خرج آلاف المتظاهرين، اليوم السبت، في جميع أنحاء العاصمة الفرنسية باريس، ونحو 200 مدينة أخرى، بدعوة من النقابات العمالية الفرنسية في جولة سابعة من الاحتجاجات ضد إصلاح نظام التقاعد، ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مصادر في الشرطة، مشاركة ما بين 800 ألف إلى مليون شخص في 230 احتجاجًا في ربوع البلاد، التي من المتوقع أن تستمر لمدة أسبوع، وفق ما أورده مراسل قناة "القاهرة الإخبارية"، خالد شقير من مارسيليا.
وتأتي هذه التظاهرات قبل أسبوع حاسم تأمل الحكومة أن يتم خلاله تبني التعديل المثير للجدل بشكل نهائي في مجلس الشيوخ.
تظاهرات الحسم
تعتبر هذه التظاهرات الموجة السابعة من الاحتجاجات في فرنسا، والمستمرة منذ 19 يناير الماضي، ضد إصلاح نظام التقاعد بما يحمله من رفع لسن التقاعد من 62 عامًا إلى 64 عامًا، الأمر الذي يعارضه غالبية الفرنسيين، وفقًا لاستطلاعات الرأي، معتبرة أنه "غير عادل" خصوصًا بالنسبة للنساء والعاملين في الوظائف الشاقة.
ومساء الأربعاء الماضي، أقر مجلس الشيوخ الفرنسي، الذي يهيمن عليه تيار اليمين، مادة رئيسية في المشروع تنص على رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عامًا، إثر معركة إجرائية حادة مع اليسار.
وصوّت 201 من أعضاء المجلس لصالح رفع سن التقاعد، مقابل 115 عضوًا صوتوا ضده.
ولجأ وزير العمل أوليفييه دوسو إلى سلاح دستوري (المادة 44,3 من الدستور) لعرض النص على مجلس الشيوخ الذي سيصوّت على مشروع القانون بأكمله مع الإبقاء على التعديلات المقترحة أو المقبولة فقط من قبل الحكومة بحلول الأحد، المهلة التي حددتها بنفسها.
وردًا على هذا القرار، حذّر اتحاد العاملين في مجال الطاقة من "تصعيد الغضب".
وفي تصريح له على تأزم الموقف، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في رسالة إلى الاتحاد النقابي الخميس الماضي، أوضح خلالها أن الحكومة ستبقى "مستمعة" بشأن هذا الإصلاح، مؤكدًا أنه خطوة ضرورية يجب اتخاذها في ظل الظروف الراهنة واتباع خطوات إصلاحيه حتمية.
واختارت الحكومة الفرنسية رفع سن التقاعد القانونية استجابة للتدهور المالي الذي تشهده صناديق التقاعد وشيخوخة السكان.
النفط وأزمة متصاعدة
ولليوم الرابع على التوالي جدد عمال النفط إضرابهم، ما أدى إلى تراجع الخدمات في مصافي ومستودعات النفط.
كما تعطلت عمليات التسليم في مصفاة "فوس"، التي تديرها شركة إسو التابعة لإكسون موبيل، حسبما قال متحدث باسم اتحاد نقابات "سي.جي.تي" للعمال. وتابع المتحدث: "تم وقف الإضراب في ميناء جيروم منذ الأربعاء، لكننا نأمل في إعلان إضراب آخر الأسبوع المقبل".
واستمرت الاضطرابات أيضًا في موانئ الغاز الطبيعي المسال، وقالت شركة فلوكسيس إن العمل توقف في رصيف ميناء دنكيرك ومنطقة تحميل الشاحنات وانخفضت طاقة التسليم إلى الحد الأدنى. وتتوقع فلوكسيس استمرار الاضطرابات حتى الثلاثاء.
كما صرّح المتحدث باسم "توتال إنرجيز"، إن الشركة لم تتمكن من تسليم الشحنات من مصافي ومستودعات النفط أمس الجمعة، في ظل تمديد العمال لإضرابهم لليوم الرابع. مضيفًا أن نحو 40% من العاملين في المصافي بنوبات العمل الصباحية يواصلون الإضراب.
