* الحرب الأوكرانية أثرت على أسعار الأدوية والرعاية الصحية عالميًا
*12 عامًا من الصراع جعلت الوضع في سوريا مأسويًا.. و50٪ من مرافق الرعاية الصحية معطلة
* النازحون من الزلزال مهددون بالإصابة بالأمراض الوبائية
* اليمن.. واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم
شهد الشرق الأوسط خلال الفترة الماضية العديد من الأحداث والكوارث الطبيعية، التي أثرت على حياة الناس وصحتهم، كان آخرها الزلازل المدمرة في سوريا وتركيا، التي أسفرت عن مئات الآلاف من الضحايا والمصابين وتشريد آلاف الأسر، فيما تهدد هذه الكوارث الصحة العامة، وحذرت المنظمات المعنية من انتشار الأمراض ومنها الكوليرا لعدم قدرة الكثيرين على الوصول إلى المياه النظيفة، ويتزامن ذلك مع التأثيرات التي تركتها جائحة كورونا، على مستوى العالم.
" القاهرة الإخبارية" أجرت حوارًا شاملًا مع الدكتور أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، كشف فيه عن الأوضاع في اليمن، وأيضًا تأخر المساعدات الإنسانية لسوريا.
إلى نص الحوار:
** ما رؤية منظمة الصحة العالمية للشرق الأوسط في عام 2023؟
في عام 2018، أطلق المكتب الإقليمي لشرق المتوسط رؤيته الإقليمية لـ2023 "الصحة للجميع وبالجميع"، وتدعم هذه الرؤية فكرة أن الجميع بدءًا من الحكومات والمهنيين الصحيين وصولًا إلى المنظمات والمجتمعات والأفراد، قادرون على المساعدة في تحقيق أقصى قدر من الصحة والعافية لجميع السكان في جميع أنحاء الإقليم.
وإلى جانب هذه الرؤية، وضعنا استراتيجية المنظمة لإقليم شرق المتوسط للفترة 2020-2023 التي تُحدِّد أولوياتنا الرئيسية للإقليم، وتشرح كيف سنسعى إلى تحقيق تلك الأولويات من خلال أهداف استراتيجية محددة، تتضمن غايات ومؤشرات واضحة حتى نتمكن من قياس التقدم المُحرز والإبلاغ عن أدائنا.
** تعاني سوريا من صراع مستمر منذ 12 عاما قبل كارثة الزلزال المدمر.. كيف تقيّم الأوضاع الصحية من خلال زيارتكم الأخيرة؟
معاناة سوريا من قبل الزلازل معقدة، إذ تعاني من الصراع والحرب منذ 12 عاما، مما أثر بشكل كبير على المرافق الصحية لتصبح هشة، وجاءت الزلازل المدمرة لتقضي على ما تبقي منها.
وبادرت المنظمة بإيفاد فرقها التقنية إلى المناطق الأكثر تضررًا في سوريا منذ الأيام الأولى، والواقع أن الوضع في مختلف أنحاء سوريا كلها مثير للألم والأسى، والاحتياجات ضخمة وعاجلة، والزلزال داهمنا في وقت بلغت فيه القطاعات الصحية في سوريا أعلى مستوياتها من التهالك. فما يقرب من 50٪ من مرافق الرعاية الصحية معطلة والعديد من المستشفيات تضررت، مع تدمير معدات طبية مهمة، وجرى الإبلاغ عن تضرر عشرات المرافق الصحية، بما في ذلك 7 مستشفيات على الأقل، مع استمرار التقييمات وتزايد الأعداد.
هناك كان 59٪ فقط من المستشفيات و57٪ من مرافق الرعاية الصحية الأولية و63٪ من المراكز المتخصصة تعمل بكامل طاقتها قبل الزلزال، الذي أدى إلى مزيد من الانهيار في الخدمات الأساسية، ويؤخر بشكل كبير أي مجال لتعافى النظام الصحي.
وكما ذكرت وأكرر دائما، فالآن هو الوقت كي نضع الإنسان فوق الحسابات السياسية، ونعمل يدًا بيد لإيصال المساعدات إلى كل المناطق المتضررة، والتي تحتاج لاستجابة إنسانية عاجلة، فالتحديات جمة والوقت ليس في صالح المتضررين والمنكوبين في سوريا.
** ماذا عن الاتهامات بشأن تأخر المساعدات الإنسانية لسوريا وأنها ليست كافية؟
منذ اليوم الأول لوقوع هذه الكارثة، تحركت منظمة الصحة العالمية لمد يد العون للمتضررين في سوريا ولقد كنا دائمًا ولا نزال مستعدين لخوض الصعاب وطرق كل السبل لمساعدة المتضررين. ومنهجنا المتبع هو سوريا بأسرها دون تفرقة جغرافيًا أو سياسيًا. ورغم الصعوبات الجمة للوصول لكل المناطق المتضررة لأن هذا يتطلب وصولًا عبر الخط الفاصل بين المناطق ووصولًا عبر الحدود إلا أننا كما ذكرت، تحركنا من اليوم الأول، وحركنا الإمدادات من مكاتبنا في أنحاء سوريا لتلبية الاحتياجات العاجلة للمتضررين. كما قمنا من خلال آليات المراقبة الخاصة بالمنظمة بتنسيق توزيع المساعدات الإنسانية المتعلقة بالصحة؛ فمنظمة الصحة العالمية مسؤولة عن ضمان وصول المساعدة للمستخدمين النهائيين. وتمكنت منظمة الصحة العالمية من خلال شراكة مع المنظمات غير الحكومية المحلية من تسليم كميات كبيرة من الإمدادات واللوازم الطبية.
