أعلنت وكالة أنباء "سوا" الفلسطينية، عن وزارة الصحة، إحصائية الشهداء في وقتٍ مُبكر من صباح الجمعة الموافق 12 مايو 2023 بوصول عدد الضحايا إلى 30 شهيدًا، وتبذل القاهرة جهودًا كبيرة لوقف التصعيد بالأراضي المحتلة؛ إذ تعمل مصر بشكل مُستمر على تخفيف حدة التوتر في المنطقة، من خلال تشجيع الجانبين على الجلوس على طاولة الحوار، وبذل الجهود لإيجاد حلول سلمية عبر الوساطة لحل النزاع. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، لماذا يتجدد القصف الإسرائيلي على قطاع غزة في هذا التوقيت؟
أهداف التصعيد:
يعتبر التصعيد في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أمرًا متكررًا، ويُمكن أن يكون له العديد من الدوافع والأهداف؛ لتأزيم الوضع في الأراضي الفلسطينية مثل التنصل من التعهدات والالتزامات الدولية، وكسب الشعبية، وإضعاف القدرات العسكرية لحركات المقاومة. وسنبرز ذلك فيما يلي:
(*) التنصل من التعهدات: جاء الاجتماع الخماسي الذي استضافته مدينة شرم الشيخ المصرية، 19 مارس 2023، بمشاركة ممثلين سياسيين وأمنيين رفيعي المستوى من مصر وفلسطين وإسرائيل والأردن والولايات المتحدة الأمريكية، في إطار جهود القاهرة المستمرة لدعم التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كاشفًا لوضع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أمام مسؤولياتها التاريخية في خفض التوتر وبناء الثقة لتعزيز السلام. وتحاول حكومة نتنياهو المتطرفة تصعيد المواجهات مع الفصائل الفلسطينية؛ من أجل استباق الضغوط الدولية التي تطالب بالحوار وحل الدولتين. إضافة إلى ذلك، تعمل حكومة نتنياهو على تأكيد شرعيتها المتآكلة في أوساط الرأي العام الإسرائيلي؛ إذ تقوم دعايتها بالأساس على أنها القادرة على تحقيق أمن إسرائيل وحماية مواطنيها، وهو الأمر الذي يتطلب منها التمادي في اتباع سياسات أمنية في التعاطي مع القضية الفلسطينية.
(*) كسب الشعبية: أظهر استطلاعان للرأي لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية أهمية شن التحالف الحزبي الحاكم في إسرائيل حربًا جديدة على قطاع غزة، على استمرار حكومة نتنياهو المتشددة في السُلطة. في هذا السياق، أبرز استفتاء معاريف في 28 أبريل أن أحزاب المعارضة من المتوقع أن تحصل على 70 مقعدًا، فيما سيحصل الائتلاف الحكومي الحالي برئاسة نتنياهو على 50 مقعدًا، وهو ما يعني تراجعًا كبيرًا لها خاصة أنها تُمثل حاليًا بـ64 مقعدًا من أصل 120. وبحسب الاستطلاع الأسبوعي نفسه، والذي أعلنت نتيجته يوم الجمعة 12 مايو 2023، ارتفعت شعبية حزب الليكود بقيادة نتنياهو، وذلك على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة. وقد أصبح عدد المقاعد بين الائتلاف الحاكم والمعارضة مناصفة. يبرز ذلك أن نتنياهو يجيد توظيف الحرب على غزة كأداة لكسب الانتخابات والشعبية.
(*) إضعاف المقاومة: تتبنى إسرائيل استهداف المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بهدف إضعاف قدراتها العسكرية التي يُمكن أن تتطور لاحقًا، إلى أن تصبح أكثر تأثيرًا عند استهداف عمقها. جدير بالذكر أن إسرائيل تعتبر حركات المقاومة في قطاع غزة المُهدد الأساسي لوجودها واستقرارها، وبالتالي تُصر الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عند كل حرب تشنها على القطاع، على تبني نفس الرواية التي تتمحور حول تحقيق الاستقرار وتأمين مواطنيها. يتنافى هذا الأمر بشكلٍ كامل على الأرض، خاصة أن حركات المقاومة بالقطاع تعمل على احترام الاتفاقات والتعهدات التي يقوم بها الوسطاء الإقليميون والدوليون، ولكن يبدو أن الحكومات الإسرائيلية تتخذ من الحرب على قطاع غزة ورقة رابحة للفوز بالانتخابات وكسب الشرعية والتأييد الجماهيري.
