الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تهديد متكرر.. هل يستخدم "بوتين" السلاح النووي في أوكرانيا؟

  • مشاركة :
post-title
صاروخ باليستي عابر للقارات أُطلق خلال تدريبات أجرتها القوات النووية الاستراتيجية الروسية- أرشيفية

القاهرة الإخبارية - محمود جمال

أثارت تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم 25 مارس 2023 في مقابلة تليفزيونية، عن اتجاه روسيا إلى نشر أسلحة نووية تكتيكية في دولة بيلاروسيا المجاورة لثلاث دول من حلف الناتو؛ هي بولندا وليتوانيا ولاتفيا، ضجة كبيرة على المستوى العالمي، لا سيَّما أن هذه الخطوة جاءت كرد فعل على إرسال المملكة المتحدة ذخيرة من اليورانيوم المنضب إلى أوكرانيا. ويُعد اليورانيوم المنضب منتجًا ثانويًا لعملية تصنيع الوقود لبعض أنواع المفاعلات النووية. وتبعت هذه الخطوة إدانة من العديد من الدول الغربية، وعقد مجلس الأمن، اليوم الجمعة، 31 مارس 2023 جلسة بشأن نشر موسكو أسلحة نووية في مينسك.

تأسيسًا على ما سبق، نحاول في هذا التحليل قراءة احتمالات استخدام السلاح النووي في أوكرانيا، وهو السيناريو الأصعب الذي كان يخشاه العالم منذ بدء العملية الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير 2022.

دلالات الإعلان:

جدد إعلان الرئيس بوتين عزمه إرسال أسلحة نووية تكتيكية إلى بيلاروسيا، مخاوف أن تكون أوكرانيا ساحة بدء الحرب النووية التي عمل العالم على تجنبها منذ الحرب الباردة، وعليه نشير فيما يلي إلى دلالات الإعلان، وتداعياته:

(*) تصعيد على حدود الناتو: يُمثل نقل بوتين لأسلحة نووية تكتيكية إلى حدود ثلاث دول للناتو مع بيلاروسيا تهديدًا لمسألة الأمن الجماعي في أوروبا، التي طالما افتخر بها حلف الأطلسي. ويأتي هذا الإعلان بعد التصعيد الأخير الذي تشهده الحرب الروسية الأوكرانية، وعدم قدرة القوات الروسية على حسم المعركة مع أوكرانيا، كما كان مرسومًا لها، وقال بوتين إنه سيتم الانتهاء من بناء مرافق لتخزين هذه الأسلحة بحلول الأول من شهر يوليو المُقبل.

الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والبيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو- أرشيفية

(*) اختبار للضغط على أوكرانيا وحلفائها من الدول الغربية: تُشير بعض التحليلات المختلفة إلى أن خطوة نقل أسلحة نووية تكتيكية إلى بيلاروسيا ستكون بمثابة بالون اختبار وضغط على أوكرانيا وحلفائها، أكثر منه توجهًا عامًا لروسيا، وتُدرك القيادة الروسية خطورة التهديد باستخدام هذا السلاح. وقللت أدريان واتسون، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأوكراني، من تصريحات الرئيس الروسي؛ إذ قالت: "لم نر أي سبب لتعديل وضعنا النووي الاستراتيجي، ولا أي مؤشرات على أن روسيا تستعد لاستخدام سلاح نووي"، ويعتبر الغرب أن التصريحات الروسية موجهة بالأساس لاستفزاز الدول الغربية، خاصة الداعمة لأوكرانيا، وهو ما يبرز في تأكيد بوتين على أن موسكو التزمت بعدم الانتشار النووي، بعكس واشنطن التي تنشر أسلحتها النووية خارج حدودها، وتحديدًا في تركيا وألمانيا واليونان، وعدد من الدول الأوروبية.

(*) دعوات مُتكررة: قال بوتين إن الخطوة التي ستُقدم عليها روسيا فعلتها الولايات المتحدة قبل عقود؛ إذ قامت بنقل التقنية إلى دولٍ حليفة، وأعدت لها منصات الإطلاق، وتدريب الأطقم، وعملت روسيا في الأخير على تحديث الطائرات العسكرية البيلاروسية؛ لتكون قادرة على حمل أسلحة نووية تكتيكية. ووصف بيان لحلف الناتو في 26 مارس من الشهر الجاري خطاب روسيا النووي بـ"الخطير وغير المسؤول"، وذلك وفق ما نقلته "رويترز".

