في اجتماع جمع رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين، والرئيس الأمريكي جو بايدن، تناول خلالها الطرفان أهمية الشراكة الأمريكية- الأوروبية، خاصة فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، كذلك نجح بايدن ودير لاين في نزع فتيل أزمة التجارة عبر الأطلسي التي وضعت العلاقات الأمريكية مع أوروبا في أزمة منذ منتصف العام الماضي، كما تم مناقشة عدد من القضايا الشائكة لكل من الجانب الأوروبي والأمريكي منها التوتر مع الصين.
وفي خطوة محدودة لكنها ملموسة، اجتمعت رئيسة المفوضية الأوروبية والرئيس الأمريكي أمس الجمعة، في البيت الأبيض، وأعلنا بعد مباحثاتهما في المكتب البيضاوي أن المفاوضات ستبدأ حول منح منتجي المعادن الحيوية في الاتحاد الأوروبي حق الدخول إلى السوق الأمريكية بموجب خطة بايدن لتشجيع الصناعات الصديقة للبيئة، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية.
كما تعهدا على التنسيق بشكل عام بينما يركز اقتصادا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على صناعة السيارات الكهربائية وقطاعات خضراء أخرى.
كانت "فون دير لاين" عملت عن كثب مع "بايدن" على صياغة رد غير مسبوق على الحرب الروسية في أوكرانيا على مدار العام الماضي، كما حظى اجتماعهما بالتأكيد على الدعم المستمر لحكومة كييف، وأوضح بايدن في تصريحاته أن التحالف لدعم أوكرانيا يمثل "حقبة جديدة".
وفي بيانهما المشترك لاحقًا، قالا إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "اعتقد أنه سيقسمنا، لكننا أكثر اتحادًا من أي وقت مضى. نحن نقف معًا في دعمنا الثابت لأوكرانيا مهما استغرق الأمر".
خطة الصفقة الخضراء وقانون التضخم
وتعتبر السيارات الكهربائية إحدى أهم القضايا التي نشبت بسببها توترات بين الجانب الأوروبي والأمريكي منذ منتصف الصيف الماضي، وقد بدا التوتر بسبب "قانون خفض التضخم" لإدارة بايدن، وهو برنامج هائل للمساعدات يعتزم الرئيس الأمريكي استخدامه لتشجيع الانتقال إلى الطاقة النظيفة عبر دعم المنتجات المصنّعة في الولايات المتحدة.
ووسط قلق الاتحاد الأوروبي من أن تضر خطة دعم منتجات "صنع في أمريكا" بقطاعي الطاقة والسيارات في أوروبا، يعمل الاتحاد الأوروبي على مجموعة حوافز خاصة به مثل "خطة الصفقة الخضراء الصناعية" لتعزيز القطاع الناشئ.
وخلال لقاء الرئيس الأمريكي ورئيسة المفوضية الأوروبية، جاء البيان المشترك ليوكد أن الطرفين أحرزا تقدمًا في اتفاق لبدء محادثات بشأن إعفاء المنتجين الأوروبيين الذين يسعون لتصدير المعادن المهمة لبطاريات السيارات الكهربائية.
وأضاف البيان المشترك: "كلا الجانبين سيتخذ خطوات لتجنب أي اضطرابات في التجارة عبر الأطلسي وتدفقات الاستثمار التي يمكن أن تنشأ عن حوافز كل منهما. نحن نعمل على خلفية "صفر منافسة" حتى تعزز حوافزنا نشر الطاقة النظيفة واستحداث وظائف".
وقالت "فون دير لاين" للصحفيين بعد لقاء بايدن: "اتفقنا اليوم على أننا سنعمل على المواد الخام المهمة التي نحصل عليها أو نعالجها في الاتحاد الأوروبي وأن نؤمن لها إمكانية الدخول إلى السوق الأمريكية (...) وسنعمل على اتفاق بشأن ذلك".
استمرار التوتر
من جهه أخرى، أوضحت صحف أمريكية، اليوم السبت، أن التوتر بين الجانبين مازال قائمًا فيما يتعلق بقانون التجارة عبر الأطلسي، و"قانون خفض التضخم".
وقالت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تعهدا بالتعاون بشأن "المعادن المهمة وشفافية الدعم"، لكن هذا الأمر لم يكن واضحًا وفق البيان الصادر عقب اجتماع الطرفين.