عقبات مستمرة:
هناك العديد من العقبات التي تفسر تجدد القصف الإسرائيلي على غزة. أبرزها:
(*) انعدام الثقة بين الأطراف: تُعد مسألة غياب الثقة المتبادلة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي؛ سببًا رئيسًا في تجدد الصراع. وقامت هذه الحالة بالأساس بسبب استمرار إسرائيل في التنصل من التزاماتها وتعهداتها تجاه الفلسطينيين، وتشديدها الحصار عليهم، فضلًا عن الاغتيالات المُنفذة بحق القيادات الفلسطينية المختلفة. ويعتبر بناء الثقة بين الطرفين أحد أساسات أي جهود يُمكن أن تُفضي مستقبلًا لحل القضية.
(*) فشل الجهود الدولية: مع كل حرب تشنها إسرائيل على قطاع غزة، يثبت تهاوي النظام الدولي وعدم عدالته في التعاطي مع الملفات التي تُهدد أمنه وسلمه. فرغم حالة التوافق العربي والدولي تجاه الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المُحتلة، تصر واشنطن على استخدام حق الفيتو داخل أروقة مجلس الأمن؛ لتحصين إسرائيل من أي إدانة دولية قد تنالها، وبهذا تكف يد المجتمع الدولي عن ممارسة مهامه في حفظ السلم العالمي على الأراضي الفلسطينية المحتلة. جدير بالذكر أن الفلسطينيين قد شاركوا في الاجتماع الخماسي الذي استضافته مدينة شرم الشيخ المصرية في 19 مارس 2023 بحضور عربي وأمريكي؛ لفضح الممارسات الإسرائيلية أمام الإدارة الأمريكية، وتأكيدًا لحرصهم المستمر على خفض التصعيد وإيمانهم بعملية السلام بعكس ما تقوم به حكومة نتنياهو المتشددة.
(*) استمرار سياسة الاغتيالات: تعتبر سياسة الاغتيالات الإسرائيلية في قطاع غزة أحد أهم العوامل التي تتسبب في تصاعد التوتر بالقطاع. وقد اغتالت إسرائيل خلال حربها المستمرة حاليًا على قطاع غزة عددًا من القياديين في سرايا القدس، الذراع السياسية لحركة الجهاد الإسلامي، ومن أبرزهم قائد الجناح العسكري للحركة، تيسير الجعبري. ووفق نبأ عاجل نقلته قناة القاهرة الإخبارية تشترط السُلطات الفلسطينية توقف سياسة الاغتيالات من الفكر الأمني الإسرائيلي في التعاطي مع القضية الفلسطينية كشرط أساسي وأولي للقبول بأي هدنة.
(*) استمرار سياسة الاستيطان: تُشكل سياسة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس عقبة رئيسة أمام عملية السلام؛ إذ يعتبر الفلسطينيون أن استمرار سياسة الاستيطان لا يقف عائقًا أمام حل القضية الفلسطينية، بما في ذلك حق العودة بالنسبة للاجئين والنازحين فحسب، بل إنه يعتدي أيضًا على حقوق الفلسطينيين المقيمين حاليًا في الأراضي المحتلة، لا سيَّما أنه يغلق أمامهم أي فرص لحل القضية. وفي هذا الصدد، نجح الفلسطينيون في اجتماع شرم الشيخ الخماسي الذي شاركت فيه واشنطن من خلال هادي عمرو، ممثل شؤون فلسطين في إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في تأكيد حرصهم على استكمال عملية السلام مع الجانب الإسرائيلي، وفضح تعنت الجانب الإسرائيلي ورفضه لعملية السلام.
(*) مشكلتا الأمن والحدود: استطاعت إسرائيل توظيف ورقة أمن الحدود؛ لضمان عدم ممارسة المجتمع الدولي لضغوطه عليها؛ بسبب حروبها المستمرة على قطاع غزة. وتدعي أن هذه الحروب لحماية حدودها ومنع من تصفهم بالحركات الإرهابية من تهديد مواطنيها. على الجانب الآخر، يرفض الفلسطينيون فرض سُلطات الاحتلال الإسرائيلي أي قيود على حركتهم، وكذلك تواجد أي من قوى الأمن والجيش في المناطق التي يقطنونها.
في الختام،يبدو أن تثبيت سلام دائم ومستدام بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكلٍ عام، وقطاع غزة على وجه الخصوص، يتطلب التزامًا كاملًا من كل الأطراف وبالأكثر إسرائيل، بوقف التصعيد والعمل على التهدئة، خاصة في الداخل الفلسطيني المُحتل، ووقف بناء مستوطنات جديدة، والتوقف عن سياسة تنفيذ الاغتيالات، والتي يزخر بها الأرشيف الأمني الإسرائيلي، إضافة إلى تعزيز الثقة المتبادلة وصولًا إلى المحادثات المباشرة التي تكفل تحقيق حل الدولتين باعتباره الحل الشامل للقضية برمتها، وهو ما يتطلب تقديم التنازلات، وتوفر الإرادة السياسية والرغبة في معالجة القضايا الأساسية التي غذت الصراع على مدى عقود.