** ما أولوياتكم للوضع الصحي في سوريا بالمرحلة المقبلة؟
يظل التركيز الأساسي للنظام الصحي هو إنقاذ الأرواح ورعاية الجرحى، وبسبب تعطل الوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل المأوى والغذاء والمياه المأمونة والخدمات الصحية بعد تضرر البنية التحتية، بما في ذلك المرافق الصحية، نسعى في المرحلة المقبلة إلى تقديم كل سبل الرعاية الصحية والتي تشمل خدمات الصحة النفسية، وإعادة التأهيل البدني ومعالجة المصابين وتدريب الكوادر الصحية وتوفير الأجهزة والمعدات المهمة.
ووفقًا للوضع الراهن، فإن احتمالية زيادة المخاطر الصحية المتصلة بالحمل والولادة بسبب انقطاع خدمات التوليد ورعاية المواليد أمر حتمي ويتطلب التحرك سريعا، وهذا أيضًا ضمن أولوياتنا التي تشمل كذلك مواصلة خدمات التغطية بالتطعيمات للأطفال في أماكن الإيواء لتحصينهم ضد أمراض الطفولة، وكذلك ضد الأمراض المعدية التي نخشى من تفشيها جراء الأوضاع غير الصحية التي يعيش فيها المتضررون وأسرهم وأطفالهم.
** ما أبرز التهديدات الوبائية في سوريا وكيف يمكن منعها؟
هناك خطر متزايد للإصابة بالأمراض المعدية في أعقاب كارثة الزلزال، خاصةً الكوليرا والأمراض المنقولة بالمياه، والحصبة وكوفيد-19 وأمراض الجهاز التنفسي، حيث يعيش بعض المتضررين والنازحين في أماكن غير آدمية وفي تجمعات كبيرة مع ضعف الوصول إلى المياه النظيفة.
تدعم منظمة الصحة العالمية التأهب للاستجابة للفاشيات المحتملة، وتحسين خدمات الصرف الصحي ومراقبة الأمراض والوقاية منها والتأهب لها، وضمان استمرارية الخدمات الصحية الأساسية. كما قدمت المنظمة المشورة في مجال الصحة العامة فيما يتعلق بالمياه وسلامة الأغذية، وقضايا أخرى قد يواجهها الناس، لاستخدامها من قبل المجتمع المحلي والمجموعات المحلية الأخرى.
** من سوريا إلى اليمن.. كيف تصف الوضع الصحي بشكل عام؟
معاناة اليمن والشعب اليمني للأسف الشديد ممتدة منذ سنوات، وهي تصنف كواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، إذ أثرت سنوات من الصراع على كل مناحي الحياة فيه. وصُنِّف اقتصاده ونظامه الصحي ضمن الاقتصادات والنُظُم الصحية الأقل نموًا في العالم
ووفق للتقارير 51% فقط من المرافق الصحية تعمل بكامل طاقتها، بينما تعمل النسبة المتبقية منها والبالغة 49% إما بشكل جزئي أو لا تعمل على الإطلاق بسبب نقص الموظفين والتمويل والكهرباء والأدوية والإمدادات والمعدات، وما لم تتخذ إجراءات جدية عاجلة وتدخلات من قبل مجتمع المانحين فسوف تتفاقم معاناة اليمنيين.
الوضع الإنساني في اليمن هو وضع مأساوي بكل المقاييس فهناك 20.3 مليون يمني في حاجة إلى خدمات صحية عاجلة و17.3 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، و15.3 مليون شخص لا يستطيعون الحصول على المياه النظيفة والصرف الصحي دون مساعدة، و1.15 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية 540 ألف طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد مع خطر الوفاة المباشر. ذلك كله بالإضافة إلى الوضع الصحى الحرج الذي يعاني منه اليمنيون فوفقا لآخر الاحصاءات، هناك 21200 حالة مشتبه في إصابتها بالكوليرا أبلغت عنها السلطات و29 حالة وفاة.
** ما أبرز جهود دعم الشعب اليمني؟
قدمت منظمة الصحة العالمية الخدمات الطبية وخدمات الرعاية الصحية المنقذة للحياة إلى 12.6 مليون يمني، أي 62 % من الهدف الصحي لخطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية لعام 2022.
