الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الباسيفيك المضطرب.. ماذا يعني وصول قاذفات استراتيجية أمريكية إلى أستراليا؟

  • مشاركة :
post-title
الباسيفيك المضطرب

القاهرة الإخبارية - محمد حسن

إن كانت منطقة شرق أوروبا استحوذت على زخم السياسة العالمية، في ضوء تطورات الحرب الروسية الأوكرانية، وما تحدثه من هزات عنيفة للنظام العالمي؛ فإن منطقة الإندو-باسيفيك لا تزال المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي وتباعًا محرك السياسة العالمية، حتى لو انخفضت فيها حدة المواجهات الدولية إلى مستوى الصراعات الرمادية (Gray Zone Conflicts).. ذلك المستوى بين حالة السلم والحرب، والهجوم والدفاع، والنشاط والكمون.

منذ يوليو الماضي وهناك حركة نشطة للقاذفات الاستراتيجية الأمريكية، وربما للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة بعد بيرل هاربر، أن تتحرك الطائرات القاذفة أولًا قبل أساطيل البحرية الأمريكية لرسم مناطق النفوذ وتحديد خطوط الردع بها. ولعل في ذلك مؤشرًا قويًا على نقطتين:

· تراكم القوة الصينية عند المستوى الذي حدده مجتمع الاستخبارات والأمن القومي الأمريكي كونها "التحدي الجيوسياسي الأكبر".

· الحالة الانتقالية التي تعيشها الحروب الحديثة، في الاعتماد المتزايد على القوة الجوية المأهولة في عصر يزداد فيه دقة الدفاعات الجوية الطبقية، والاعتماد على أنظمة الذكاء الاصطناعي.

وعن الوجهة المفضلة للقاذفات الأمريكية، تظهر 3 وجهات، الأولى جزيرة المملكة المتحدة، والثانية وسط أوروبا قبالة الجناح الشرقي للناتو، والثالثة في اليابان وأستراليا.. وتتناول هذه الورقة الوجهة الاسترالية.. فماذا يحدث هناك؟

أظهرت صور الأقمار الصناعية أن قاعدة "تندال" الجوية في أستراليا تتهيأ لاستقبال 6 قاذفات استراتيجية أمريكية، من خلال بناء منشآت تسمح بإقامة ممتدة لهذه القاذفات وطاقم تشغيلها وصولًا لحزمتها التسليحية لا سيما النووية. وأعلنت هيئة الإذاعة الأسترالية، يوم الإثنين، أن الولايات المتحدة تعتزم إرسال ما يصل إلى 6 قاذفات استراتيجية في قاعدة تندال الجوية الواقعة على بعد 300 كم جنوبي داروين عاصمة الإقليم الشمالي. 

ونُقِل عن سلاح الجو الأمريكي، في تقرير هيئة الإذاعة الأسترالية، قوله إن نشر القاذفات في أستراليا يبعث برسالة قوية إلى الخصوم بشأن قدرة واشنطن على إبراز القوة الجوية. وتبلغ كلفة تحديث المنشآت في قاعدة "تندال" نحو 100 مليون دولار.

لماذا اختارت الولايات المتحدة الوجهة الأسترالية وقاعدة "تندال"؟

وتوفر قاعدة "تندال" لسرب القاذفات الأمريكية عديدًا من المزايا منها:

· القدرة على الضربة النووية الأولى والثانية.

· إرساء خطوط الردع وتعزيز موقف البحرية الأمريكية التي بدت تشتبك مع مسرح بري ينطلق من وسط آسيا، ويمر بأفغانستان ليصل إلى مضيق تايوان في النهاية.

· الخبرة الأسترالية في استضافة أحد أحدث وأقوى الأسلحة الجوية، وهي القاذفات الشبحية (B-2) منذ عام 2018. واستضافة القاذفات الاستراتيجية منذ 2006.

· تحول أستراليا إلى المكان الوحيد في منطقة الإندو-باسيفيك الذي يُشغل القاذفات التابعة للقيادة الاستراتيجية الأمريكية مع الاعتماد على محطات "هاواي - غوام – دييغوجارسيا"، والانطلاق من اليابان للمهام التكتيكية بقوام تسليحي عماده مقاتلات الـ(F-35) الشبحية، لا سيما أن خطط "توطين" القاذفات الأمريكية في شمال أستراليا من المرجح أن يستمر حتى 2026.

