لا تخلو جعبة الفن المصري من نجوم الكوميديا، سواءً كانوا أبطالًا أو يلعبون في مساحة أدوار أقل بجانب البطل، فلكل منهم سمة خاصة تميزهم عن الآخرين، وجمهور تعلّق بأعمالهم وأشهر تعليقاتهم الكوميدية، وأيضًا مدرسة كوميدية خاصة بهم جعلت لهم طريقة مُغايرة، ويُعد الفنان الراحل يوسف داود أحد أبناء عالم الكوميديا الذي امتلك طريقة وأسلوبًا وملامح جعلت منه نموذجًا فريدًا في عالم الفن.
يملك داود الذي ولد في مثل هذا اليوم، من خفة الدم والحضور الكثير، فمن الصعب أن يبعد عن ذاكرتك حينما تراه، لما يتميز به من شكل مميز، وطبقة صوت تخطف الأنظار، يجعل المشاهد ينتبه بتلقائية لما يقوله وينتظر ظهوره في مشاهد أخرى بالعمل، رغم أنه ليس بطل العمل، ولكن بدونه لا تكتمل توليفة النجاح، فهو الشاب الذي عشق الفن وأخلص له وتحدثت موهبته عن نفسها؛ لتصنع أسطورة يوسف داود المهندس الحالم بالنجومية.
طالب فاشل
ولد يوسف جرجس صليب ابن مدينة الإسكندرية عام 1938، وكان محبًا للعبة كرة السلة التي لعبها في أحد النوادي في مدينته، ويحلم بأن يوجهه أهله لتنمية موهبته لكنه لم يجد من يحنو عليه، واضطر لأن يُعافر للاستمتاع بما يحب، عشق الفن بجانب رياضته ولكن جاءت رغبة أهله مُغايرة لأحلامه إذ أرادوه مهندسًا، ولكنه فشل في الدراسة، ويقول عن ذلك في لقاء تلفزيوني سابق: "كنت طالبًا فاشلًا تخرجت في الجامعة بعد 10 سنوات، ولم ألق توجيهًا من أمي وأبي، رغم أنهما كانا متعلمين، ولكن مطالب الحياة كانت أكبر من أن ينتبها لي، وحينما دخلت إلى الفن بعد عملي في الهندسة لم يعترضا، ولكن لم أجد منهما أي توجيه، فرغم أنني استغرقت فترة تعليمي في الجامعة 10 سنوات، لكنني كنت مهندسًا جيدًا.
نجم جديد
بدأ الفنان يوسف داود رحلته الفنية من الجامعة، فحينما شاهده المخرج سمير خفاجة في مسرحية "زقاق المدق" انبهر به وطلب منه الذهاب إلى القاهرة، وبعد فترة استجاب يوسف لطلب الأخير، وقرر أن يترك مجال الهندسة ليذهب وراء حلمه ومن هنا كانت الانطلاقة، ليعلن المسرح عن مولد نجم جديد لم يحصل على البطولة يومًا، لكنه عنصر أساسي لنجاح أي عمل فني.
لقاء فؤاد المهندس
يوسف داود الذي شارك فيما يقرب من 300 عمل فني، وأكثر من 100 فيلم سينمائي يحكي عن اللقاء الأول له حينما قابل النجم الكبير فؤاد المهندس، ويقول في لقاء تلفزيوني: "حينما قابلته من أجل التواجد معه في أول عمل جمعني به قال لي: "أعمل بروفة" وكان رجلًا لا يتناقش مع أحد، ووجدته فجأة دخل معي في المشهد وبدأ يجاريني ويحاورني في الحديث واندمج معي، وبعد أن انتهينا قال لي: أنت رائع وموهوب".
أعمال خالدة
رغم أن يوسف دخل عالم التمثيل مُتأخرًا عن أبناء جيله، إلا أنه حقق شهرة كبيرة، وشارك في عدد من الأعمال المهمة، ففي السينما نجده في "بطل من ورق، كابوريا، سيداتي آنساتي، الملك لله، حنفي الأبهة، الشيطانة التي أحبتني، اقتل مراتي، خلي بالك من عزوز"، وغيرها، أما في التلفزيون فتواجد في أعمال مثل "7 شارع السعادة، أين قلبي، رست هاوس، شط إسكندرية، يوميات ونيس، نعم مازلت آنسة، عائلة مجنونة جدًا"، كما أن له صولات وجولات على المسرح باقية حتى الآن، فهو أحد أبرز نجوم "الواد سيد الشغال، المليونير الصعلوك، مراتي زعيمة عصابة".
فشل كلوي
اكتشف يوسف داود عام ٢٠٠٣ إصابته بالفشل الكلوي، واقترح عليه الأطباء زراعة كلى جديدة، ولكن هذه العملية كانت ستتكلف أموالًا كثيرة، وظروفه المادية لم تكن تسمح، ليقوم أحد الأشخاص بدفع مصاريف المستشفى حتى يُكمل علاجه، وحرص بعد فترة أن يكشف عن دور الفنانة عفاف شعيب في هذه المحنة ويقول: "فجأة وصلتني مكالمة من عفاف شعيب وقالت لي سمعنا أن صحتك تعبانة، عايزة أعرف ظروفك إيه علشان أساعدك، ففي تلك الفترة كنت أفكر في بيع سيارتي ومصوغات زوجتي، ولكنها لم تتأخر عليّ في المساعدة نهائيًا".
قصة عشق
تزوج يوسف داود من مارجريت، وأنجب ولدًا وبنتًا، ولكن كانت هناك قصة عشق قبل الزواج حكي عنها في أحد البرامج وقال: "كانت هناك فتاة أصغر مني بـ 13 عامًا تحبني كثيرًا ومنبهرة بي، وأنا كنت معجبًا بها، ولكن في لحظة قررت أن أخبرها بالابتعاد لأنها كانت صغيرة جدًا، ولكن حينما تزوجت بعد ذلك حرصت على أن أحضر لها عفش منزلها بنفسي".
رحيل
في 24 يونيو 2012، وعن عمر ناهز 74 عامًا رحل يوسف داود، ولكن أعماله مازالت باقية، وضحكته المميزة لا تفارق أذن محبيه، وما زال يحصد شهرة كبيرة من الأجيال الجديدة تأخرت عنه في حياته.