وجّه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال كلمته الافتتاحية في قمة شرم الشيخ للمناخ في 7 نوفمبر 2022، نداءً من على منبر القمة، باسم قادة العالم المشاركين في فعاليات المؤتمر لإيقاف الحرب الروسية الأوكرانية التي وصفها بأنها "أزمة كبيرة" يمر بها العالم، ولها تداعياتها على جميع الدول، خصوصًا أن الاقتصادات عانت أزمة كورونا لمدة عامين، ودعا الرئيس إلى وقف هذا الدمار والخراب والقتل.
وتكتسب هذه الدعوة أهميتها من أوجه عدة: أولها أنها تأتي من على من منبر قمة المناخ المنعقدة بشرم الشيخ، وهي المدينة التي لطالما كانت لها رمزيتها في نداءات السلام والدعوة للتسامح والتعاون المشترك ونبذ العنف والصراع وإعطاء مساحة واسعة للقواسم الإنسانية المشتركة لتعزيز ركائز السلم والأمن والاستقرار على المستوى العالمي. وثانيها، أن قمة شرم الشيخ للمناخ، تُعد تجمعًا دوليًا للمشاركين في فعاليات المؤتمر من القادة والمسئولين رفيعي المستوى، فضلًا عن ممثلي المنظمات الدولية سواء الحكومية أو الخاصة ومنظمات المجتمع الدولي والشخصيات المؤثرة والملهمة، وممثلي وكالات الأنباء والصحف العالمية، ما سيجعل للدعوة صداها في أرجاء المعمورة في ظل مشاركة وحضور 120 من قادة وزعماء ورؤساء حكومات دول العالم، وأكثر من 3000 صحفي وإعلامي ينقلون فعاليات المؤتمر بعشرات اللغات.
دعوات للسلام:
تُشكل دعوة الرئيس السيسي تتويجًا لعديد من الدعوات التي نادت بضرورة وقف الحرب الروسية الأوكرانية، فمن بين تلك الدعوات كانت تجديد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش دعواته لوقف الحرب الروسية الأوكرانية. فبعد مرور 100 يوم من الحرب في 3 يونيو 2022، الذي وصفه باليوم المأساوي، دعا جوتيريش لوضع حد فوري للعنف الذي أودى بحياة الآلاف، وتسبب بدمار لا يوصف وبنزوح ملايين الأشخاص، وأسفر عن انتهاكات غير مقبولة لحقوق الإنسان، وتأجيج أزمة عالمية ثلاثية الأبعاد، من غذاء وطاقة وتمويل، تضرب الأشخاص والبلدان والاقتصادات الأكثر ضعفًا.
كما جاءت دعوة بابا الفاتيكان البابا فرانسيس، في 2 أكتوبر 2022 في حديثه بساحة القديس بيتر، التي أعرب فيها عن قلقه العميق إزاء تصاعد الأوضاع في أوكرانيا جراء العملية العسكرية الروسية، منددًا بخطر وقوع حرب نووية كارثية تشكل خطرًا على البشرية، بسبب تصاعد التوترات. وناشد البابا فرانسيس، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقف دوامة العنف والموت في أوكرانيا من أجل شعبه، كما دعا البابا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلى الانفتاح على مقترحات السلام الجادة، وحث المجتمع الدولي على استخدام جميع الوسائل الدبلوماسية لإنهاء هذه المأساة الضخمة وحالة الرعب بسبب الحرب.
وتأتي دعوة الإمـام الأكبــر الدكتور أحــمد الطيب شـيخ الأزهــر الشــريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، خلال كلمته في 4 نوفمبر 2022 في الجلسة الختامية لملتقى البحرين للحوار إلى وقف الحرب الروسية الأوكرانية، من أجل سلام العالم واستقراره، قائلًا: "أضم صوتي إلى صوت محبي الخير ممن يدعون إلى السَلام ووقف الحرب الروسية الأوكرانية، وحقن دماء الأبرياء مِمن لا ناقة لهم ولا جَمَل في هذه المأساة، ورفع راية السَلام بدلًا من راية الانتصار، والجلوس إلى دائرة الحوار والمفاوضات". ودعا إلى وقف الاقتتال الدائر في شتى بقاع الأرض لإعادة بناء جسور الحوار والتفاهم والثقة من أجل استعادة السلام في عالم مثخن بالجراح؛ حتى لا يكون البديل هو المزيد من معاناة الشعوب الفقيرة، والمزيد من العواقب الوخيمة على الشرق والغربِ معًا.