وتعمل منظمة الصحة العالمية وفق نهج صحي متكامل ومستدام يهدف إلى استمرار حصول جميع الفئات الضعيفة على الرعاية الصحية، وتعزيز قدرات النظم الصحية الوطنية ووزارة الصحة وكفاءتها من خلال حلول مستدامة تدعم استقلالية هذه النظم وقدرتها على أداء وظائفها.
وتشمل هذه الحلول، على سبيل المثال لا الحصر، إعادة تأهيل المرافق الصحية، وإنشاء وحدات ومختبرات يفتقر إليها النظام الصحي اليمني، وإنشاء نظام لمراقبة فاشيات الأمراض، وغير ذلك الكثير، فضلًا عن ضمان توسيع نطاق حملات التمنيع، والاستجابة لفاشيات مرض كوفيد-19 وغيره من الأمراض المُعدية وترصدها، ومكافحة الأمراض المنقولة بالنواقل والمياه، والاستجابة لأمراض الكُلى والأمراض المدارية المُهمَلة، وتحسين رعاية الأمهات والمواليد، والاستجابة لأزمة الصحة النفسية.
** كيف طورت المنظمة المرافق الصحية في اليمن؟
لقد تمكنت منظمة الصحة العالمية من خلال آليات المراقبة الخاصة ومن خلال المجموعة الصحية التي تنسقها المنظمة، من دعم 4864 مرفقًا صحيًا فضلا عن إمداد 134 مستشفى ومنشأة صحية في أنحاء اليمن بالأدوية والإمدادات والمعدات الأساسية المنقذة للحياة، بما قيمته 1.2 مليون دولار، تستفيد منها نصف مليون امرأة حامل ودعم 2387 مرفقًا صحيًا من القطاعين العام والخاص بالنظام الإلكتروني المتكامل للإنذار المبكر بالأمراض، ودعم 12 مختبرًا مركزيًا للصحة العامة، و9 مراكز وطنية لنقل الدم وتزويد 26 مركزًا من مراكز عمليات طوارئ الصحة العامة بأجهزة تكنولوجيا المعلومات، والاتصالات، والمعدات الأساسية، والتمويل اللازم لتنسيق استجاباتها لجميع طوارئ الصحة العامة، كما دربنا 3350 شخصًا على إدارة النفايات ومكافحة العدوى، وأكثر من 2000 عامل صحي على التدبير العلاجي للحالات اللازمة لبناء قدرات أفضل في مجال الرعاية المُركزة والرعاية الحرجة في اليمن، وأكثر من 3500 من موظفي الرعاية الصحية، والمستجيبين الأوائل، والعاملين في الخطوط الأمامية، ومعلمي المدارس، ومديري الحالات المتعلقة بحماية الأطفال والعنف القائم على نوع الجنس على الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي.
** كيف يؤثر التغير المناخي على الملفات المتعلقة بالصحة في المنطقة؟
يؤثر تغير المناخ على حياة البشر وصحتهم بعدة طرق، إذ إنه يهدد المكونات الأساسية للصحة الجيدة، مثل الهواء النقي ومياه الشرب المأمونة والإمدادات الغذائية والمأوى الآمن، كما أنه يقوض عقودًا من التقدم في الصحة العالمية.
بين عامي 2030 و2050، من المتوقع أن يتسبب تغير المناخ في ما يقرب من 250 ألف حالة وفاة إضافية سنويًا، بسبب سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري.
وتقدر تكاليف الضرر المباشر على الصحة بما بين 2 إلى 4 مليارات دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2030، وستكون المناطق ذات الهياكل الأساسية الصحية الضعيفة -ومعظمها في البلدان النامية- أقل المناطق قدرة على التأقلم دون مساعدة للاستعداد والاستجابة.
وتنجم ظاهرة تغير المناخ عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن استخراج وحرق الوقود الأحفوري، وكلاهما من المساهمين الرئيسيين في كل من تغير المناخ وتلوث الهواء، والذي يتسبب في 7 ملايين حالة وفاة مبكرة سنويًا، ولك أن تتخيل الآثار السالف ذكرها حين تضاف للمشاكل والأزمات التي تمر بها بلدان إقليم شرق المتوسط، والتي تعاني كثيرًا منها من هشاشة النظم الصحية، الأزمة عالمية ويجب التحرك سريعًا لمجابهتها.
** هل أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الحالة الصحية بالمنطقة؟
أثرت الحرب في أوكرانيا على كل دول العالم بما فيها دول إقليم شرق المتوسط، إذ أثرت على حركات التبادل التجاري بين الدول ونقص سلاسل توريد الغذاء والإمداد بالإضافة إلى أزمة الطاقة، والتي بدورها أدت لارتفاع الأسعار بما في ذلك أسعار الأدوية وتكلفة العلاج في مختلف دول العالم، وكما نعلم فإن إقليم شرق المتوسط ذو طبيعة خاصة، إذ يعاني معظم بلدانه من الحروب والصراعات والنظم الصحية الهشة، مما أدى إلى تأثير مضاعف على بلدان الإقليم.