الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

صفقة غير معلنة.. صمت إيلون ماسك يمنح إسحاقمان قيادة ناسا

  • مشاركة :
post-title
مجلس الشيوخ الأمريكي يصادق على تعيين جاريد إسحاقمان مديرا لوكالة ناسا

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

في واشنطن، صادق مجلس الشيوخ الأمريكي على تعيين الملياردير اليهودي جاريد إسحاقمان مديرًا لوكالة ناسا، في قرار بدا في ظاهره تتويجًا لمسيرة رجل شغوف بالفضاء، لكنه في عمقه كشف عن شبكة معقدة من العلاقات، يتصدرها اسم إيلون ماسك، وصمت طويل كوفئ في النهاية بمنصب يعد من الأرفع في الإدارة الأمريكية، حسب صحيفة "يديعوت أحرنوت".

مكافأة الصمت

رغم اعتياده التعليق على كل القضايا تقريبًا، التزم إيلون ماسك صمتًا تامًا على منصة تويتر بشأن ملفات التحقيق في قضية جيفري إبستين، حتى مع تزايد الحديث عن علاقة دونالد ترامب الوثيقة بإبستين، وكان هذا الصمت لافتًا، خصوصًا بعد أن نشر ماسك في أوائل الصيف تغريدة قال فيها إن ترامب متورط في ملفات إبستين، قبل أن يحذفها بعد أيام ويعتذر عنها.

لم يكن الاعتذار بسبب عدم صحة التغريدة، بل لأن ماسك أدرك أن مستقبله الاقتصادي، بوصفه أغنى رجل في العالم، يمر عبر توسيع العقود مع الحكومة الأمريكية، وهو ما لا يتحقق في ظل صدام مع الرئيس.

وبعد أشهر من الصمت، جاء المقابل عندما وافق مجلس الشيوخ على تعيين جاريد إسحاقمان مديرًا لوكالة ناسا، وهو الذي كان قبل ذلك أبرز عميل خاص لشركة سبيس إكس التابعة لماسك.

مسيرة صعود

جاريد إسحاقمان، يهودي أمريكي ولد في نيوجيرسي عام 1983، ترك المدرسة في سن السادسة عشرة ليؤسس شركة المدفوعات الرقمية شيفت فور بايمنتس في قبو منزل والديه.

ونمت الشركة بسرعة، وتولى منصب رئيس مجلس إدارتها ورئيسها التنفيذي، بالتوازي، بنى مسيرة في مجال الطيران، فكان طيارًا مقاتلًا وطيار استعراضات جوية، ومؤسسًا لشركة "دراكن إنترناشونال" المتخصصة في تدريب طياري القوات الجوية على الطائرات المقاتلة، قبل أن يبيع معظم حصته فيها عام 2019.

وتُقدِّر مجلة "فوربس" ثروة "إسحاقمان" الصافية بنحو ملياري دولار، ما يضعه في المرتبة 1600 تقريبًا بين أغنى أغنياء العالم عام 2024، وفي عام 2021، موَّل وقاد مهمة إلهام 4، أول رحلة فضائية تجارية مدنية بالكامل، والتي جمعت أكثر من 250 مليون دولار لمستشفى سانت جود لأبحاث الأطفال.

وبعد ثلاث سنوات، قاد مهمة فجر بولاريس، التي شهدت أول عملية سير في الفضاء يقوم بها طاقم مدني. وانطلقت المهمتان على متن مركبات سبيس إكس، ما عزز صورته كمغامر جريء وشغوف بالفضاء.

ترشيح مُتقلِّب

بسبب شغفه وخبرته، اعتبر كثيرون تعيين إسحاقمان خيارًا قويًا حتى في ظل رئيس جمهوري، إذ أعلن ترامب عن اختياره في ديسمبر 2024، واستُقبِل القرار بترحيب واسع رغم مخاوف تضارب المصالح، لكن قبل التصويت في مجلس الشيوخ بأيام، وفي ذروة التوتر بين ترامب وماسك، سحب البيت الأبيض الترشيح، معللًا ذلك بالحاجة إلى قائد متوافق تمامًا مع أجندة أمريكا أولًا.