كما قال المتحدث باسم "سي.جي.تي" إن إمدادات الطاقة الفرنسية انخفضت أيضا 14,4 جيجاوات في محطات الطاقة النووية والحرارية والكهرومائية. وتواصلت حالات انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من أسبوع.
وأظهرت بيانات من شركة "آر.تي.إي" المشغلة لشبكة الطاقة أن هذا يعادل 25% من إجمالي إمدادات الطاقة الحالية.
وعلى الرغم من هذا التطور إلا أن الحكومة الفرنسية لم تلجأ إلى استيراد الطاقة من جيرانها، ما يشير إلى أن العرض المحلي يلبي الطلب. ونشرت شركة كهرباء فرنسا تنويهًا بشأن إضراب آخر من مساء الثلاثاء 14 إلى مساء الأربعاء 15 مارس.
أزمة "التقاعد" الأوروبي
وتعتبر فرنسا من الدول الأوروبية التي تعتمد أدنى سن للتقاعد من دون أن تكون أنظمة التقاعد قابلة للمقارنة مع غيرها من الدول بشكل كامل.
وأعلنت الحكومة الإسبانية الجمعة اتفاقًا بشأن كيفية احتساب المعاشات التقاعدية، وفقًا لطلب المفوضية الأوروبية مقابل أموال خطة التعافي الأوروبية، ما يعني اعتمادًا أكبر على ذوي الدخل المرتفع.
وفي مواجهة التهديد الذي تشكله شيخوخة السكان، أعلنت مدريد في نوفمبر 2021 عن اتفاقية واسعة تنص على زيادة المساهمات من دون رفع سن التقاعد القانونية، على أن يتم رفعه إلى 67 في 2027.
ويرهن الرئيس الفرنسي جزءًا كبيرًا من رصيده السياسي بإقرار هذا الإجراء الذي يهدد بشعبيته في الولاية الثانية لحكمه البلاد، ولم يعمل الرئيس الفرنسي على كبح هذه الأزمة خاصة بعد رفضه مقابلة ممثلي النقابات العمالية، معتبرًا أن هذا القانون بيد البرلمان وحده وذلك بعد إجرائه عدة تشاورات مع رئيسة الحكومة إليزابيت بورن وتم إجراء عدد من التعديلات أضيفت على نص قانون التقاعد.
ومساء أمس الجمعة، أعلن الرئيس الفرنسي أن إصلاح نظام التقاعد يجب أن يصل إلى "خواتيمه" في البرلمان، مشيرًا إلى أنه لا يستبعد شيئا، بما في ذلك اللجوء إلى تبني القانون من دون تصويت، عبر المادة 49.3 من الدستور (التي تسمح للحكومة بتبني نص تشريعي من دون تصويت متحملة مسؤولية ذلك).
وفي مختلف أنحاء البلاد، لا يزال الاحتجاج قويًا رغم أن فرنسا لم تشهد شللًا كما كانت ترغب النقابات.
شلل الشارع الفرنسي
ووفق تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية، أوضح أن القمامة تتراكم بصورة كبيرة في شوارع عاصمة النور، إذ لم يتم جمع 3700 طن من النفايات، وفقًا لمجلس بلدية المدينة.
بدورها، طلبت هيئة النقل الجوي الفرنسية من شركات الطيران إلغاء 20% من رحلاتها المقررة يومي السبت والأحد بسبب إضراب مراقبي الحركة الجوية المعارضين للمشروع الحكومي.
كذلك أعلنت شركة السكك الحديد الفرنسية العامة أمس الجمعة، أن حركة النقل ستكون "مضطربة بشدة"، لافتة إلى أن ذلك سيستمر في نهاية الأسبوع.
وقال فابريس كودور، الأمين العام لاتحاد العاملين في مجال الطاقة، أمس الجمعة، إن الإضرابات ستستمر خصوصًا في محطات إنتاج الكهرباء.
ويتواصل أيضا إضراب عمال الغاز في جميع محطات الغاز الطبيعي المسال ومنشآت تخزين الغاز.
وفي ربيع 2020 وخلال ولايته الأولى، اضطر ماكرون للتخلي عن إصلاح سابق لرواتب التقاعد لاقى أيضًا احتجاجات في الشارع لكن لم يجمع جبهة نقابية بالحجم الذي هي عليه اليوم.