الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الأشد تنافسية في تاريخ البلاد الحديث.. حرب التحالفات تشعل الانتخابات التركية

  • مشاركة :
post-title
الإنتخابات التركية

القاهرة الإخبارية - مروة الوجيه

تنطلق غدًا الأحد، الانتخابات التركية (البرلمانية والرئاسية) التي تعتبر الأشد تنافسية في تاريخ البلاد الحديث، ويستعد الشعب التركي لاختيار رئيس البلاد وأعضاء البرلمان وسط أجواء من المشاحنات والانقسامات بين أنصار الرئيس رجب طيب أردوغان وقوى المعارضة، إذ لأول مرة يجد الرئيس التركي (الذي يحكم البلاد منذ عام 2002) منافسة شرسة من المعارضة التي وحّدت صفوفها ودفعت بزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، ومرشحين أقل حظوظًا هم رئيس حزب البلد محرم إنجه (المنسحب) ومرشح تحالف الأجداد سنان أوجان.

ومع احتدام الصراع بين الأحزاب يبدو المشهد السياسي في إسطنبول كساحة معركة قوية يستحل فيه الجميع كل الطرق بين رشق المنافسين وحشد أنصار كل طرف، وعلى الرغم من أن هذه الانتخابات تعتبر نقطة فاصلة في تاريخ تركيا على مدار 20 عامًا سابقة، إلا أن المشهد العام ينذر بحدوث شروخ قوية في السياق السياسي التركي، وقد تزيد الانقسامات خاصة في البرلمان، الأمر الذي يبشر بفترة توترات قوية تبدأ من يوم بدء الاقتراع وقد لا تنتهي في القريب.

انحراف الميزان

يرى المحللون أن الانتخابات التركية المقبلة هي الأكثر تنافسية في تاريخ البلاد في ظل تقارب نتائج استطلاعات الرأي وتوحد القوى المعارضة خلف مرشح واحد، وتضع الاستطلاعات أردوغان ومنافسه كمال كليتشدار أوغلو جنبًا إلى جنب، وسط متغيرات قد ترجح كفة الميزان لصالح أي منهما.

وتتمحور خريطة الانتخابات التركية حول عدة محاور، لكن تبقى الخريطة الانتخابية للأحزاب ومناطق التنافس هي المنطقة التي يسعى أنصار الطرفين إلى جذب كل منها.

وبعد عشرين عامًا على قمة السلطة، يواجه أردوغان معضلة في قواعده التقليدية، مثل مدينة طرابزون على البحر الأسود، التي ظلت موالية له طوال العقدين الماضيين، وكانت قاعدته الانتخابية صلبة في هذه المنطقة لدرجة أن حزبه حصل في الانتخابات السابقة على نسبة 70% من أصوات الناخبين.

كان هذا هو الحال طوال العشرين عامًا الماضية التي حكم فيها أردوغان البلاد. لكن بنظرة فاحصة يظهر أن شيئًا قد تغير، والرئيس أصبح في نفس المستوى من استطلاعات الرأي مع منافسه كليتشدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهموري، وفق ما نقلته "واشنطن بوست".

ولأول مرة منذ عقدين، بات من المحتمل خسارة أردوغان في طرابزون وفق آخر استطلاعات للرأي، وقبل أسبوع من الانتخابات، وضعت الاستطلاعات شعبية أردوغان عند 42.5%. أما منافسه كليتشدار أوغلو، فحصل على نسبة 48.5% أي أقل من نسبة 50% التي يجب الوصول إليها في الجولة الأولى من الانتخابات.

وعلى الرغم من أن أردوغان لا يزال يتمتع بقدر واسع من الدعم من قاعدته التي تنظر إليه كرجل دولة مسؤول، حوّل تركيا لقوة عالمية، لكن شعبيته تأثرت بعوامل عدة من خلال التعامل مع الاقتصاد والفساد والفضائح، والرد غير الكافي على الزلزال الذي ضرب تركيا في فبراير الماضي، والشعور بأن أهم سياسي في جيله فقد الصلة بالواقع. ويعتقد السكان أن الحكومة تقوم بتزوير الأرقام الرسمية حول نسب التضخم التي وصلت لـ85% لإظهار أن البلد يسير على طريق التعافي.

تراجع دعم الرئيس في معاقله، مثل طرابزون، يعني ترجيح كفة الميزان لصالح المعارضة. ويقول نزيه كورو، الخبير السياسي والباحث في "تيم ريسيرتشر"، إن حصة الحكومة من الأصوات في طرابزون ستنخفض مقارنة بانتخابات 2018، وأن الدعم لأردوغان في التصويت الرئاسي قد ينخفض بنسبة 10%، ويمكن للمعارضة أن تزيد حصتها.

ويرى ديريا كومورتشو من مجموعة "يونليم" المستقلة للأبحاث، أن حصة حزب العدالة والتنمية قد تنخفض بنسبة 10%، "فهم لا يزالون الحزب الأول في طرابزون، لكن المعارضة تزداد قوة".

