لا تزال مدينة باخموت الأوكرانية تواجه معركة شرسة منذ 8 أشهر، وتعتبر الأطول حتى الآن في سياق الأزمة الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فبراير 2022، وبينما تكبد الجانبان خسائر كبيرة، شهدت الأيام القليلة الماضية نجاح القوات الروسية في تطويق المدينة، بعد التعزيزات العسكرية بالتنسيق مع قوات "فاجنر"، ليثير تساؤلًا حول مصير استمرار الدعم الغربي والأمريكي لأوكرانيا حال سقوطها.
أقدم مدن أوكرانيا
تقع باخموت في الجزء الشمالي الشرقي من مقاطعة "دونيتسك" -ضمتها روسيا العام الماضي بعد استفتاء ترفضه أوكرانيا وحلفاؤها-، وأعاد البرلمان الأوكراني في 2016 تسميتها إلى "باخموت"، وتضم 6 مدن و8 مستوطنات حضارية، وفي صيف 2022 أصبحت في قلب العمليات العسكرية.
تبلغ مساحة مدينة باخموت 41 كيلومترًا مربعًا، واكتسبت أهمية استراتيجية بسبب موقعها الجغرافي، خصوصًا أنها أكبر المدن في صناعة الآلات الثقيلة في أوكرانيا، فضلًا عن اعتمادها شكل أساسي على استخراج الملح الصخري.
معركة مستمرة
خبراء في الشأن الدولي، أكدوا لقناة "القاهرة الإخبارية"، أن معركة باخموت فاصلة، وستكون مكلفة وباهظة لطرفي الأزمة، خصوصًا أن المدينة تعد مهمة لروسيا نظرًا لموقعها الاستراتيجي، كما رجحوا أنَّ سيطرة القوات الروسية عليها سيدفع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية لإعادة النظر في استمرار الدعم العسكري لأوكرانيا، بعد إعطائها مهلة في الربيع المقبل.
لماذا طال أمد معركة باخموت؟
يرى العقيد الركن عبدالجبار العبو، الخبير العسكري العراقي، أنَّ باخموت تعد المعركة الفاصلة في حوض إقليم "دونباس"، وقطعة الدومينو التي إذا وقعت تحت سيطرة القوات الروسية ستتساقط بعدها باقي المناطق والسيطرة على الإقليم بمقاطعتيه دونيتسك ولوهانسك.
وعن أسباب تأخر المعركة في باخموت، قال الخبير العسكري، إنَّ التحصينات القوية التي أنشأتها القوات الأوكرانية حول المدينة، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي المميز من خلال المرتفعات التي تسيطر على المناطق المحيطة بها، صعّبا الأمور على القوات الروسية في اختراقها، وخاضت معارك استنزاف طوال الأشهر الثمانية، لكن مع بداية عام 2023 عزز جبهات القتال ضمنها جبهة "باخموت"، كما أن مجموعة "فاجنر" اتبعت أسلوب الكر والفر، وكثفت من ضغطها على القوات الأوكرانية وكبدتها خسائر كبيرة.
وأوضح الخبير العسكري، أنَّ الشهر الأول من عام 2023 شهد دخول قوات العمليات المظلية الروسية المتخصصة في القتال القادرة علي التعامل في المناطق الجغرافية بـ"باخموت"، وواصلت القوات المظلية السيطرة على المناطق الشمالية ومناجم الملح في منطقة سوليدار، وبدأت تتوسع لتنجح في قطع أهم طريق استراتيجي.
أهمية باخموت لروسيا
وفي حديثها لـ"القاهرة الإخبارية"، أكدت نغم كباس، المستشارة السياسية لوكالة "سبوتنيك" الروسية، أنَّ مدينة باخموت تُعد إحدى المدن المهمة لموسكو، لذا دفعت بالقوات الخاصة بالتنسيق مع "فاجنر" لإحكام السيطرة عليها بسبب موقعها الاستراتيجي وأهميتها السياسية.
واعتبرت المستشارة السياسية لوكالة "سبوتنيك"، أنَّ سيطرة روسيا على باخموت فوز حقيقي أمام الغرب لأن المعركة ليست سهلة، خصوصًا أنَّ المدينة تضم أكبر مخازن للسلاح تحت الأرض، وليس من السهل الدخول إليها إلا بخطط مهمة، فضلًا عن حشد القوات الأوكرانية بعد تلقيها الدعم العسكري الأمريكي الذي وصل إليها عبر حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وذكرت، أنَّ الغرب أعطى القوات الأوكرانية مهلة لإحراز تقدم وانتصار حقيقي فى أرض المعركة خلال الربيع أو الصيف، وإلًّا سيُعيد النظر في الإمدادات المقدمة لـ"كييف"، خصوصًا أن الدول الداعمة تعاني من المشاكل الداخلية واندلاع المظاهرات بسبب إرسال الأسلحة لأوكرانيا.
ملحمة أسطورية لأوكرانيا
وفي تلك الزاوية، يقول الدكتور عماد أبوالرب، رئيس المركز الأوكراني للحوار، إنَّ الحكومة الأوكرانية أبلغت مواطنيها بضرورة المغادرة الطوعية من باخموت، وقبل شهر منعت دخول الأشخاص إلَّا المتطوعين الذين يوصلون المواد الغذائية والأدوية لنحو 3 آلاف شخص مدنيين موجودين.
وأرجع "أبو الرب"، في حديثه لقناة "القاهرة الإخبارية"، أنَّ الهدف الاستراتيجي لأوكرانيا في باخموت تأخير تقدم القوات الروسية لحين وصول الإمدادات العسكرية اللازمة، ليس فقط للدفاع بل لشن هجوم وقصف الخطوط الخلفية للقوات الروسية، مشيرًا إلى أن مدينة باخموت أصبحت بمثابة ملحمة أسطورية لدى الشعب الأوكراني، لأنها صمدت أمام قوات "فاجنر" لمدة 8 أشهر.
وأكد أن روسيا تريد السيطرة علي الأرض والقفز على القوانين الدولية التي تضمن لأوكرانيا وحدة وسلامة أراضيها، موضحًا أنَّ جميع المنازل القريبة من الدونباس مدمرة فالقوات الروسية لا تفرق في التدمير.