دوافع متعددة:
تتنوع الدوافع التي أسهمت في توجيه نداءات السلام لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، وتتمثل أبرز تلك الدوافع في التالي:
(*) توطيد الاستقرار العالمي: مثّلت الحرب الروسية الأوكرانية ساحةً مؤهلة لعودة الصراعات بين القوى الكبرى، التي تسعى لإعادة تشكيل النظام الدولي وفقًا لاعتبارات المصالح الوطنية، ما سيشكل تهديدًا للاستقرار العالمي، إذ يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والقوى المناوئة للهيمنة الأمريكية الرامية لفرض نظام دولي متعدد الأقطاب، أشار إليه بوتين بالقول إننا ندخل نظاماً عالمياً جديداً، تضعه الدول القوية ذات السيادة. لذلك جاءت مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينج في 23 سبتمبر 2022 التي تدعو جميع الدول إلى الحفاظ على أمن مشترك وشامل وتعاوني ومستدام، محذرًا من أن تغييرات عميقة ومعقدة لحقت بالوضع الأمني الدولي، وأن العالم يدخل فترة جديدة من الاضطراب والتحول، لذلك تدعو المبادرة إلى احترام سيادة وسلامة أراضي جميع الدول والالتزام بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتأكيد المخاوف الأمنية المشروعة لجميع الدول، فضلًا عن تسوية الخلافات والمشكلات بين الدول من خلال الحوار والتشاور.
(*) تجنب استنزاف القدرات الاقتصادية للدول: وفقًا للتقديرات الاقتصادية، فإن تكلفة تأثير الحرب في أوكرانيا تقدر بنحو 2.8 تريليون دولار، إذ أدّى الصراع إلى ارتفاع أسعار الطاقة، ما أضعف إنفاق الأسر في جميع الدول وقوّض ثقة الأعمال التجارية، وفاقم خلل سلاسل التوريد من خلال لجوء أكثر من 30 دولة لإجراءات حمائية لمنع تصدير منتجاتها الزراعية، ما تسبب في نقص إمدادات الغذاء والسلع الضرورية، وهز الأسواق في جميع أنحاء العالم، لاسيما أسواق الطاقة. وهو ما أدى إلى دخول الاقتصاد العالمي في حالة من التضخم والركود. وكانت الاقتصادات الناشئة الأكثر تضررًا، منها اقتصادات الدول الإفريقية التي تعاني ارتفاع الديون وموجات التضخم وغلاء الأسعار لضعف مناعتها الاقتصادي. وهو ما يتماشى مع توقعات رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، بأن الدول النامية هي الأكثر تضررًا بالنظر إلى النقص في الأسمدة ومخزونات الغذاء وإمدادات الطاقة.
(*) الحد من اندلاع سباق تسلح عالمي: تُمثل نداءات السلام لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، رغبةً ممن لديهم إدراك بالمسؤولية التاريخية في الحد من اندلاع سباق للتسلح العالمي سيكون -دون شك- خصمًا من رصيد مخصصات التنمية، الذي بدت بوادره عقب الغزو الروسي لأوكرانيا مباشرةً، حيث أشارت التقديرات إلى رصد ألمانيا ما يقرب من 100 مليار دولار لتعزيز منظوماتها العسكرية، فضلًا عن حديث المستشار الألماني أولاف شولتس حول أن برلين ستسلح جيشها، حتى يتمكن من الدفاع عن ألمانيا وشركائها ضد التهديدات، كما أعلن سكوت موريسون رئيس الوزراء الأسترالي، أن بلاده ستزيد تعداد جيشها بنحو 30%، وبتكلفة تقدر بنحو 27 مليار دولار.
مجمل القول إن نداء شرم الشيخ، الذي أطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال كلمته الافتتاحية لقمة المناخ العالمية، يُشكّل خطوة جادة نحو تعزيز ركائز السلام العالمي، ويعكس الدور الريادي لقوة مصر الناعمة كقوة إقليمية، تمتلك مبادرات بناءة لتعزيز الاستقرار والأمن في مناطق الصراعات المتفجرة. وهو الأمر الذي يتطلب أن يقوم المجتمع الدولي بمسؤولياته في تعزيز جهود الوساطة ودعمها لإيقاف تلك الحرب، ومن الممكن أن تتبنى دول عدم الانحياز ترجمة تلك الدعوة التي تتماشى مع أهدافها.