خريطة التحالفات

اولًا الانتخابات البرلمانية:

1- تحالف الشعب (الجمهور):

يضم خمسة أحزاب هي العدالة والتنمية، الحركة القومية، الاتحاد الكبير، الرفاه الجديد، والقضية الحرة (الهدى بار). وهو تحالف قومي إسلامي يميني.

جاء تأسيس تحالف الجمهور أو ما يعرف أحيانا باسم "تحالف الشعب" في 20 فبراير 2018، تتويجًا للتقارب الواضح الذي بدأ بين حزبي العدالة والتنمية الحاكم والحركة القومية عقب انقلاب 2016 الفاشل.

وكان تقاربًا تحول إلى تحالف غير معلن بين حزب حاكم وآخر كان محسوبًا على المعارضة، واتفقا على تحويل نظام الحكم في البلاد من برلماني (الذي كان معمولًا به منذ عقود) إلى رئاسي، وتم هذا الأمر بعد تمرير التعديل في 2017.

كما رشح حزب العدالة والتنمية على قوائمه مرشحين لحزب هدى بار "كردي إسلامي"، وحزب حزب اليسار الديمقراطي.

تشير استطلاعات الرأي، إلى أن تحالف الجمهور سيكون لها أكبر عدد من النواب، لكن دون تحقيق الأغلبية البرلمانية.

2- تحالف الأمة (الطاولة السداسية)

هو تحالف المعارضة الرئيسي ويضم ستة أحزاب ينتمون إلى مرجعيات أيديولوجية مختلفة تتراوح بين الإسلامي والليبرالي واليميني والديمقراطي الاجتماعي. وتجدر الإشارة إلى أن أربعة أحزاب ضمن التحالف هي "حزب السعادة والحزب الديمقراطي وحزب الديمقراطية والتقدم وحزب المستقبل" سيقدمون مرشحيهم ضمن قائمة حزب الشعب الجمهوري، إضافة إلى حزب التغيير وهو ليس ضمن القائمة السداسية، بحيث لن تظهر أحزابهم بشكل مستقل ضمن القوائم الانتخابية.

تشير استطلاعات الرأي إلى أن عدد نواب التحالف سيشهد طفرة في الدور المقبلة، لكن عليه التحالف مع نواب حزب الشعوب الديمقراطي لتحقيق الأغلبية البرلمانية.

3- تحالف العمل والحرية

يأخذ هذا التحالف طابعًا يساريًا، ويضم ستة أحزاب، هي "حزب الشعوب الديمقراطية، وحزب العمال التركي، وحزب الحركة العمالية، وحزب العمل، وحزب الحرية الاجتماعية، واتحاد المجالس الاشتراكية". ومن المقرر أن يخوض حزب الشعوب الديمقراطي الانتخابات تحت مظلة حزب "اليسار الأخضر" خشية من خطر الحظر قبل أيام من الانتخابات. وقد قررت خمسة أحزاب ضمن التحالف تقديم مرشحيها ضمن قائمة حزب اليسار الأخضر، بينما قدّم حزب العمال التركي قائمته لـ49 مقاطعة. فيما لم يرشح حزب الشعوب الديموقراطية 33 نائبًا من أعضاء البرلمان الحاليين ضمن قائمة حزب اليسار الأخضر.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن التحالف سيحصل على نوايا تصويت بين 9-12% وتزيد نسبة التصويت له في الولايات ذات الغالبية الكردية.

4- تحالف الأجداد

تحالف قومي متطرف، يستهدف المهاجرين غير النظاميين والأجانب، ولا سيما السوريين والأفغان، وأجندته ترتكز على ترحيل الأجانب، ويتألف من الأحزاب اليمنية التي تضم "حزب الظفر، حزب القويم، حزب العدالة وحزب دولتي".، وقد أعلن عن سنان أوجان، كمرشح رئاسي عن التحالف.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن التحالف لن يتمكن من الدخول للبرلمان بسبب عدم قدرته على اجتياز العتبة الانتخابية التي تصل لـ7%، أقل من 2% من نوايا التصويت.

ثانيًا: الانتخابات الرئاسية:

بينما تقدم 11 مرشحًا للانتخابات لم يستطع سوى ثلاث فقط استيفاء المعايير الدستورية اللازمة للترشح.

رجب طيب إردوغان:

الرئيس الحالي للدولة التركية، يبلغ من العُمر 69 عامًا وتثار شكوك بشأن لياقته الصحية، وهو يشغل منصب الرئيس منذ عام 2014، بعد أن شغل منصب رئيس الوزراء بين عامي 2003 و2014. وقاد أردوغان تغييرًا دستوريًا عام 2017 انتقل بموجبه النظام السياسي من الشكل البرلماني إلى الرئاسي، ويُعهد إلى أردوغان قيادة إصلاحات سياسية واقتصادية واسعة عززت شعبيته بشكل كبير خلال العقد الأول من حكمه، التي سرعان ما تراجعت نتيجة الانحراف عن السياسة البراجماتية وتبني سياسات أيديولوجية ورطت تركيا في نزاعات إقليمية تسببت في إرهاق اقتصادها وزيادة عزلتها الإقليمية قبل اتجاهها أخيرًا لتبني نهجًا تصالحيًا في سياسته الخارجية.

