من خلال خطوط جديدة لم تمر عبرها الإمدادات، إلا نادرًا، اتخذتها مساعدات الأمم المتحدة مسلكًا اليوم، من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا، إلى باقي المناطق المتضررة جراء الزلزال في شمال غربي البلاد، في أحدث إنجاز توصلت له المنظمة الأممية لتلبية نداء السوريين الذين قالت إنها "خذلتهم"، متعهدة بتصحيح "فشل" نجدتهم بأسرع ما يمكن.
وفي الوقت الذي يجري فيه وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية مارتن جريفيث، زيارة إلى حلب، إحدى مدن سوريا المتأثرة بالزلزال الذي هز وسط تركيا وشمال غرب سوريا مخلّفًا دمارًا غير مسبوق وخسائر كبيرة قبل 8 أيام، أقر بأن السوريين تُركوا "يبحثون عن مساعدة دولية لم تصل بعد"، وأعلن اليوم الاثنين، أن الأمم المتحدة ستساعد في انتقال المساعدات "عبر خط أمامي نادرًا ما تمر عبره المساعدات خلال سنوات الصراع" في البلاد.
وضرب زلزال جنوب تركيا وشمال سوريا بلغت قوته 7.7 درجات، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجات ومئات الهزات الارتدادية العنيفة، ما خلّف قرابة 37 ألف حالة وفاة، وخسائر كبيرة بالممتلكات في البلدين.
وفي أحدث إحصاء، أعلن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في بيان اليوم الاثنين أن أكثر من 4300 شخص لقوا حتفهم وأصيب أكثر من 7600 آخرين في شمال غرب سوريا حتى الأحد 12 فبراير.
الحاجة لمنفّذ وصول واسع النطاق
الوضع في سوريا " أكبر من قدرة دولة واحدة أو منظمة واحدة على الاستجابة"، في تقدير الدكتور أحمد المنظري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، إذ أكد في تصريحات خاصة أدلى بها لموقع "القاهرة الإخبارية"، أن" تضامن الجميع أمر أساسي" ومن جهة المنظمة الأممية "جاهزون لخوض كل السبل".
وقوفًا على الوضع في سوريا، أكد المنظري أن ما يقرب من 50٪ من مرافق الرعاية الصحية معطلة والعديد من المستشفيات تضررت جراء الزلزال، مع تدمير معدات طبية مهمة، الأمر الذي يجعل الاحتياجات ضخمة.
قال المنظري: "نحن (المنظمة) نحتاج لمنفذ وصول واسع النطاق لجميع المناطق السورية. نتبع نهج "سوريا بأسرها" في الاستجابة للزلزال. وهذا يتطلب وصولًا عبر الخط الفاصل بين المناطق ووصولًا عبر الحدود. ومن جهتنا في منظمة الصحة العالمية نحن جاهزون لخوض كل السبل".
توسيع نطاق الاستجابة
قال المدير الإقليمي للصحة العالمية إن المنظمة وجهت نداءً عاجلًا للمانحين والمنظمات الدولية للمساهمة وتمويل الاحتياجات الماسة والعاجلة لجميع السوريين "خاصة أولئك الذين فقدوا منازلهم ولم يحملوا معهم شيئًا".
أكد "المنظري" أنه رغم جهود استجابة الحكومة والمنظمات غير الحكومية والشركاء للوضع في سوريا، لكن لاتزال هناك "حاجة إلى توسيع نطاق الاستجابة".
وأضاف "علينا أن نضع الناس فوق السياسة. حان الوقت الآن لاستكشاف جميع السبل الممكنة لإيصال المساعدات والأفراد إلى جميع المناطق المتضررة".
كما بيّن المسؤول الأممي أن الاستجابة الإنسانية بما تشمله من "صندوق المساعدات الإنسانية لسوريا والصندوق عبر الحدود السورية" تحتاج إلى ضخ عاجل للدعم، والذي اعتبره "أفضل الخيارات" لتمكين الأمم المتحدة وشركائها في المجال الإنساني من الاستجابة السريعة للأشخاص المحتاجين.
عقبات تعرقل جهود الاستجابة
وفيما مثّل الدعم أفضل الخيارات لتمكين الصحة العالمية من إغاثة المناطق المنكوبة في سوريا، تشكلت تحديات جمة أمام المنظمة الأممية لبلوغ أهدفها الإنسانية.
عدّد "المنظري" العقبات التي واجهت فرق المنظمة في سوريا، فإلى جانب "الحاجة للوصول عبر الخط الفاصل والوصول عبر الحدود، تعيق قدرات المستشفيات المحدودة (الموارد البشرية والصحية) مواجهة الإصابات الجماعية وأزمة الوقود المستمرة جهود الاستجابة".
