تخيّل أنك تتجول في الشوارع المحيطة بمنزلك وإذا بمجموعة من الجنود المسلحين بالكامل يطلبون منك الوقوف لتفتيشك أو التقاط صور لوجهك، أو تخيّل أنك لا تستطيع الخروج من مدينتك ليوم واحد على الأقل حتى تعبر نقطة تفتيش محوسبة تقوم بمسح وجهك، لتقرر ما إذا كان سيُسمح لك بالمرور أم لا، أو تخيّل أنك مزارع، ترعى أغنامك، ومن حيث لا تحتسب، يظهر أمامك جندي ويعتقلك كـ"إرهابي" لمجرد أنه لا يرتاح لوجهك.
هكذا وصف الكاتب الإسرائيلي، أوري جفعاتي، في مقال له بموقع "ذا ديلي بيست" (The Daily Beast) الأمريكي، الحياة اليومية القاسية التي يعيشها فلسطيني بمدينة الخليل، في الضفة الغربية المحتلة، مستنكرًا الحصار الإلكتروني الذي تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، لإخماد أصواتهم والهيمنة عليهم، قائلًا: "هذه ليست حلقة من مسلسل "المرآة السوداء"، بل يوميات فلسطيني في الخليل".
اعترافات صادمة
في خطوة صادمة ومثيرة للجدل، كسر "جفعاتي" صمته وأدلى بشهادته حول تجربته الشخصية كجندي في سلاح المدرعات بجيش الاحتلال الإسرائيلي في الفترة من 2010 لـ2013، مؤكدًا أن الشركات من جميع أنحاء العالم المسؤولة عن تطوير تكنولوجيا التجسس، جنبًا إلى جنب مع وكالات الدولة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي، تعمل من أجل السيطرة على الشعب الفلسطيني بطرق من شأنها أن تُخجِل بعض أكثر الدكتاتوريات شراسة في العالم.
وسلّط الكاتب الإسرائيلي في مقاله الضوء على تقرير نشرته منظمة العفو الدولية أخيرًا بعنوان "الفصل العنصري الآلي"، الذي يعرض بالتفصيل استخدام إسرائيل المكثف لتقنيات المراقبة "البيومترية"، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الذي كشف عن نظام مراقبة جديد شديد التوغل يُعرف باسم "الذئب الأحمر"، وهو يعتمد على كاميرات مثبتة عند نقاط التفتيش، ويحدد هوية الفلسطينيين تلقائيًا باستخدام برامج التعرف على الوجه.
مدينة الخليل الذكية
وأضاف "جفعاتي" أن هذا الاكتشاف الأخير، يمثل جانبا آخر من أنظمة المراقبة الجماعية التي تستخدمها سلطات الاحتلال في مدينة الخليل، جنبًا إلى جنب مع "الذئب الأزرق"، وهو تطبيق للتعرف على الوجه للهواتف الذكية يطابق صور المدنيين الفلسطينيين التي يلتقطها الجنود مع البيانات المحفوظة في قاعدة بيانات خاصة تشمل كل فلسطيني مقيم في الأراضي المحتلة.
وإلى جانب تلك الأنظمة الرقمية التي تستخدمها تل أبيب لتضييق الخناق على الشعب الفلسطيني، تحدث الكاتب عن نظام آخر يعرف باسم "مدينة الخليل الذكية" وهو شبكة متطورة من الكاميرات ذات قدرة كبيرة على الاختراق، متطورة ومنتشرة في جميع أنحاء المدينة، تجعل من المستحيل على الفلسطينيين المقيمين في الخليل، الهروب من عين الاحتلال المتربصة، فلم يقتصر الأمر على مراقبة المدن والقرى والمنازل، بل امتد إلى بياناتهم الشخصية.
ووسعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال السنوات الـ56 الماضية، السيطرة العسكرية على الشعب الفلسطيني بشكل كبير، وباسم "الدفاع"، وتحت مبرر "أسباب أمنية"، هدموا المنازل، وشجّعوا المستوطنين على ممارسة العنف، وفقًا لما ورد في مقال الكاتب الإسرائيلي.