كمال كيلتشدار أوغلو

هو المنافس الرئيسي لأردوغان وزعيم حزب الشعب الجمهوري، بدأت مسيرته السياسية بتقرير عن الفساد كان قد أعده لحزب الشعب الجمهوري، ولقى استحسانًا من قِبل زعيم الحزب آنذاك دنيز بايكال، ودفع كيلتشدار أوغلو إلى الانتقال إلى السياسة، وفاز بمقعد برلماني في انتخابات عام 2002، وفي عام 2009، ترشح لمنصب رئيس بلدية إسطنبول لكنه خسر أمام مرشح حزب العدالة والتنمية.

وبسبب الفضيحة الأخلاقية التي تعرض لها زعيم الحزب السابق بايكال واستقالته، أصبح كيلتشدار أوغلو رئيس الحزب لكنه تعرض للانتقادات بعد ذلك وحُمّل المسؤولية عن الهزائم الانتخابية التي عانى منها الحزب في انتخابات 2011 و2014 و2015. وبعكس أردوغان لا يتمتع كيليجدار أوغلو بشخصية كاريزمية ومعروف بهدوئه الشديد، كما يلقب بـ"غاندي التركي".

سنان أوغان

سياسي يميني متطرف وأكاديمي سابق يبلغ من العُمر 55 عامًا، دخل مجال العمل السياسي للمرة الأولى كنائب برلماني عن حزب الحركة القومية عام 2011، وتم طرده من الحزب الحركة القومية عام 2015 عندما اختار دولت بهجلي زعيم الحزب الحالي التحالف مع حزب العدالة والتنمية ووقف أوغان لمعارضة قيادة بهجلي،

ويخوض أوغان الانتخابات كمرشح مستقل لكنه يحصل على دعم تحالف الأجداد اليميني وبعض الأقليات نظرًا لكونه من أصول تركية أذربيجانية.

انسحاب

وفي خطوة غير متوقعة أعلن المرشح للرئاسة محرم إنجه انسحابه من السباق المشتعل، رغم تمتعه بقاعدة جماهيرة ليست ضعيفة، وذلك قبل 3 أيام فقط من بدأ المنافسة الانتخابية على خلفية أزمة أخلاقية.

ودعا إنجه الناخبين الأتراك إلى التصويت لفائدة حزبه حزب البلد، من أجل الحصول على أغلبية البرلمانية.

ويأتي هذا الانسحاب، فيما تشير استطلاعات الرأي، إلى عدم قدرة أي من "تحالف الجمهور" الذي يقوده حزب العدالة والتنمية الحاكم، أو تحالف المعارضة على حسم الأغلبية في الانتخابات البرلمانية، تمامًا مثل عدم اليقين من حسم أحدهما الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة.

وتعتبر هذه هي المرة الثانية لمحرم إنجه في خوض السباق الانتخابي الرئاسي، وكانت أول مرة يترشح فيها عام 2008 عن حزب الوطن الذي أسسه في مايو 2021 بعد خلافات مع حزب الشعب الجمهوري الذي ترشح عنه في انتخابات السابقة، وحصل على 30.6% من الأصوات، وكان إنجه يحظى بدعم أساسي من قِبل حزب الوطن الذي يعرف نفسه بأنه حزب يسار وسط.

جولة حاسمة

وفق تقرير لصحيفة "حرييت" التركية، قالت إن التوقعات الأولية للانتخابات توضح أن أردوغان سينهي الانتخابات الرئاسية لصالحه بالجولة الأولى فقط، دون اللجوء لجولة ثانية، ما يعني أنه سيحصد نسبة 50+1 في أول عملية اقتراع.

ومن المتوقع أن يحصل أردوغان على 52% من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات، مشيرًا إلى أن التجمع الانتخابي "القياسي" (1.7 مليون شخص) لأنصار الرئيس التركي في إسطنبول يكشف ذلك.

وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي السابقة الخاصة بحزب الشعب الجمهوري الذي يترأسه كمال كيلتشدار أوغلو، أظهرت تقدم مرشح الطاولة السداسية بنسبة 60%، إلا أن النسبة انخفضت إلى 51% قبل أيام من الانتخابات، وفق الصحيفة.

من جهه أخرى، نقلت "حرييت" عن الصحفي التركي عبد القادر سيلفي استطلاع رأي آخر أظهر أن الانتخابات الرئاسية سيتم حسمها من الجولة الأولى، مشيرًا إلى أن نسبة المشاركة يمكن أن تسجل رقمًا قياسيًا في تاريخ البلاد وقد تصل إلى 90% من أصوات الناخبين، ورغم الاختلافات التي شابت فترة حكم أردوغان الأخيرة، إلا أن اتجاهات الرأي العام الأخيرة تشير إلى أن فرصة الرئيس التركي الأقوى بين منافسيه، لكن على طرف آخر فإن قوة التيارات المعارضة ستظهر بصورة قوية داخل البرلمان ما قد ينذر بفترة سياسية مضطربة قد تشهدها تركيا خلال الأعوام المقبلة.

وسوم :