وتباعًا، فإن الولايات المتحدة ترمي من خلال إرسالها القاذفات الاستراتيجية في أستراليا بشكل دائم إلى:

· البناء على تحالف "أوكوس" الذي يعبر بشكل ضمني عن روح النظام العالمي السائد منذ الحرب العالمية الثانية، في السيادة الأنجلوسكسونية على أعالي البحار والمحيطات بصورة تشبه مرحلة ما بعد الكشوف الاستعمارية وتطور منظومة التجارة البحرية.

· تقويض تحركات "السياسة الإيجابية النشطة" للصين، فللمرة الأولى تخرج الصين أمنيًا خارج مجالها "القاري" وتُفعِّل اتفاقيات أمنية مع جزر سليماني وجزر كريباتي، علاوةً على تسكين اليابس "القاري" الممتد من شمالها حتى غرب آسيا، وصولًا إلى الاصطدام بحائط الجدار الشمالي لحلف ناتو في أوكرانيا التي حوّلت شرق أوروبا إلى شرق أوسط جديد أوروبي.

· ضمان السيادة العملياتية على المنطقة حال ضمت الصين تايوان، إذ تشير تقديرات البنتاغون والخارجية ومجتمع الاستخبارات الأمريكي إلى أن الصين تتهيأ فعليًا على صعيد السياسة والعسكرية لضم تايوان خلال الأعوام المقبلة وأنها سرعت جدولها الزمني لتحقيق هذا الهدف، ولعل في التنصيب الثالث للرئيس الصيني وخطابه في محفل تنصيبه مؤشرًا قويًا على جراءة الأخذ الصيني لقضية تايوان.

· احتواء تطور البحرية الصينية التي باتت تمتلك 3 حاملات طائرات وأكبر بحرية في العالم من حيث الكم. فيما تزال الولايات المتحدة القوة البحرية الأقوى والأكثر اتساقًا مع مفهوم القوة العالمية الضاربة.

وعليه، فإن مستقبل منطقة الإندو-باسيفيك في سياق تطورات مسرحه الجيوسياسي، ستتركز في نقاط ثلاث:

· الثنائية الإقليمية في مقابل اتفاقيات متعددة الأطراف: ويعني زيادة الشراكات الثنائية بين دول المنطقة، على غرار (الولايات المتحدة + اليابان)، و(اليابان + أستراليا)، و(الهند + اليابان) و(الولايات المتحدة + أستراليا)، عوضًا عن آليات أكثر عمومية كتحالف "كواد".

· الثنائية الإقليمية المديرة للاقتصاد: يُدار اقتصاد منطقة الإندو-باسيفيك من خلال عدد من اتفاقات التجارة والتعاون مثل اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، ومع تطور الأوضاع الجيوسياسية، من المرجح أن تنكمش أطر التعاون الدولي ضمن حدود إجرائية، مقابل أدوار تنفيذية (operational) للنمط الثنائي.

· ضيوف جدد وسباق تسلح: ممثلين في كل من الاتحاد الأوروبي الذي أطلق استراتيجية خاصة له في منطقة الإندو- باسيفيك، حيث يمثل يستحوذ الاتحاد مع منطقة الإندو-باسيفيك على 70% من حجم التجارة العالمية في السلع والخدمات، كما أن التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي والإندو-باسيفيك، أعلى من أي منطقة جغرافية أخرى في العالم. كما أن تنامي قدرة الضربة النووية الثانية للولايات المتحدة في هذه المنطقة، ستدفع على اندلاع سباق تسلح أعمدته البحرية وصواريخ القصف الجراحي الدقيق، وسقفه الترسانة النووية. ولعل في المناورات الصاروخية التي باتت تنطلق من كوريا الشمالية منذ مطلع هذا العام، مؤشرًا جادًا على ما تحمله كلمة سباق تسلح من معنى.

ففي تلك المنطقة، يعيش 60% من سكان الأرض، ويصل الإسهام الاقتصادي لدولها الـ38 بمن فيها الولايات المتحدة والصين واليابان والهند، إلى 60% من حجم الناتج الإجمالي العالمي، وتستحوذ على 60% من إجمالي التجارة البحرية في العالم، وجغرافيًا تحتوي المنطقة على محيطين هائلين (المحيط الهادئ والمحيط الهندي)، علاوةً على نحو 4 مضائق تخنق وتتحكم في مسارات التجارة العالمية التي يجري نقل 80% منها عبر البحار.

