المشهد في مدينة بازارجيك التركية التي كانت في مركز الزلزال المُدمر، يُعطي لمحة عن المعاناة التي يواجهها الناجون الذين يحاولون العثور على موتاهم ودفنهم منذ وقوع الكارثة، التي أودت بحياة أكثر من 44 ألف شخص في تركيا وسوريا المجاورة.
وتخطت حصيلة ضحايا الزلزال المُدمر الذي ضرب تركيا وسوريا 44 ألف وفاة، وفقًا لآخر إحصاءات في البلدين، فيما لاتزال الجهود مُستمرة لانتشال الضحايا لليوم الحادي عشر.
ففي بلدة بازارجيك، تحول ملعب كرة قدم إلى منطقة مقابر لدفن أشخاص راحوا ضحايا لزلزال المُدمر الذي ضرب المنطقة قبل 11 يومًا، ولا تزال قوائم المرميين موجودة، لكن الملعب صار يعج بحوالي مئة من الأكوام والخنادق الترابية، وتُشير الألواح الخشبية التي تعلو كل القبور المحفورة حديثًا إلى نفس تاريخ الوفاة، وهو السادس من فبراير 2023، وهو اليوم الذي عصف بالبلدة فيه أعنف زلزال في تاريخ تركيا الحديث.
وقال حسين أقيس، الذي كان يدفن ابنة أحد إخوته مع زوجها وابنيها، لـ"رويترز": "انتظرنا عشرة أيام لنخرج جثث المتوفين من تحت الأنقاض".
وفي مقبرة بكهرمان مرعش، فاق عدد القبور الجديدة عدد القبور التي كانت موجودة قبل الزلزال، وهو ما يبرز حجم الكارثة، فيما نُصبت خيام لأداء طقوس الجنائز وفق الشريعة الإسلامية ولُفت الجثامين في الأكفان، وشكلت النعوش الفارغة المرسلة من جميع أنحاء تركيا أعمدة مرتفعة، كما حمل أناس جثثًا في أكياس باتجاه القبور. وتداخلت أصوات التلاوات والدعاء مع ضجيج الحفارات التي تحفر المزيد من الخنادق على بعد.
آلاف عمليات الدفن تغيّر من الطقوس الدينية
ووصف برهان إشلين، نائب رئيس مديرية الشؤون الدينية التركية، وهو يتحدث في منطقة مقابر بكهرمان مرعش هذا الأسبوع، الصعوبات في دفن الجثث التي تم انتشالها من تحت الأنقاض، مُشيرًا إلى أن حالاتها تستدعي في بعض الأحيان ضرورة تغيير طقوس الدفن.
وقال "إشلين" في مقابلة مع قناة تركية: "ينبغي ألا يعتقد أحد أن هناك أي إغفال لما هو ضروري، انظر هنا: نفذ أصدقاؤنا نحو عشرة آلاف عملية دفن، ليس من الممكن قضاء ساعات في كل حالة، لذلك يتم تنفيذ العملية بطريقة سريعة".
وقال بولنت تيكبيك أوغلو، حاكم مدينة كيريكالي الذي كان في زيارة لبازارجيك، إن السُلطات تُواجه مشكلة في انتشال الجثث وتجهيزها للدفن منذ الزلزال، وأضاف أن المغسلين يعملون "بالتناوب مع تكدس مئات الجثث في وقت واحد".
وكانت بعض الأسر تشارك المحققين في مكان الكارثة سعيًا للتعرف على القتلى من أقاربهم.
في مقبرة أخرى ببلدة بازارجيك، تجمع مئات الأشخاص في جنازة إسماعيل وسيلين يافوزاتماكا وابنتيهما الصغيرتين، فقد كانوا من بين مئات الأشخاص الذين يُعتقد أنهم لقوا حتفهم في مجمع مبان انهار في مدينة أنطاكيا.
وقال "فرحات"، ابن عم إسماعيل يافوزاتماكا، إنه حملهم في سيارته ونقلهم إلى بازارجيك لدفنهم بعد التعرف على الجثث، بحسب "رويترز"، فيما قالت امرأة خلال الجنازة وهي جاثية على القبر وركبتاها في الوحل وتضرب على الأرض المبتلة "لقد كنت تحب طبخي.. اطلب أي وجبة تريدها وسأعدها لك الآن".
ولا يزال هناك كثيرون ينتظرون العثور على جثث ذويهم، واليوم الجمعة، شارك الآلاف في جميع أنحاء تركيا في صلاة الغائب على القتلى الذين ما زالوا تحت الأنقاض.
وقال أحمد أكبوراك، الذي دفن سبعة من أقاربه، وهو يتحدث خارج مسجد في كهرمان مرعش: "إذا لازمنا المنزل واستمعنا لبعضنا البعض، فلن نتعافى أبدا، لا فائدة من النظر إلى الوراء.. يسرنا أننا تمكنا من إخراج جثامينهم، لقد صار كثيرون جزءًا من الحطام".