راقص هاوٍ عشق الفن منذ الصغر فقرر احترافه، ورغم دراسته للتجارة، فإنه قرر أن يصنع لنفسه طريقًا يجد فيه تجلي روحه، وهيامه وعشقه؛ ليصبح راقصًا يجوب الأرض من مشرقها لمغربها، يجعل العالم يتحدث عن التراث المصري الأصيل، ويكون فرقة تخلّد في تاريخ الفن، وهي فرقة رضا للفنون الشعبية، ليصبح أحد أساطير الفن الذي لا تنقطع رقصته نهائيًا عن المسرح.
محمود رضا ابن محافظة القاهرة الذي ولد في مثل هذا اليوم عام 1930، كان يحب مشاهدة رقصات شقيقه علي رضا، كما كان يذهب لمشاهدة الأفلام الأمريكية الاستعراضية ليتعلم منها الرقصات، ويحكي عن تلك الفترة ويقول في لقاء تليفزيوني: "كنت أذهب إلى الفيلم 20 مرة؛ من أجل أن أتعلم حركة واحدة، وبعد الانتهاء من مشاهدة الفيلم أذهب إلى أقرب شارع مُظلم وأقف لأحاول الرقص وأتعلم ما شاهدته قبل نسيانه، إذ كنت وقتها طالبًا في كلية التجارة، وفي أحد الأيام كان هناك امتحان لي في الكلية، وعرفت أن هناك فرقة أرجنتينية قادمة للرقص في أحد الأماكن بشارع الهرم فتركت الامتحان وذهبت لمشاهدتهم".
ويتابع محمود قائلًا: "حينما شاهدوني قالوا لي: بترقص؟ فرددت بالإيجاب على الفور وطلبوا أن يشاهدوني وبعدها قرروا أن يجعلوني جزءًا من فرقتهم، وسافرت معهم إلى أكثر من دولة، ومن هنا جاءت فكرة تأسيس "فرقة رضا للفنون الشعبية" إذ قلت لنفسي لماذا لا يكون لدينا فلكلور مصري يعبر عن ثقافتنا".
بعد 6 أشهر مع الفرقة الأرجنتينية عاد محمود رضا إلى مصر؛ ليبحث عن فرقة يدمج معها حلمه، ووقتها كان على علاقة بالفنانة فريدة فهمي وعائلتها فذهب إليها لتشارك معه في الفرقة، كما أن الأمر لم يتوقف على طلب العمل فقط، إذ أعجب بشقيقتها نديدة فهمي، وتزوجها لينجب منها بعد ذلك ابنته الفنانة المصرية شيرين رضا، وبعد فترة من الوقت يتزوج شقيقه علي رضا من الفنانة فريدة فهمي، وهي ابنة الثامنة عشر عامًا، حسبما حكى محمود في لقاء متلفز.
تكونت الفرقة في البداية من 14 راقصًا، بينما وصل عدد الموسيقيين إلى نحو 13 فردًا، لينطلقوا في الرحلة ويكون أول عرض استعراضي لهم عام 1959 على مسرح الأزبكية الصيفي، انتشرت الفرقة وحققت نجاحات مُتتالية، وأصبح اسمها معروفًا، لتكون المرحلة الثانية للفرقة، وهي انضمامها إلى وزارة الثقافة ويحكي محمود: "كان هذا تطور مهم للفرقة فقد زاد عدد الراقصين إلى 80 فردًا، فيما تخطى عدد العازفين 100 عازف، وجابت الفرقة العالم كله أكثر من مرة.
يسمي محمود رضا ما يقدمه من استعراضات بالرقص المسرحي الاستعراضي، إذ يقول: "نسميه رقصًا شعبيًا وفنونًا، إذ نعتمد على الموسيقى والأغنيات والحكايات والأساطير ولا نقدم رقصًا شعبيًا، كما هو متعارف عليه، بل يمكننا القول إننا نستلهم ما نقدمه من الفنون الشعبية".
لأن محمود كان يحلم دائمًا بأن يحكي تاريخ وتراث مصر، من خلال رقصاته قرر أن يجوب المحافظات، ولكن هذه المرة بشكل مختلف إذ يقول: "قدمت في البداية الاستعراضات بحكم معرفتي بأهل البلد، ولكن قررت بعدها أن نسافر إلى كل محافظة لنتعرف على تفاصيلها، وبدأنا بالأقصر مرورًا بأسوان وسوهاج وأسيوط ودرسنا طبيعة كل بلد وقدمنا له ما يشبهه".
بعد تلك المرحلة جاءت فترة مهمة في تاريخ فرقة رضا، وهي توثيق ما يقدمونه من خلال الأفلام، ورغم أن محمود لم يُشارك إلا في ثلاثة أعمال هي "غرام في الكرنك"، "إجازة نص السنة"، و"حرامي للورق"، إلا أنها ساعدتهم في انتشار أكبر وعلى مستوى واسع في المحافظات، لكن محمود قرر ألا يستمر؛ لأنه لم يكن "غاوي" تمثيل، لكنه في الوقت نفسه ترك وراءه أحد أروع الأفلام المصرية الذي يحتفى به في كل بلاد الوطن العربي، وهو "غرام في الكرنك".
كان الموسيقار علي إسماعيل رفيق مشوار محمود رضا، وبينهم كيمياء خاصة وفكر واحد، فهو أحد مؤسسي الفرقة، وكلما كانت تكبر فكرة فرقة رضا، كان يزيد طموحهم لتقديم عروضًا استعراضية على نطاق أوسع، وتأكيدًا لفكرة محمود رضا في تقديم فن يشبه محافظته، كان يسافر علي إسماعيل؛ ليشاهد فولكلور البلد والثقافة المتوارثة هناك، ولديه باع من الثقافة لأن يعرف طبيعة الآلات التي يستخدمها وتتناسب مع المكان، حسبما حكت ابنته لموقع "القاهرة الإخبارية".
كان هناك توافق ملحوظ بين فريدة فهمي ومحمود رضا، ويحكي عنها الأخير ويقول: "حينما بدأنا فرقة رضا كنت أصمم الرقصة للبنات من خلال فريدة فهمي، وكانت تقدم الرقصات أفضل مما أتوقع، وهذا ما جعل بيننا كيمياء ملحوظة في كل العروض التي قدمناها؛ لأنها كانت تفهم ما أريد تقديمه".
آخر عرض مسرحي قدمه محمود رضا كراقص كان عمره 42 عامًا، ويقول: "كنا نقدم عرض "علي بابا وأربعين حرامي" بالإسكندرية، وأصبت بفيروس في الوجه كان خطرًا على العين، ونزلت القاهرة وبطلت رقص ولكنني استمررت كمصمم للرقصات، ولم أغضب لتوقفي، وكل من يرقص يجب أن يكون لديه تصور ثانٍ ويصمم رقصات ويخرج استعراضات ويمثل في السينما، وكان أهم شيء بالنسبة لي هو أن أدرب وأصمم".
في صباح يوم 10 يوليو عام 2020 رحل عن عالمنا محمود رضا بعد صراع مع مرض الشيخوخة، ولكن ما زالت استعراضاته باقية بين محبيه في مصر والعالم.