على قمة هذه التركة الثقيلة من الأدوار الجيوسياسية للمنطقة، تدور بعض من التحركات السياسية والعسكرية الخفيفة للقوى الفاعلة النووية، لكن محصلة هذه الحركات ليست بخفة حركة جناح الفراشة، بل بوقع ثقيل على خشبة مسرح السياسة العالمية، ولعل آخرها كان استعداد الولايات المتحدة إرسال 6 من قاذفاتها الاستراتيجية (B-52) القادرة على حمل رؤوس نووية إلى قاعدة جوية في أستراليا، في تحدٍ واضح وصريح للصين وعقيدتها للأمن القومي التي بدأت تودع حالة الكمون لتنقل إلى النشاط الإيجابي، حيث أدانت الصين الخطوة الأمريكية، واتهمت واشنطن بتقويض السلام في هذه المنطقة.

فلماذا تستعد الولايات المتحدة لتوطين قاذفاتها الاستراتيجية النووية في أستراليا في خضم المواجهة الجيوساسية مع الصين من القاعدة التايوانية؟.. وكيف استجابت الصين؟ وما تأثير ذلك في المنظومة الأمنية في الإندو-باسيفيك.. هل يتغير شيء؟

الولايات المتحدة وقاذفاتها الاستراتيجية.. حديث الوجهة المفضلة:

منذ يوليو الماضي وهناك حركة نشطة للقاذفات الاستراتيجية الأمريكية، وربما للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة بعد بيرل هاربر، أن تتحرك الطائرات القاذفة أولًا قبل أساطيل البحرية الأمريكية لرسم مناطق النفوذ وتحديد خطوط الردع بها. ولعل في ذلك مؤشرًا قويًا على نقطتين:

تراكم القوة الصينية عند المستوى الذي حدده مجتمع الاستخبارات والأمن القومي الأمريكي كونها "التحدي الجيوسياسي الأكبر".

· الحالة الانتقالية التي تعيشها الحروب الحديثة، في الاعتماد المتزايد على القوة الجوية المأهولة في عصر يزداد فيه دقة الدفاعات الجوية الطبقية والاعتماد على أنظمة الذكاء الاصطناعي.

وعن الوجهة المفضلة للقاذفات الأمريكية، تظهر 3 وجهات، الأولى جزيرة المملكة المتحدة، والثانية وسط أوروبا قبالة الجناح الشرقي للناتو، والثالثة في اليابان وأستراليا.. وتتناول هذه الورقة الوجهة الأسترالية.. فماذا يحدث هناك؟

أظهرت صور الأقمار الصناعية أن قاعدة "تندال" الجوية في أستراليا تتهيأ لاستقبال 6 قاذفات استراتيجية أمريكية، من خلال بناء منشآت تسمح بإقامة ممتدة لهذه القاذفات وطاقم تشغيلها، وصولًا حتى لحزمتها التسليحية لا سيما النووية. وأعلنت هيئة الإذاعة الأسترالية، يوم الإثنين، أن الولايات المتحدة تعتزم إرسال ما يصل إلى 6 قاذفات استراتيجية في قاعدة تندال الجوية الواقعة على بعد 300 كم جنوبي داروين عاصمة الإقليم الشمالي.

ونُقِل عن سلاح الجو الأمريكي، في تقرير هيئة الإذاعة الأسترالية، قوله إن نشر القاذفات في أستراليا يبعث برسالة قوية إلى الخصوم بشأن قدرة واشنطن على إبراز القوة الجوية. وتبلغ كلفة تحديث المنشآت في قاعدة "تندال" نحو 100 مليون دولار.

لماذا اختارت الولايات المتحدة الوجهة الأسترالية وقاعدة "تندال"؟

وتوفر قاعدة "تندال" لسرب القاذفات الأمريكية عديدًا من المزايا منها:

· القدرة على الضربة النووية الأولى والثانية.

· إرساء خطوط الردع وتعزيز موقف البحرية الأمريكية التي بدت تشتبك مع مسرح بري ينطلق من وسط آسيا، ويمر بأفغانستان ليصل إلى مضيق تايوان في النهاية.

· الخبرة الأسترالية في استضافة أحد أحدث وأقوى الأسلحة الجوية، وهي القاذفات الشبحية (B-2) منذ عام 2018. واستضافة القاذفات الاستراتيجية منذ 2006.

