قطارات مُعطلة، وموانئ مُغلقة، ومدارس فارغة، ورحلات جوية مُلغاة، ونفايات غير مُجمعة، ومصافي تكرير مُغلقة.. هذا ما شهدته فرنسا اليوم، إذ تعهدت النقابات العمالية بإيقاف العمل في مرافق البلاد، وحشد أكثر من مليون شخص إلى الشوارع، للاحتجاج على خطط الرئيس إيمانويل ماكرون، لرفع السن القانوني للتقاعد إلى 64 من 62 عامًا.
مواجهات مستمرة
وبعد شهرين من المواجهة المضطربة و5 مظاهرات سابقة انتشرت في جميع أنحاء البلاد، لم يُظهر أي من الجانبين أي علامة على التراجع، وبحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، يتساءل الكثيرون عما إذا كانت مظاهرات اليوم بداية لحركة متجددة يمكن أن ترغم الحكومة على التراجع، أو بدلًا من ذلك قد تصبح صرخة أخيرة في الهواء قبل أن تتلاشى، بينما تنفذ الحكومة بنود مشروع القانون.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز، عن محللين: "إن الحكومة الفرنسية تعد الآن في أكبر مواجهة اجتماعية، منذ إعادة انتخاب الرئيس الفرنسي، العام الماضي، وقد يؤدي فشل مشروع القانون في تحويل ماكرون إلى "بطة عرجاء"، على غرار الرئيس الأمريكي الذي يفقد أغلبيته في الكونجرس، بعد عام واحد فقط من ولايته الثانية، التي مدتها 5 سنوات، كما أن مظاهرات اليوم بها بعض المؤشرات على حدوث اضطرابات.
تعطيل العمل في 80% من القطارات
وقالت الصحيفة، إن واحد فقط من كل 5 قطارات، عمل اليوم على العديد من خطوط السكك الحديدية الوطنية؛ إذ تعطلت قطارات مترو باريس والقطارات الإقليمية السريعة؛ وتم إلغاء بعض الرحلات من مطاري باريس الرئيسيين شارل ديجول وأورلي، كما خفض العاملون في محطات الطاقة النووية إنتاج الطاقة؛ وانسحب العمال المضربون من المصافي وأوقفوا توصيل الوقود والغاز، وفي باريس، لم يتم جمع القمامة في عدة أحياء، وأغلق المتظاهرون المحارق، كما تم إغلاق الفصول الدراسية في جميع أنحاء البلاد، بعد أن أضرب ما يقرب من ثلث معلمي المدارس الابتدائية والثانوية، وفقًا لوزارة التربية والتعليم.
النقابات لا تملك إلا الإضراب
وأوضحت الصحيفة أنه على الرغم من تجربة الإضرابات التي تميزت بالوحدة والقوة النادرة وقدرة النقابات على حشد أكثر من مليون شخص في الاحتجاجات الماضية، فإن النقابات ليس لديها الكثير لتظهره غير الإضراب، فالبعض يريد إضرابات مستمرة ومدمرة، خاصة في القطاعات الرئيسية مثل الطاقة والنقل، وأعلنت بعض النقابات بالفعل إضرابات، ما سيزيد الضغط على ماكرون وقد يقلب الرأي العام ضده.
فات آوان التفاوض
قال فينسينت مارتيني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة نيس، أن البلاد تتجه إلى طريق مسدود، مضيفًا: "لم يعد هناك مجال للتفاوض، وهذا جزء من المشكلة: يجب أن يخسر أحد الطرفين"، بينما رأى ميشيل روكار، رئيس وزراء اشتراكي سابق، أن مشروع قانون إصلاح التقاعد يكفي لإسقاط عدة حكومات، إذ يعد تغيير نظام التقاعد الفرنسي مُعقدًا، وهو من أكثر أنظمة التقاعد كرمًا في أوروبا، لكن تغييره أمرًا صعبًا.
عجز متوقع في أعداد العمال والموظفين
وبحسب مشروع القانون يجب رفع سن التقاعد لدرء العجز طويل الأجل في العمال والموظفين الناجم عن متوسط العمر المتوقع مع ارتفاع عدد المتقاعدين الفرنسيين، وبحسب النظام الفرنسي الحالي، يتحمل عمال اليوم قيمة معاشات التقاعد للمتقاعدين الحاليين.