأصعدة، فضلاً عن إسهام الجالية المصرية فى عملية البناء والتنمية بسلطنة عمان في مختلف المجالات، وأكد حرص بلاده على تعزيز أطر التعاون الثنائي الراسخة مع مصر في مختلف المجالات بما فيها زيادة الاستثمارات العمانية فى مصر واستغلال الفرص الاستثمارية المتاحة بها. ويستند تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية والاستثمارية المشتركة على الجهود المنبثقة عن مجلس الأعمال المشترك واللجنة المصرية العمانية المشتركة، لاسيما وأن الرؤية المصرية 2030 تتوافق مع رؤية عمان 2040 فيما يخص تعزيز المجالات التنموية الداعمة للنهوض فى البلدين. وقد ارتفعت قيمة التبادل التجارى بين مصر وسلطنة عمان لتسجل 1.1 مليار دولار خلال عام 2022 مقابل 650.8 مليون دولار عام 2021، بنسبة ارتفاع قدرها 64.6 بالمئة، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
فيما سجلت قيمة تحويلات المصريين العاملين بعُمان 162 مليون دولار خلال العام المالي 2020 /2021 مقابل 160.4 مليون دولار خلال العام المالي 2019 /2020 بنسبة ارتفاع قدرها 1%، بينما بلغت قيمة تحويلات العمانيين العاملين في مصر 2.6 مليون دولار خلال العام المالي 2020 /2021 مقابل 3 ملايين دولار خلال العام المالي 2019 /2020 بنسبة انخفاض قدرها 15%. وبرغم انخفاض الاستثمارات العمانية فى مصر، يتطلع مجتمع رجال الأعمال والمستثمرين العمانيين لتعزيز استثماراتهم مع توافر العديد من المجالات والفرص الاستثمارية الواعدة في مصر، لاسيما في قطاعات الطاقة المتجددة والموانىء والشحن والنقل والسياحة والانشاءات والتطوير العقارى وصناعة السيارات بالإضافة إلى امكانية الاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرة التى تربط بين مصر بالدول الأفريقية والأوروبية للنفاذ إلى هذه الأسواق.
(*) التعاون الثقافي: يعد الاستثمار في القطاع الثقافي أحد أبرز أهداف الرؤية الوطنية "عمان 2040 ". ونظراً لما تتميز به الخبرات المصرية فى مجال التنمية الثقافية، ثمة اتجاه من المثقفين العمانيين يطالب بوضع برنامج ثقافي مشترك يعمل على تبادل الخبرات والتجارب في المجالات الفنية فمصر لديها تجربة رائدة فى مجال انتاج القوة الناعمة، وهو المجال الذى يمكن مساندته من خلال التعاون الثنائي بين مصر وعمان من خلال تنمية التبادل في القطاع الثقافي والإبداعي سواء من خلال تنميته أو على مستوى انتاج السلع الثقافية والمنتجات المساندة لها وتصديرها. كما تعد التجارب الثقافية المعنية بادارة المتاحف وترميم الاثار وتدشين المكتبات العامة، ومشروعات القراءة للجميع مجالات واعدة للتعاون الثقافي بين مصر وعمان حيث يمتلكان مقومات حضارية وفكرية وثقافية تمكنهما من التعاون المشترك والتبادل فى القطاع الثقافي والابداعي.
(*) التنسيق بشأن القضايا الدولية والإقليمية: انطلاقًا من تعزيز العلاقات بين مصر وعُمان قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيارتين منذ توليه مقاليد السلطة، الأولى في عهد السلطان قابوس بن سعيد عام 2018، والثانية في عهد السلطان هيثم بن طارق في يونيو 2022، وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي -وفقًا للمتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية– على اعتزاز مصر بعمق ومتانة العلاقات الاستراتيجية مع سلطنة عُمان، والحرص على تعزيز وتنويع أطر التعاون الثنائي المشترك واستطلاع آليات دفعها إلى آفاق أرحب في شتى المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية.
كما أشاد الرئيس السيسي بمستوى التنسيق القائم ووحدة الرؤى بين البلدين الشقيقين حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، إلى جانب التوافق العماني- المصري إزاء جميع القضايا الإقليمية والدولية. فعلى المستوى الدولي وفيما يخص الأزمة الروسية الأوكرانية فإن ثمة توافق بضرورة إنهاء الحرب نظرًا لتداعياتها السلبية على السلم والأمن الدوليين. وعلى المستوى الإقليمي وفيما يخص الأزمة السودانية تتبنى الدولتان ضرورة الوقف الفوري للاشتباكات بين الجانبين واللجوء إلى المفاوضات والمسار السلمي الانتقالي، حيث تلقى سامح شكري وزير الخارجية المصري اتصالًا هاتفيًا من نظيره العُماني بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي في 19 أبريل 2023 استعرض خلالها شكر جهود مصر في احتواء الأزمة.
مجمل القول إن زيارة سلطان عمان هيثم بن طارق إلى مصر في هذا التوقيت تعكس الرغبة المشتركة في تعزيز التضامن العربي في ظل بيئة إقليمية ودولية شديدة التغير فيما يتعلق بالصراع على قمة النظام الدولي، والسعي نحو نظام متعدد الأقطاب سيكون له تداعياته المباشرة على تفاعلات المنطقة مع تلك القوى، وهو ما يتطلب تعزيز مناعة النظام الإقليمي العربي ضد تلك التجاذبات والتحديات، في ظل الإدراك المشترك المصري العماني لمحورية العمل العربي المشترك ووحدة الدولة الوطنية العربية وسلامتها الإقليمية.