لاحقًا، كشف ترامب عن أن السبب الحقيقي هو علاقة إسحاقمان الوثيقة بماسك، إضافة إلى كونه ديمقراطيًا لم يتبرع للجمهوريين، ومع ذلك، وبعد أشهر، أعاد ترامب ترشيحه في نوفمبر، واصفًا إياه برجل أعمال ناجح ومحسن وطيار ورائد فضاء، ليحصل في النهاية على موافقة مجلس الشيوخ بأغلبية 67 صوتًا مقابل 30.

لم تخلُ جلسات الاستماع من انتقادات حادة، خاصة من الديمقراطيين الذين ركَّزوا على علاقة "إسحاقمان" بسبيس إكس، وقال السيناتور إدوارد ماركي، إن رفض الشركة الكشف عن المبالغ التي دفعها إسحاقمان مقابل رحلاته يثير الشبهات، محذِّرًا من أن وجود مدير لناسا موال لسبيس إكس قد يدر عليها مليارات الدولارات.

وتظهر الإفصاحات المالية أن علاقة إسحاقمان بسبيس إكس جلبت للشركة أكثر من 50 مليون دولار، في حين حقق هو مكاسب رأسمالية تتجاوز 5 ملايين دولار من استثماره فيها.

وفي المقابل، قال إسحاقمان إن علاقته بالشركة لا تختلف عن علاقة ناسا بها، باعتبارها الجهة الوحيدة القادرة على إرسال رواد فضاء منذ إيقاف برنامج مكوك الفضاء.

عقود ونفوذ

يمتلك إيلون ماسك عقودًا حكومية واسعة تُقدَّر بنحو 15 مليار دولار، معظمها عبر سبيس إكس وناسا، بينها عقد يقارب 2.9 مليار دولار لتطوير مركبة هبوط على القمر، كما ترتبط سبيس إكس بعقود مع وزارة الدفاع، وأعلن البنتاجون أخيرًا عن اتفاق مع شركة xAI التابعة لماسك، لدمج برنامج جروك في الأنظمة العسكرية.

وخلال جلسات الاستجواب، أُثيرت أيضًا مسألة تبرع إسحاقمان بنحو مليوني دولار للجنة عمل سياسي داعمة لترامب، وهو ما برره بقوله إنه فكر لفترة وجيزة في خوض السياسة، مؤكِّدًا أنه معتدل ويميل إلى اليمين، رغم تبرعاته السابقة للديمقراطيين.

رغم الجدل، حظي إسحاقمان بدعم واسع من مؤسسات الفضاء. وقال رئيس اتحاد الفضاء التجاري إن خبرته تجعله الشخص الأمثل لقيادة ناسا في هذه المرحلة، كما أيّد ائتلاف يضم 36 رائد فضاء سابقًا، تعيينه، مشيرين إلى شغفه الحقيقي بالفضاء وإعجابه العميق بناسا كمؤسسة أمريكية.

مرحلة حاسمة

يتولى إسحاقمان منصبه في لحظة مفصلية. ففي يوم أدائه اليمين، وقع ترامب أمرًا تنفيذيًا يُلزم ناسا بإعادة رواد الفضاء إلى القمر بحلول عام 2028، وبناء قاعدة قمرية دائمة بحلول 2030، متقدمة على الصين، مع وضع أسس لاستكشاف المريخ، وتعهَّد إسحاقمان بالتركيز على الطاقة النووية في الفضاء، معتبرًا إياها مفتاحًا للمهام المستقبلية.

ومن المتوقع أن تنطلق مهمة أرتميس 2 في وقت مبكر من فبراير، حاملة أربعة رواد فضاء في رحلة حول القمر، تليها أرتميس 3 التي ستنزل روادًا قرب القطب الجنوبي للقمر، وستواصل ناسا الاعتماد على شركات خاصة مثل سبيس إكس وبلو اوريجين التابعة لجيف بيزوس.