(*) توقف تقدم روسيا في معركة باخموت: تُواجه روسيا صعوبات في السيطرة على بلدة باخموت الاستراتيجية. وتقول المخابرات العسكرية البريطانية، إن روسيا قد تتجه إلى تبني استراتيجية دفاعية في شرق أوكرانيا، خاصة بعد نجاح القوات الأوكرانية في صد تقدم القوات الروسية في باخموت لأكثر من سبعة أشهر. وتذهب بعض التوقعات إلى إمكانية استخدام بوتين للسلاح النووي التكتيكي؛ بسبب الصعوبات التي واجهتها القوات الروسية في أوكرانيا، وذلك عكس ما كان مرسومًا للعملية العسكرية في بداياتها، وبالتالي قد تؤدي الضربة النووية التكتيكية إلى إجبار الغرب على وقف تمويل الحرب، ودفع نظام كييف نحو قبول صفقة مع روسيا، على غرار ما حدث في الحرب العالمية الثانية بعد استخدام الجيش الأمريكي للسلاح النووي في هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين.

السيناريوهات المحتملة:

يُمكن الإشارة هنا إلى ثلاثة مسارات لإمكانية استخدام السلاح النووي في أوكرانيا، هي كالتالي:

(-) السيناريو الأول، التصعيد النووي المتدرج: يُشير هذا السيناريو إلى اتجاه روسيا إلى استخدام الأسلحة النووية بشكلٍ تدريجي، لسرعة إغلاق الملف الأوكراني الذي استنزفها داخليًا وخارجيًا، وبما يضمن حسم المعركة لصالحها ولو بشكلٍ جزئي، ومن المُمكن أن يتطور الأمر إلى استخدام السلاح النووي استراتيجيًا في إحدى المدن الأوكرانية؛ وذلك في حال فشلت الخطوة الأولى في تغيير السلوك الغربي والأوكراني في الحرب. ويستند هذا السيناريو إلى حالة اليابان في الحرب العالمية الثانية، والتي أعلنت استسلامها غير المشروط، بعد إلقاء الولايات المتحدة الأمريكية للقنبلة النووية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي. ويرتبط هذا السيناريو بالدور الذي ستضطلع به الدول الأوروبية والناتو في تغيير مسار الحرب؛ إذ تتخذ روسيا مواقف مُتشددة من الصراع بعد أي خطوة من حلف الأطلسي لتسليح أوكرانيا بأسلحة قد تهدد الأمن القومي الروسي، كما فعلت بريطانيا التي أكدت أنها ستزود أوكرانيا بذخيرة تحتوي على يورانيوم منضب، وقد نفى جيمس كليفرلي، وزير الخارجية البريطاني، وجود تصعيد نووي في الحرب الأوكرانية، مُعتبرًا أن هذا النوع من السلاح دفاعي؛ إذ يُستخدم لأنه قادر على اختراق الدبابات والمدرعات بسهولة. ومن شأن استمرار الدعم العسكري الغربي أن يُلحق هزيمة عسكرية بروسيا، وهو الأمر الذي لن يسمح به بوتين، الذي قال تصريحه الشهير قبل بدء الحرب: "لا حاجة إلى عالم لا مكان فيه لروسيا".

كسينجر أثناء مشاركته عبر تقنية الفيديو في المنتدى الاقتصادي بدافوس

هذا الأمر دفع منظري المدرسة الواقعية في الولايات المتحدة الأمريكية، مثل هنري كسينجر، وزير الخارجية الأسبق، ومهندس الأمن القومي الأمريكي، إلى بناء آرائه قبل بدء الحرب، على ضرورة ضمان حياد أوكرانيا والتفاهم مع روسيا، وذلك قبل أن يُغير رأيه في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس 2023، وربطه تغيير تحليله للمشهد بوقوع ما كان يخشاه، ووصول الحرب إلى نقطة اللا عودة بالنسبة لأوكرانيا. وكانت تقوم هذه التوصيات في بدايات التصعيد العسكري على ضرورة عدم الإقدام على إلحاق هزيمة عسكرية كبيرة بروسيا، وضمان خروجها من الحرب بشكلٍ مُشرف باعتبارها قوة نووية وعسكرية كبيرة في العالم، وأن هزيمتها قد تُعيد سيناريو الحرب العالمية الثانية التي حدثت بدافع الانتقام من دول الحلفاء؛ إذ شعر الألمان أن بلادهم قد تعرضت لحالة إذلال مقصودة نتيجة ترتيبات "معاهدة فرساي"، التي استنزفت الاقتصاد الألماني وقتها بسبب التعويضات، واشتمالها على تنازل ألمانيا عن بعض الأراضي التي كانت تُسيطر عليها.

الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين، والأمريكي جو بايدن

(-) السيناريو الثاني، تجنب روسيا أي تصعيد نووي: ينبني هذا السيناريو على أساس أن بوتين يستخدم ورقة السلاح النووي لاستفزاز الغرب، وإجبار أوكرانيا على قبول صفقة سلام، تضمن له صون الأمن القومي الروسي بتأمين حدود روسيا الشرقية بعد ضمه لمناطق من إقليم دونباس الاستراتيجي، وكذلك شبه جزيرة القرم. ويرتبط هذا الاتجاه بالتهديد المُتكرر من روسيا باستخدام السلاح النووي حتى قبل اندلاع الحرب. ويتأكد هذا السيناريو بعدم إقدام موسكو على استخدام أسلحة نوعية (كيميائية أو بيولوجية) في معركتها مع أوكرانيا حتى الآن، وكذلك تأكيد روسيا أنها لن تنقل السيطرة على الأسلحة النووية التكتيكية إلى بيلاروسيا، وبذلك تُؤكد التزامها بنظام عدم نشر أسلحة الدمار الشامل في العالم.

(-) السيناريو الثالث، نجاح سياسة استدراج بوتين: يُشير هذا السيناريو إلى نجاح السياسة الغربية في استدراج الرئيس بوتين؛ لتوريطه أكثر في الملف الأوكراني كخطوة أولى لكسر روسيا كقوة عسكرية مهيمنة في أوروبا، ومُهددة لنفوذ الناتو. ويستند هذا السيناريو على مجموعة من المؤشرات أولها: خطوة محاصرة بوتين وجعله منبوذًا دوليًا، لا سيَّما بعد مذكرة التوقيف التي أصدرتها الجنائية الدولية بحقه، وثانيها: عدم تجاوب الولايات المتحدة وحلفائها مع مبادرة الوساطة الصينية، ودفع أوكرانيا للتشدد في موقفها من السلام مع روسيا، وثالثها: خطوات الغرب باستفزاز روسيا، خاصة بعد تحرك المملكة المتحدة بإرسال ذخيرة من اليورانيوم المنضب إلى أوكرانيا، وما يُمكن أن يلي ذلك من إرسال أسلحة هجومية قد تهدد الداخل الروسي، وقد يستفز ذلك كله بوتين ويدفعه إلى استخدام السلاح النووي، ولو كان حتى بشكلٍ محدود، وعنده تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون بالعمل على إسقاط بوتين بشكل مباشر، بشن حملة دولية ضده وتصويره كمهدد للأمن العالمي، خاصة أن استخدام بوتين للسلاح النووي، أو حتى التلميح باستخدامه سيشجع دولًا نووية أخرى سواء باستخدامه مثل كوريا الشمالية أو السعي لامتلاكه مثل إيران، وهو الباب الخطير الذي التزم العالم بإغلاقه لأكثر من 77 عامًا، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945.

إجمالًا؛ يتهم الغرب بوتين بسعيه إلى وضع بيلاروسيا كرهينة لحربه في أوكرانيا، خاصة بعد تشكيكهم في تصريحاته، ووصفها بالمحاولة الاستفزازية لممارسة أقصى درجات الضغط على أوكرانيا وحلفائها. ومن جانبه، اعتبر الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، في خطابٍ سنوي أمام مشرعين ومسؤولين حكوميين في 31 مارس 2023، أن نشر موسكو لأسلحة نووية في بلاده بمثابة الخطوة التي ستوفر لها الحماية من التهديدات الغربية.

وترتبط السيناريوهات التي أشرنا إليها حول استشراف مسألة استخدام السلاح النووي في الحرب الروسية الأوكرانية، إلى ثلاثة محددات رئيسة هي؛ تقديم الدعم العسكري النوعي لأوكرانيا، التطورات الميدانية في المعركة، ومدى قدرة طرفي الحرب على استنزاف قوة أو إلحاق هزيمة بالطرف الآخر، وأخيرًا ما يُمكن أن تحققه مبادرات الوساطة الدولية في أوكرانيا، والتي كان آخرها المبادرة الصينية.