حذر برنامج الأغذية العالمي، من أنه مع اقتراب مواسم الزراعة في معظم أنحاء العالم، من الضروري أن يحصل جميع المزارعين على الأسمدة التي يحتاجونها بسرعة وبأسعار معقولة، إلا أن الوقت ينفد لتجنب انتشار الجوع عالميًا بسبب تأثير الحرب الروسية- الأوكرانية الكبير وتصاعد وتيرتها على الإمدادات العالمية من الأسمدة الزراعية، مما قد يقوض الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم.
وقال ستيفان ماير، الخبير الاقتصادي في وحدة تحليل الاقتصاد والسوق في برنامج الأغذية العالمي، إنه من المهم حل أزمة الأسمدة الزراعية، مؤكدًا أنه "علينا أن ننتج ما يكفي من الغذاء على الأرض المتاحة"، مشيرًا إلى أن الأسمدة عنصر مهم في ذلك.
وأضاف الخبير الاقتصادي أن العديد من المزارعين يستخدمون كمية أقل من الأسمدة، خاصة في البلدان النامية، إذ يواجه المزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة مشاكل في شراء الأسمدة، ويمكن أن يعني ذلك انخفاض الإنتاج في المواسم الحالية والمقبلة.
وصنف تقرير المخاطر العالمية لعام 2023، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، أزمة الإمدادات الغذائية التي تلوح في الأفق كواحدة من أكبر أربعة تهديدات تواجه العالم، وتوقع أن "التأثير المتأخر لارتفاع أسعار الأسمدة" سيضر بإنتاج الغذاء في جميع أنحاء العالم في عام 2023.
تأثير الحرب على إمدادات الأسمدة
وعن كيفية تأثير الحرب الروسية- الأوكرانية على الأمن الغذائي العالمي، يوضح دوجلاس بروم المحلل الاقتصادي في المنتدى الاقتصادي العالمي، ثلاثة أسباب أولها أن روسيا إلى جانب بيلاروسيا يعدان أحد أكبر مصادر الأسمدة المعدنية في العالم، وبعد بداية الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022، فرضت العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عقوبات عليهما، وأكد أنه على الرغم من وجود استثناءات محددة في نظام العقوبات للسماح لروسيا وبيلاروسيا بمواصلة توريد الأسمدة، إلا أنه تراجعت الصادرات عن التدابير الأخرى المصممة لعزل المنطقة.
وقال "بروم"، في تحليل نشره المنتدى الاقتصادي العالمي، إنه كان السماح بصادرات الأسمدة الروسية جزءًا من صفقة توسطت فيها الأمم المتحدة للسماح باستئناف صادرات الحبوب من أوكرانيا. لكن روسيا قالت في وقت لاحق إنه تم منع الأسمدة الخاصة بها من الوصول إلى العملاء في جنوب الكرة الأرضية.
وأشار إلى أن صادرات الأسمدة تعرقلت بسبب استبعاد البنوك الروسية من نظام مدفوعات SWIFT العالمي إلى جانب إحجام شركات التأمين عن تغطية الشحنات في منطقة حرب. في الوقت نفسه، تم إغلاق طرق التصدير عبر الاتحاد الأوروبي.
أما السبب الثاني فيؤكد "بروم" أنه تفاقم النقص بسبب قيود التصدير التي فرضتها الصين، التي تمثل 30 ٪ من إمدادات الأسمدة الفوسفاتية العالمية. موضحًا أن البنك الدولي ذكر أنه نتيجة لتدابير حماية سوقها المحلي، تقلصت صادرات الصين من الأسمدة بنسبة 50٪ في عام 2022.
السبب الثالث والأخير الذي يطرحه "بروم"، هو أن ارتفاع أسعار الطاقة أدى، بسبب الحرب أيضًا، إلى انخفاض بنسبة 70٪ في إنتاج الأسمدة الأوروبية، مما أدى إلى زيادة الحد من الإمدادات العالمية. مشيرًا إلى أن برنامج الأغذية العالمي يذكر أن نصف سكان العالم يعتمدون على الغذاء المزروع باستخدام الأسمدة المعدنية.
يذكر أن أرقام برنامج الأغذية العالمي تظهر ارتفاع أسعار الأسمدة بنسبة 199٪ بين مايو 2020 ونهاية 2022. بينما تراجعت الأسعار مرة أخرى في الربع الأول من عام 2023، كان هذا يرجع جزئيًا إلى أن المزارعين في الدول النامية ببساطة لا يشترون أيًا منها ويعتمدون على بدائل أقل فعالية مثل روث الحيوانات.
الحلول في سباق مع الزمن
حتى لا ينفد الوقت لتجنب انتشار الجوع عالميا، من الضروري أن يحصل جميع المزارعين على الأسمدة التي يحتاجونها بسرعة وبأسعار معقولة. ولكي يحدث هذا، قال شين دوهرتي، رئيس التجارة الدولية والاستثمار في المنتدى الاقتصادي العالمي إنه قد يكون تيسير التجارة أحد الطرق لتعزيز تدفقات الأسمدة من أوكرانيا وآسيا الوسطى، مع إغلاق الطرق التقليدية.
وأضاف أنه على الصعيد العالمي، يمكن أن تكون قيود تصدير المواد الغذائية أو الأسمدة معدية، وحيثما أمكن، يجب على الحكومات الامتناع عن هذه القيود وتعظيم الشفافية بشأن العرض. وعلى المدى الطويل، يمكن زيادة المرونة من خلال تنويع المصادر وتعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية.
وفي الوقت نفسه، يؤكد "دوهرتي"، أنه يجب اتخاذ خطوات لتخفيف اعتماد العالم على الأسمدة من المصادر الحالية، مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أعلن عن برنامج بقيمة 500 مليون دولار لزيادة إنتاج الأسمدة محليا، ويجب حث الاتحاد الأوروبي على اتخاذ إجراءات مماثلة. كما أعلنت كندا، المورد الرئيسي لأسمدة البوتاس في العالم، عن زيادة بنسبة 20٪ في الصادرات في نوفمبر 2022 بهدف المساعدة في سد الفجوة التي خلفتها الإمدادات المحظورة من الدول الأخرى.