تمضي ألمانيا في قرارها بالتخلي عن النووي رغم الأزمة في هذا المجال، إذ توقف السبت الماضي، آخر ثلاثة مفاعلات، معولة على إنجاح انتقالها البيئي دون الاعتماد على الطاقة الذرية، وفقًا لوكالة "فرانس برس".
على ضفاف نهر نيكار، على مقربة من مدينة شتوتجارت في جنوب ألمانيا، سيصبح البخار الأبيض المنبعث من محطة بادن فورتمبيرج للطاقة النووية قريبًا مجرد ذكرى.
الأمر عينه يسري على مجمعي "إيسار 2" بمنطقة بافاريا شرق البلاد، وإيمسلاند شمالاً، في الطرف الآخر من ألمانيا، قرب الحدود الهولندية.
بينما تعتمد الكثير من الدول الغربية على الطاقة النووية، تطوي ألمانيا، الرائدة اقتصاديًا في أوروبا، هذه الصفحة نهائيًا، رغم الجدل المتواصل حول الموضوع.
وتنفّذ ألمانيا قرار التخلص التدريجي من الطاقة النووية المتخذ عام 2002، الذي سرّعته أنجيلا ميركل في عام 2011، بعد كارثة فوكوشيما في اليابان.
وقالت المستشارة الألمانية، حينها إن كارثة فوكوشيما أظهرت أنه "حتى في بلد عالي التقنية مثل اليابان، لا يمكن السيطرة على المخاطر المرتبطة بالطاقة النووية بنسبة 100%".
وأقنع هذا الإعلان الرأي العام في بلد تأججت فيه حركة قوية مناهضة للطاقة النووية في بادئ الأمر بفعل مخاوف من صراع مرتبط بالحرب الباردة، ثم إثر حوادث مثل تشيرنوبيل.
وقد وجدت برلين نفسها معرضة لأحلك السيناريوهات، من خطر إغلاق مصانعها إلى خطر الحرمان من التدفئة في عزّ الشتاء، وذلك مع حرمانها من الغاز الروسي بعدما قطعت موسكو الجزء الأكبر منه،
العجلة بدأت بالدوران
قبل أشهر قليلة من الموعد المبدئي لإغلاق المفاعلات الثلاثة الأخيرة، في 31 ديسمبر، بدأت رياح الرأي العام تتحول.
ويقول يوشين وينكلر، رئيس بلدية نيكارفيستهايم، إذ تعيش محطة الطاقة التي تحمل الاسم نفسه ساعاتها الأخيرة، إنه "مع ارتفاع أسعار الطاقة، وموضوع المناخ المشتعل، علت بطبيعة الحال أصوات للمطالبة بتمديد عمل المحطات".
وقررت حكومة أولاف شولتس التي ينضوي فيها حزب الخضر، الأكثر عداءً للطاقة النووية، أخيرًا تمديد تشغيل المفاعلات لتأمين الإمدادات حتى 15 أبريل.
ويوضح وينكلر "ربما كان ليتجدد النقاش فيما لو شهدنا شتاءً أكثر صعوبة، أو في حال حصل انقطاع في التيار الكهربائي ونقص في الغاز، لكن الشتاء الذي مرّ علينا لم تتخلله مشكلات كثيرة"، بفضل الاستيراد الهائل للغاز الطبيعي المسال.
بالنسبة لرئيس بلدية البلدة التي يبلغ عدد سكانها 4000 نسمة، يعمل أكثر من 150 منهم في محطة توليد الكهرباء، "العجلة بدأت بالدوران" ولم يعد هناك وقت "للرجوع إلى الوراء".
وأغلقت ألمانيا ستة عشر مُفاعلًا منذ عام 2003. ووفرت المحطات الثلاث الأخيرة 6% من الطاقة المنتجة في البلاد العام الماضي، بعدما أمّنت الطاقة النووية 30.8% من إجمالي كميات الطاقة في البلاد عام 1997.
وفي الوقت نفسه، بلغت حصة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج التوليد 46% في عام 2022، مقارنة بأقل من 25% قبل عشر سنوات.
5 توربينات رياح في اليوم
ومع ذلك، فإن وتيرة التقدم الحالية في مصادر الطاقة المتجددة لا ترضي الحكومة ولا الناشطين البيئيين، ولن تحقق ألمانيا أهدافها المناخية دون جهود إضافية قوية.
هذه الأهداف "طموحة أصلًا حتى من دون التخلص التدريجي من الطاقة النووية، وفي كل مرة نحرم فيها أنفسنا من خيار تقني، نجعل الأمور أكثر صعوبة"، وفق يورج زاكمان، المتخصص في قضايا الطاقة في مركز بروجل للبحوث في بروكسل.
المعادلة أكثر تعقيدًا في ظل هدف إغلاق جميع محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في البلاد بحلول عام 2038، مع إغلاق نسبة كبيرة منها بحلول عام 2030.
ولا يزال الفحم يمثل ثلث إنتاج الكهرباء في ألمانيا، بزيادة قدرها 8% العام الماضي، لتعويض غياب الغاز الروسي.
وأكد أولاف شولتس ضرورة تركيب ألمانيا "4 إلى 5 توربينات رياح كل يوم"، خلال السنوات القليلة المقبلة لتغطية احتياجاتها. وتُعدّ هذه الأرقام مرتفعة مقارنة بنصب 551 توربينة عام 2022.
ومن شأن سلسلة تخفيفات بالقيود التنظيمية اعتُمدت في الأشهر الأخيرة، أن تتيح تسريع الوتيرة.
و"تستغرق عملية التخطيط والموافقة على مشروع طاقة الرياح ما بين 4 إلى 5 سنوات في المتوسط"، بحسب اتحاد القطاع (BWE)، الذي يرى أن تسريع الوتيرة بعام أو عامين يشكل "تقدمًا كبيرًا" بالفعل.