المأساة التي عاشها العالم أجمع بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا والشمال الغربي لسوريا، في 6 فبراير الجاري، وما خلّفه من ضحايا تخطت أعدادها 45 ألفًا، وفق آخر إحصاءات، مع استمرار ارتفاع أعداد الضحايا، فضلًا عن انهيار البنية التحتية في عدد من المدن التركية والسورية، بدأت تظهر بعض التكهنات حول هذه الهزة الأرضية المدمرة، وبعض نظريات المؤامرة التي أرجعت حدوث هذا الزلزال إلى برنامج أمريكي مختص بدراسة الغلاف الأيوني للأرض، وأنه وراء افتعال هذه الكارثة.
وقد أطلقت بعض المنشورات عبر الإنترنت على البرنامج الأمريكي اسم "سلاح هآرب" المدمر، فما حقيقة هذه الادعاءات؟.. وهل بالفعل يمكن لهذا البرنامج أن يقوم بافتعال هزات أرضية في أي مكان في العالم؟.. أم أن هذه مجرد تكهنات لا أساس لها من الصحة؟.
السلاح الأمريكي
عقب الكارثة التي حلّت بمناطق واسعة من جنوب تركيا وشمال سوريا فجر الاثنين 6 فبراير الجاري، توالت بعض المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، منها نظريات مؤامرة عن أسباب مفتعلة لهذا الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة بمقياس ريختر.
ومن بين هذه النظريات اتهام برنامج "HAARP" الأمريكي المختص بدراسة الغلاف الأيوني للأرض، بأنه وراء هذا الحادث المأساوي، بل ذهبت بعض هذه التقارير إلى أن هذا البرنامج يتم برمجته لافتعال هزات أرضية في أي مكان في العالم باعتباره سلاحًا فتاكًا ضد أي من الأعداء.
ويعتبر برنامج HAARP الذي أنشئ عام 1990 بقرار من الكونجرس الأمريكي، حينها، ويشترك في الإشراف عليه كل من السلاح الجوي الأمريكي والقوات البحرية، وفي عام 2015 تم إضافة جامعة أليكا فيربانكس للإشراف على البرنامج، إذ يختص بدراسة خاصيات وتفاعلات الطبقة العليا من الغلاف الجوي لكوكب الأرض التي تفصل غلاف الأرض عن الفضاء، وهي تسمى "الغلاف الأيوني".
موجات قوية وعالية
ويطلق برنامج "هآرب"، بحسب موقعه الإلكتروني، موجات هي الأقوى والأعلى ترددًا في العالم، باتجاه "الغلاف الأيوني" الذي يبدأ على ارتفاع ما بين 50 و400 ميل فوق سطح الأرض.
ويقول الموقع الرسمي للبرنامج على شبكة الإنترنت، إن "الهدف من الأبحاث إجراء دراسة أساسية عن الآليات الفيزيائية التي تحدث في الطبقات الأعلى من الغلاف الجوي".
كما يعمل البرنامج على إرسال موجات لاسلكية لتسخين الإلكترونات في الغلاف الجوي، فتنشأ من ذلك "اضطرابات صغيرة مشابهة لتلك التي تحدث طبيعيًا" بشكل يتيح للعلماء مراقبتها ودراستها.
والهدف من ذلك، وفقًا للموقع الإلكتروني للبرنامج، فهم هذه الظواهر ومحاولة الاستفادة منها في تطوير أنظمة الاتصالات والمراقبة العسكرية والمدنية.
ويضيف الموقع الخاص لـHAARP أن الهدف الرئيسي من هذا البرنامج دراسة الخواص الفيزيائية والكهربائية للغلاف الأيوني، التي من شأنها التأثير في أنظمة الاتصالات والملاحة العسكرية والمدنية.
تغيير المناخ
ووفق الموقع الإلكتروني للبرنامج الأمريكي، قد تم توضيح بعض الاستفسارات الشائعة حول إمكانيات HAARP خاصة فيما يتعلق بالتغيرات المناخية أو العوامل البيئية المختلفة، ومن بينها زلزال تركيا وسوريا.
ووفق رد المسؤولة عن البرنامج جيسيكا ماتيوز، حول هذه الاستفسارات، أوضحت أن هذه مجرد شائعات ولا تمت لطبيعة البرنامج بصلة.
وأضافت ماتيوز: "المعدات البحثية في برنامج هآرب لا يمكنها أن تسبب كارثة طبيعية أو أن تقوي حدتها". وأيد ذلك عدد كبير من الخبراء استطلعت آراءهم خدمة تقصي صحة الأخبار في وكالة الأنباء الفرنسية.
وقال العالم توشي نيشيمورا، المتخصص في الجيوفيزياء والأستاذ في كلية الهندسة في جامعة بوسطن، لوكالة "فرانس برس": "لم أطلع على أي دليل علمي على قدرة الموجات الاصطناعية على التسبب باضطرابات أقوى، أو أن تؤثر في الحركة الزلزالية".
وأضاف: "ليس هناك في الوقت الحالي أي تقنية قادرة على إطلاق موجات لاسلكية من الأرض تصل إلى بقعة أخرى من الأرض، ولا يبدو لي ممكنًا أن تتمكن موجات لاسلكية من التأثير في الحركة الزلزالية".
كما أوضح جيفري هوجز، أستاذ علم الفلك في جامعة بوسطن لـ"فرانس برس"، أنه "من غير الممكن أن يُستخدم البرنامج للتأثير على الأرض في مكان بعيد"، موضحًا أن الموجات اللاسلكية يمكنها أن تسبب اضطرابًا اصطناعيًا في الطبقات العليا من الغلاف الجوي، على نحو ما تسببه أشعة الشمس.
خيال علمي
من جانبها، وصفت عالمة الجيوفيزياء في مركز الزلازل الأمريكي سوزان هوج هذه الادعاءات بأنها "خيال علمي".
وأضافت في تصريحاتها التي نقلتها صحيفة "إندبندنت": "ليس هناك أي تقنية حاليًا تتيح استخدام أي سلاح للتسبب في هزة أرضية"، موضحة أن هآرب ليس سلاحًا ولا يمكن بأي حال استخدامه كسلاح.
يذكر أن تركيا تقع على خط صدع زلزالي رئيسي في العالم، و المعروفة بـ"صفيحة الأناضول"، لم يشهد هذا الخط أي زلزال تفوق قوته 7 درجات منذ أكثر من قرنين.
وفي عام 1999، ضرب تركيا زلزال في مدينة أزمير (بعد نحو 100 كيلومتر جنوب شرق إسطنبول) بقوة 7.6 درجة بمقياس رختر، وتسبب في مقتل نحو 17 ألف ضحية.
ووفقًا لخبراء، فإن الزلزال الأخير هو "تقريبًا" تكرار للزلزال الذي ضرب المنطقة في 13 أغسطس 1822 الذي قُدرت قوته بنحو 7,4 درجة.