الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

وجبات مجانية وعروض ترفيهية.. مبادرات في حلب تزرع الأمل بعد الزلزال

  • مشاركة :
post-title
وجبات غذائية ـ أرشيفية

القاهرة الإخبارية - وكالات

على وقع قرقعة الأواني المنزلية، ورائحة الأرز المطهو مع الدجاج، يتناوب عشرات المتطوعين في مدينة حلب في شمال سوريا على توضيب وجبات طعام ساخنة، بهدف توزيعها على عائلات شرّدها الزلزال المدمر أو صدّع منازلها، بحسب وكالة "فرانس برس".

وكخلية نحل لا تهدأ، يتقاسم متطوعو جمعية ساعد الخيرية المهام داخل قبو تابع لحديقة عامة في المدينة، في مبادرة من سلسلة مبادرات تطوعية تشهدها حلب ومدن سورية أخرى ضربها الزلزال، ومركزه في تركيا، في السادس من الشهر الحالي، متسببًا في مقتل قرابة 46 ألف شخص في البلدين.

مطبخ جماعي لإعداد الوجبات

يعمل قرابة مئة متطوع من مختلف الأعمار بالتناوب داخل المطبخ الجماعي لإعداد وجبات على مدار الساعة، استفاد منها حتى الآن قرابة سبعين ألف شخص في المدينة.

يقول مؤسّس المبادرة عصام حبّال لـ"فرانس برس": "نوزع وجباتنا في الغالب على مراكز الإيواء، إضافة لفرق جوالة توزع الطعام على الناس المشردة في الحدائق والشوارع".

ويُضيف الرجل الذي تنشط جمعيته، ومقرها في دمشق، في إطعام المحتاجين خصوصًا خلال شهر رمضان "كانت الاستجابة هذه المرة مختلفة" لأنها "طارئة ومستعجلة ولم نكن مستعدين لها".

داخل المطبخ الذي تتوسطه طاولات خشبية متراصة، تنهمك مجموعة من المتطوعين في غسل الأرز والدجاج والخضار. في زاوية أخرى، تستقبل مجموعة مواد غذائية من متبرعين، بينما يعمل آخرون على توضيب وجبات الأرز وتزيينها بالدجاج، تمهيدًا لتوزيعها.

ويوضح حبّال "نحن في مدينة حلب المشهورة بمطبخها ووجباتها وناسها الذواقة" مضيفًا "لذا لا نقبل أن تكون وجباتنا أقل جودة من تلك التي توضع على موائد الحلبيين عادة".

لم تسلم مدينة حلب، ثاني كبرى المدن السورية والتي كانت تعد عاصمة البلاد الاقتصادية قبل اندلاع النزاع فيها العام 2011، من تداعيات الزلزال الذي تسبّب بمقتل 432 شخصًا فيها، أي ما يعادل قرابة ثلث عدد الضحايا الذين وثقتهم الحكومة السورية.

وتسبّب الزلزال بانهيار 54 مبنى، غالبيتها في الجزء الشرقي من المدينة وكان قد تضرر خلال معارك شهدتها المدينة بين العامين 2012 و2016.

حلاقة مجانية لمنكوبي الزلزال

إثر الزلزال المدمّر الذي أودى بحياة أكثر من 3600 شخص في أنحاء سوريا، اضطر سكان كثر لإخلاء أبنية كانت الحرب قد صدّعتها. وتوجه هؤلاء إلى مراكز إيواء موجودة أساسًا أو تمّ تجهيزها على عجل أو لجأوا إلى أقاربهم.

مع كل هزة ارتدادية، شاهد مراسلو وكالة "فرانس برس" عشرات العائلات تفترش الحدائق والساحات العامة أو تلجأ مع أطفال مرعوبة إلى سياراتها التي تضيق الشوارع بها خشية انهيار منازلهم.

رغم نجاة منزله من الزلزال الأول، دفع الخوف إثر الزلزال الثاني ليل الاثنين مصفّف الشعر سركيس هاغوبيان (21 عامًا) ووالديه إلى اللجوء إلى مركز إيواء تابع لكنيسة دير الأرض المقدسة في حي الفرقان.

فور وصوله إلى المركز، أخرج هاغوبيان من حقيبة بحوزته عدّته من مقص وماكينة وبدأ تقديم الخدمة التي يجيدها مجانًا لمن يرغب: حلاقة الشعر في الباحة الخارجية للمركز.

ويقول لـ"فرانس برس": "أنا حلاق ولا أتقن أي شيء آخر، لذا بادرتُ بهذه الخدمة". منذ الزلزال المدمر، لم يهدأ مقصّ الحلاق الذي يروي كيف أمضى وقته في التنقل من مركز إيواء إلى آخر، حتى بات معروفًا خلال الأيام الأخيرة بلقب "ساكو الحلاق". وبات كل من يصادفه في الشارع يلقي عليه التحية ويشكره على جهوده.

ويوضح "في أوقات مماثلة، علينا أن نتكافل ونتعاون، وأن يقدّم كل شخص ما يستطيع، وبذلك يمكننا النجاة من الكارثة".

تقديم عروض ترفيهية للأطفال

بعد مشاهدتها طفلة في السادسة من عمرها ترسم بعد يومين من الزلزال الأول على ورقة أمامها دوائر متداخلة وتقول لمن حولها "أنا أرسم الزلزال"، قررت الفنانة المتخصصة في مسرح الأطفال صونا سلوكجيان أن تخصّص وقتها للترفيه عن الأطفال الذين روّعهم الزلزال.

وتقول سلوكجيان (38 عامًا) لـ"فرانس برس": "شاهدت الخوف في عيون الطفلة، وشاهدت الخوف في عيون ابنتيّ، وقررت أن أتطوع في الشيء الذي أحبه، الغناء والرقص مع الأطفال".

منذ نحو أسبوعين، تنتقل السيدة مع ابنتيها ومتطوعين آخرين عصر كل يوم من مركز إيواء لآخر من أجل تقديم عروض ترفيهية. وتوضح "ثمة مبادرات عدّة لتقديم الطعام، لكن ذلك لا يكفي وحده"، لافتة إلى أن "الطفل لا يحتاج الطعام والشراب فحسب، بل يريد أن يلعب وينسى".

على خشبة مسرح تابع لكنيسة مار إلياس في حي الفيلات في حلب، قدّمت سلوكجيان برفقة مهرّج عرضًا فنيًا حضره العشرات من كبار وصغار، من المقيمين في مركز إيواء تابع للكنيسة يضم أكثر من 800 شخص شرّدهم الزلزال.

على المسرح، يلتفّ الأطفال حولها وهي تردّد أغانيهم: بعضهم يعانقها بينما لا يترك طفل مُصاب بالتوحد يدها. تنهمر دموعها وهي تغنّي له وتضع يدها على رأسه.

قرب صونا، تؤدي "لِيلا" حركات بهلوانية وهي ترتدي زي المهرّج. يتجمع عشرات الأطفال حولها ويقهقهون ويطلبون التقاط الصور معها.

وتقول الشابة بتأثر لوكالة فرانس برس "هذا أقل ما يمكن أن نقدمه ليس الأطفال وحدهم من يفرحون، أشعر كأنني خارج الزمن، أشعر بالأمان" خلال تقديم العرض.