· تحول أستراليا إلى المكان الوحيد في منطقة الإندو-باسيفيك الذي يُشغل القاذفات التابعة للقيادة الاستراتيجية الأمريكية مع الاعتماد على محطات "هاواي – غوام – دييغوجارسيا" والانطلاق من اليابان للمهام التكتيكية بقوام تسليحي عماده مقاتلات (F-35) الشبحية، لا سيما أن خطط "توطين" القاذفات الأمريكية في شمال أستراليا من المرجح أن يستمر حتى 2026.

وتباعًا، فإن الولايات المتحدة ترمي من خلال إرسالها القاذفات الاستراتيجية في أستراليا بشكل دائم إلى:

· البناء على تحالف "أوكوس" الذي يعبر بشكل ضمني عن روح النظام العالمي السائد منذ الحرب العالمية الثانية، في السيادة الأنجلوسكسونية على أعالي البحار والمحيطات بصورة تشبه مرحلة ما بعد الكشوف الاستعمارية وتطور منظومة التجارة البحرية.

· تقويض تحركات "السياسة الإيجابية النشطة" للصين، فللمرة الأولى تخرج الصين أمنيًا خارج مجالها "القاري" وتُفعِّل اتفاقيات أمنية مع جزر سليماني وجزر كريباتي، علاوةً على تسكين اليابس "القاري" الممتد من شمالها حتى غرب آسيا، وصولاً إلى الاصطدام بحائط الجدار الشمالي لحلف ناتو في أوكرانيا، التي حوّلت شرق أوروبا، إلى شرق أوسط جديد أوروبي.

· ضمان السيادة العملياتية على المنطقة حال ضمت الصين تايوان، إذ تشير تقديرات البنتاغون والخارجية ومجتمع الاستخبارات الأمريكي إلى أن الصين تتهيأ فعليًا على صعيد السياسة والعسكرية لضم تايوان خلال الأعوام المقبلة، وأنها سرعت جدولها الزمني لتحقيق هذا الهدف، ولعل في التنصيب الثالث للرئيس الصيني وخطابه في محفل تنصيبه مؤشرًا قويًا على جراءة الأخذ الصيني لقضية تايوان.

· احتواء تطور البحرية الصينية التي باتت تمتلك 3 حاملات طائرات وأكبر بحرية في العالم من حيث الكم. فيما تزال الولايات المتحدة القوة البحرية الأقوى والأكثر اتساقًا مع مفهوم القوة العالمية الضاربة.

وعليه، فإن مستقبل منطقة الإندو-باسيفيك في سياق تطورات مسرحه الجيوسياسي، ستتركز في نقاط ثلاث:

· الثنائية الإقليمية في مقابل اتفاقيات متعددة الأطراف: ويعني زيادة الشراكات الثنائية بين دول المنطقة، على غرار (الولايات المتحدة + اليابان)، و(اليابان + أستراليا)، و(الهند + اليابان) و(الولايات المتحدة + أستراليا)، عوضًا عن آليات أكثر عمومية كتحالف "كواد".

· الثنائية الإقليمية المديرة للاقتصاد: يُدار اقتصاد منطقة الإندو-باسيفيك من خلال عدد من اتفاقات التجارة والتعاون مثل اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، ومع تطور الأوضاع الجيوسياسية، من المرجح أن تنكمش أطر التعاون الدولي ضمن حدود إجرائية، مقابل أدوار تنفيذية (operational) للنمط الثنائي.

· ضيوف جدد وسباق تسلح: ممثلين في كل من الاتحاد الأوروبي الذي أطلق استراتيجية خاصة له في منطقة الإندو-باسيفيك، حيث يمثل يستحوذ الاتحاد مع منطقة الإندو-باسيفيك على 70% من حجم التجارة العالمية في السلع والخدمات، كما أن التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي والإندو-باسيفيك، أعلى من أي منطقة جغرافية أخرى في العالم. كما أن تنامي قدرة الضربة النووية الثانية للولايات المتحدة في هذه المنطقة ستدفع على اندلاع سباق تسلح أعمدته البحرية وصواريخ القصف الجراحي الدقيق، وسقفه الترسانة النووية. ولعل في المناورات الصاروخية التي باتت تنطلق من كوريا الشمالية منذ مطلع هذا العام، مؤشرًا جادًا على ما تحمله كلمة سباق تسلح من معنى.