وتحدث المسؤول الأممي عن أنه ثمة مخاطر عالية لانتشار الأمراض التي تنقلها المياه والأغذية بسبب انقطاع إمدادات المياه، بما في ذلك تفاقم الكوليرا والتهاب الكبد الوبائي "أ" (المتفشيان من قبل)؛ هناك أيضًا مخاطر انتقال المرض لأماكن الإيواء المكدسة، بما في ذلك أمراض الجهاز التنفسي والحصبة (وهي أيضًا متفشية من قبل).
ويؤدي طقس الشتاء القاسي ودرجات الحرارة شديدة البرودة إلى تعقيد جهود البحث والإنقاذ، فضلًا عن حلول تدبير المأوى للأعداد الكبيرة من المتضررين، بحسب تقدير المنظري.
استجابة من اليوم الأول
وأمام العقبات في الدفع بوتيرة الاستجابة للأزمة في سوريا، فنّد مسؤول الصحة العالمية والمدير لإقليم شرق المتوسط، جهود المنظمة مؤكدًا أنها دأبت منذ اليوم الأول للزلزال على توفير الإمدادات والعمل مع المسؤولين الصحيين لتوجيه الفرق الطبية إلى حيث تشتد الحاجة إليها.
قال "المنظري" إن الصحة العالمية دفعت من خلال شراكة مع المنظمات غير الحكومية المحلية بـ10 فرق متنقلة (شملت 30 طبيبًا و70 عاملًا صحيًا) لتقديم حزمة شاملة من خدمات الرعاية الصحية للسكان المتضررين.
أضاف: "وصلت 110 أطنان من الإمدادات الطبية الطارئة عبر الحدود وقمنا بالفعل بتوزيعها في حلب واللاذقية، وصلت أول رحلة طيران مستأجرة إلى حلب في 11 فبراير تحمل 35 طنًا متريًا من إمدادات الطوارئ ومجموعات الالتهاب الرئوي بقيمة 292 ألف دولار أمريكي".
وبيّن "المنظري" أن الإمدادات سابقة الإشارة، ستدعم على الفور احتياجات 60 ألف تدخل جراحي.
تابع: "اعتبارًا من 11 فبراير، تم تقديم أكثر من 15000 استشارة خارجية بالإضافة إلى 3200 دورة علاجية. يقدم 20 من العاملين في المجتمع النفسي والاجتماعي خدمات رعاية الصحة النفسية لأكثر من 2000 مستفيد.
إمدادات في الطريق
وكشف المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية أنه من المقرر أن تصل رحلة طيران مستأجرة ثانية تحمل 37 طنًا متريًا من إمدادات الطوارئ الإضافية بقيمة 240 ألف دولار أمريكي في غضون يوم أو يومين.
نهج شامل للمساعدات
لكن "المنظري" عاد وأكد على أن هناك ثمة حاجة إلى المزيد. قال: "نحن بحاجة إلى التأكد من أن المستشفيات والمرافق الصحية قادرة على الاستجابة للاحتياجات على الأرض، ومن الضروري اتباع نهج شامل، ليشمل المأوى والغذاء".
آليات مراقبة لضمان وصول المساعدات للمستحقين
ووسط تخوفات من أن الوضع في سوريا لن يسمح ببلوغ جميع المساعدات لمستحقيها من المنكوبين، تعهد المسؤول الأممي بمسؤولية منظمة الصحة العالمية عن ضمان وصول المساعدة للمستخدمين النهائيين.
وبيّن أن المنظمة تمتلك آليات المراقبة الخاصة بها بشأن توزيع المساعدات الإنسانية المتعلقة بالصحة، وقال: "بالنسبة لشركائنا من المنظمات غير الحكومية، تستخدم منظمة الصحة العالمية أيضًا وكالة مراقبة تطبق مجموعة متنوعة من الأدوات بما في ذلك مناقشات مجموعات التركيز، وردود الفعل المجتمعية، ومقابلات المرضى، ومقابلات العاملين الصحيين".
وجدد المدير الإقليمي في ختام تصريحاته لـ"القاهرة الإخبارية" تأكيده أن تقديم الدعم يتطلب النهج الشامل لسوريا بأكملها وصولًا عبر الخطوط والوصول عبر الحدود. وأن منظمة الصحة العالمية على استعداد للخوض في جميع الأساليب لتحقيق غايتها بمد يد العون في سوريا المنكوبة.