وأضافت الصحيفة الأمريكية أن أوروبا والولايات المتحدة تحاولان معرفة ما إذا كانتا صديقين أو متنافسين في سباق التسلح للطاقة النظيفة الذي تبلغ تكلفته عدة مليارات من الدولارات بين القوى العظمى في العالم، إذ وافق بايدن وفون دير لاين، أمس الجمعة، على سلسلة من التحركات لتهدئة الخلاف التجاري.
وأشارت "بوليتيكو" إلى أن الطرفين أصدرا بيانًا مشتركًا بعد اجتماعهما في البيت الأبيض، قائلين إن الحكومات ستبدأ "على الفور" محادثات لتعزيز سلاسل توريد "المعادن المهمة" بين الحليفين، مع التركيز على السماح لشركات الاتحاد الأوروبي بالاستفادة من الإعفاءات الضريبية الرئيسية للسيارات الكهربائية في "قانون المناخ الأمريكي".
وقالت "بوليتيكو" إنه بعد فصل الشتاء الذي وجّه خلاله الاتحاد الأوروبي انتقادات مستمرة للولايات المتحدة بسبب توقيع بايدن على "قانون المناخ" وحوافزه الخضراء البالغة 369 مليار دولار، يأمل الكثير على جانبي المحيط الأطلسي أن يشير اجتماع أمس إلى "بداية ذوبان الجليد" في الربيع.
التهديد الصيني
ومن القضايا الشائكة التي تخللت لقاء الزعيمين، كانت الصين وقضية تايوان، وكيفية الرد على السياسات التجارية الحازمة للصين. وقال البيت الأبيض في بيانه إن "التحديات التي تمثلها جمهورية الصين الشعبية" ستحتل مكانة بارزة في المحادثات.
وفي وقت تتهم الولايات المتحدة بكين علنًا بأنها تعتزم تقديم مساعدة عسكرية لروسيا، ترغب واشنطن بإقناع الاتحاد الأوروبي بتبني موقف أكثر صرامة حيال الصين، رغم الروابط التجارية القوية جدًا التي يقيمها العملاق الآسيوي خصوصًا مع ألمانيا.
الا أن الأمر يختلف بالنسبة للاتحاد الأوروبي، إذ إن الأخير لا يرى تهديدًا من الصين مثل شريكه الأمريكي، وقد أوضحت إلفير فابري من معهد "جاك دولور" للأبحاث ومقره باريس، لوكالة "فرانس برس" أنه "في العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، باتت الصين دائماً ثالثهما".
وأشارت إلى أن "المفوضية ألمحت بوضوح إلى أن الأوروبيين لديهم رؤية محددة للطريقة التي يريدون من خلالها إبقاء العلاقات مع الصين".
ونقلت صحيفة "ديلي إكسبريس"، أن اجتماع بايدن وفو دير لاين، تطرق إلى الأزمة مع الصين كذلك قضية تايوان، وأوضحت الصحيفة أن أوروبا لا تشارك الولايات المتحدة نفس عقليتها بشأن "التهديد الصيني"، وقد أكد محللون من أن واشنطن وبروكسل لن تتفقا حول هذه القضية.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن محللين قولهم إن الاتحاد الأوروبي ليس لديه نفس عقلية "التهديد الصيني" مثل الولايات المتحدة، مشيرين إلى أن ذلك بدا واضحًا عندما تم ذكر الصين "مرة واحدة فقط" في اجتماع أمس.
وأوضح المحللون أن الصين تعتبر الشريك التجاري الأكبر للاتحاد الأوروبي، ما يعني أن بروكسل لا تشارك واشنطن مخاوف "ليست طرفًا فيها".
ونقلت "ديلي إكسبريس" عن محللين، أوضحوا أن حدة الخطاب التصعيدية بين بكين وواشنطن في الأشهر الأخيرة كانت تنذر بنشوب "صراع مباشر" بين القوتين العظميين، فضلًا عن دعوات من الزعيم الصيني لتحديث جيش التحرير الشعبي إلى قوة قتالية "عالمية" بسبب الممارسات الأمريكية حول تايوان.
وأضافت الصحيفة البريطانية، أن الولايات المتحدة لديها وجهة نظر محددة حول أزمة تايوان، وهو ما يضع واشنطن في عداء مستمر مع بكين، لكن هذا العداء لم يكن منتشرًا في تعامل الاتحاد الأوروبي مع الصين، كما أن "هناك لوبي تايواني كبير في واشنطن يحظى بقدر كبير من الجاذبية، لكن الاتحاد الأوروبي ليس لديه في الحقيقة نفس القلق".