يتوقع عشرات المُشرِّعين الأمريكيين تصاعد التوترات مجددًا بين واشنطن وبكين في عام 2026، على خلفية قضايا تتعلق بالتجارة أو تايوان أو اضطرابات سلاسل التوريد، وهو ما قد يؤدي إلى تقويض الهدنة الحالية في الأعمال العدائية الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين.
وبحسب تقرير لصحيفة "بوليتيكو"، فإن الرسالة الصادرة من الكونجرس واضحة، ومفادها: "استعدوا لتدهور العلاقات الأمريكية مع الصين مرة أخرى في العام الجديد".
وتشير الصحيفة إلى أن الهدنة التجارية، التي استمرت عامًا واحدًا، والتي تم التوصل إليها في أكتوبر بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينج، تبدو "هشة بالفعل". كما يستعد المُشرِّعون في الكابيتول لإعادة إثارة الخلافات حول التجارة وتايوان والاختراقات الإلكترونية عند عودتهم في يناير، وسط تحذيرات من جمهوريين وديمقراطيين على حد سواء من اضطرابات قادمة.
وينقل التقرير عن أكثر من 20 مُشرِّعًا شكوكهم في أن يفي الرئيس الصيني بالوعود الرئيسية التي قال البيت الأبيض إنه قطعها في أكتوبر، بما في ذلك خفض تدفق المواد الكيميائية الأولية إلى المكسيك، التي تعالجها عصابات المخدرات لإنتاج الفنتانيل، إضافة إلى شراء كميات متفق عليها من السلع الزراعية الأمريكية.
ويأتي هذا التشاؤم رغم انحسار حدة التوترات بين الولايات المتحدة والصين منذ اجتماع ترامب وشي في كوريا الجنوبية، حيث توقفت مؤقتًا دوامة الرسوم الجمركية المتبادلة، التي بلغت مستويات قياسية في وقت سابق من هذا العام.
ووفقًا للتقرير، قد يستمر هذا التوجه، نظرًا لرغبة ترامب، على الأرجح، في استقرار العلاقات الأمريكية الصينية قبل القمة المقررة مع شي جين بينج في أبريل بالعاصمة الصينية بكين. غير أن هناك، في الوقت نفسه، سلسلة من القضايا التي تم تجاهلها في المفاوضات أو تُركت معلقة، وهو وضع لا تستطيع إدارة ترامب الحفاظ عليه إلا لفترة محدودة.
فول الصويا
إن اعتماد مزارعي فول الصويا الأمريكيين على السوق الصينية يمنح بكين أداة ضغط تجارية قوية غير جمركية، ويبدو أن الصين لا تفي بوعودها بتجديد عمليات الشراء.
وبدأ الخلاف حول فول الصويا في مايو، عندما أوقفت الصين تلك المشتريات، ما أثار مخاوف من كارثة مالية في الولايات الزراعية، بما في ذلك إلينوي، وأيوا، ومينيسوتا، ونبراسكا، وإنديانا، وهي دوائر انتخابية سياسية رئيسية للحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس العام المقبل.
وفي الشهر الماضي، أعلن البيت الأبيض أن شي جين بينج التزم بشراء 12 مليون طن متري من فول الصويا الأمريكي خلال شهري نوفمبر وديسمبر. غير أن بكين، حتى الآن، لم تشترِ سوى جزء ضئيل من الكمية المتفق عليها، وفقًا لتقرير شبكة NBC News هذا الشهر.
تايوان
تشكل تهديدات بكين بغزو تايوان نقطة توتر محتملة أخرى على المدى القريب، رغم أن الولايات المتحدة لم تضع هذه القضية ضمن أولويات إستراتيجيتها للأمن القومي أو المحادثات بين الرئيسين شي وترامب.
ووفقًا لتقارير غربية، كثفت الصين استعداداتها لغزو تايوان هذا العام. ففي أكتوبر، كشف الجيش الصيني عن نظام جديد للبارجات العسكرية يعالج بعض تحديات الإنزال على شواطئ الجزيرة، من خلال نشر جسر لسفن الشحن لتفريغ الدبابات أو الشاحنات مباشرة على الشاطئ.
كما ينعكس جانب من التوتر المحيط بتايوان في المنطقة الأوسع، حيث تسعى بكين إلى توسيع نفوذها العسكري. وقد قامت طائرات مقاتلة صينية بتوجيه راداراتها نحو طائرات يابانية في وقت سابق من هذا الشهر في بحر الصين الشرقي.
ومنذ عقود، تتبنى الولايات المتحدة سياسة "الغموض الإستراتيجي"، التي ترفض بموجبها توضيح كيفية ردها على أي عدوان صيني محتمل على تايوان. وقد التزم ترامب بهذه السياسة أيضًا، وقال في مقابلة مع برنامج "60 دقيقة"، في نوفمبر: "ستعرفون ما إذا حدث ذلك".
قيود الصادرات
خففت بكين قيودها على تصدير العناصر الأرضية النادرة، وهي معادن أساسية للتطبيقات المدنية والعسكرية على حد سواء، إلا أنها قد تعيد فرض تلك القيود في أي وقت.
ونقلت "بوليتيكو" عن عشرة مُشرِّعين قولهم إنهم يشتبهون في أن بكين ستعيد فرض هذه القيود كنقطة ضغط ملائمة في الأشهر المقبلة.
كما أعرب آخرون عن مخاوفهم من أن تختار الصين توسيع نطاق ضوابط التصدير لتشمل فئة منتجات أخرى تهيمن عليها، وهي الأدوية، حيث تُزوِّد بكين الولايات المتحدة بنحو 80% من المواد الصيدلانية الفعالة، التي تُعد أساسًا للأدوية الشائعة لعلاج أمراض عدة، من بينها ارتفاع ضغط الدم وداء السكري من النوع الثاني.
وفي مطلع هذا الشهر، استأنفت الصين تصدير العناصر الأرضية النادرة، وتعهدت وزارة التجارة الصينية بـ"الموافقة في الوقت المناسب" على هذه الصادرات بموجب نظام ترخيص جديد، وفقًا لما ذكرته وسائل الإعلام الرسمية.
ولم تُبدِ بكين أي نية لتقييد تصدير الأدوية أو مكوناتها كسلاح تجاري. إلا أن لجنة مراجعة الأمن والاقتصاد بين الولايات المتحدة والصين حثت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، في تقريرها السنوي الصادر الشهر الماضي، على تقليل اعتماد الولايات المتحدة على المصادر الصينية للأدوية.
القوة العسكرية
قد يؤدي سعي الصين لتطوير جيش عالمي المستوى، قادر على تحدي الهيمنة الأمريكية التقليدية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إلى مزيد من تعقيد العلاقات بين واشنطن وبكين في عام 2026.
ويلفت التقرير إلى أن البحرية الصينية المتنامية، التي تضم الآن أكثر من 200 سفينة حربية، وتعد الأكبر في العالم، تساعد بكين على استعراض قوتها في مختلف أنحاء المنطقة.
وكان محور هذا الجهد في عام 2025 إضافة حاملة طائرات ثالثة، هي "فوجيان"، التي دخلت الخدمة الشهر الماضي، ويبلغ حجمها نحو ثلثي حجم حاملة الطائرات الأمريكية "جيرالد فورد". ومثل نظيرتها الأمريكية، فهي مزودة بمقاليع كهرومغناطيسية متطورة لإطلاق طائرات مقاتلة من طرازي J-35 وJ-15T.