يُعتبر سوق العقارات من المُحفزات الاقتصادية القوية لنمو الدول، فهذا السوق يتميز بالطلب الكبير على منتجاته، بدافع الاستهلاك أو الادخار، فحفظ قيمة الأموال بل وزيادتها من محركات هذا السوق، الذي يشهد تحولات كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، فيما يتعلق بسلوك المستهلكين وتوجهات الاستثمار والنقاشات الرقمية، بالإضافة إلى وضع مؤشرات الاقتصادية داخل الدول، فمعدلات التضخم تُعد مؤشر أساسي في تحديد مستقبل سوق العقارات.
وتأسيسًا على ما سبق يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على محددات سوق العقارات في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى التعرف على سلوك شركات التطوير العقاري، وأخيرًا يحاول التحليل التعرف على اتجاهات هذا السوق.
محددات السوق
يُمكن التعرف على محددات سوق العقارات في منطقة الشرق الأوسط من خلال النقاط التالية:
(-) حجم السوق: بلغ حجم سوق العقارات في الشرق الأوسط نحو 420.5 مليار دولار في عام 2025، وتذهب التوقعات إلى أن يصل حجم السوق إلى 849 مليار دولار بحلول عام 2034، وسيكون هذا النمو مدفوعًا بازدياد أنشطة تطوير البنية التحتية، فضلاً عن تزايد الاستثمارات في القطاعات غير النفطية.
وفي هذا الإطار قُدر حجم سوق الخدمات العقارية العالمية نحو 100.25 مليار دولار، حيث استحوذت منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا على الحصة الأكبر من السوق بنحو 2% من الإيرادات العالمية، فكما يوضح الشكل (1) ارتفعت هذه الإيرادات من نحو 9.199 مليار دولار في عام 2021 إلى نحو 12.23 مليار دولار في عام 2025.
(-) الأهمية النسبية للدول: لم تقف دول منطقة الشرق الأوسط على مساحة واحدة في مدى تطور سوق العقارات، ولكن هناك دول رائدة في هذا السوق، فمصر ودول الخليج حققت تقدمًا ملموسًا في هذا القطاع، وبدأت دول أخرى تدخل زمام المنافسة العقارية، وهو الأمر الذي سيعود بالإيجاب على قطاع العقارات برمته في منطقة الشرق الأوسط، فكل دولة ستسعى لتوفير بيئة استثمارية مناسبة لجذب المطورين العقاريين الجادين.
(-) صعود أسواق جديدة: انتعشت في منطقة الشرق الأوسط عدد من الأسواق العقارية البارزة بجانب الدول التي حققت تقدمًا في هذا المجال، ففي تركيا ارتفعت مبيعات المساكن بنسبة 5.1% في مارس 2025 مقارنة بالشهر نفسه من عام 2024، لتصل إلى 110.79 ألف وحدة سكنية، وفي المغرب شهد سوق العقارات انتعاشًا كبيرًا، إذ تشير التوقعات إلى أن حجمه وصل إلى نحو 1.71 تريليون دولار في عام 2025.
سلوك الشركات
إن التعرف على سلوك شركات التطوير العقاري في منطقة الشرق الأوسط وتأثيراته يعكس مستقبل السوق، وذلك على النحو التالي:
(-) خريطة الشركات: تضم منطقة الشرق الأوسط العديد من المشاريع العقارية المميزة بقيادة مطورين عقاريين ذوي توجهات مستقبلية كبيرة. ويمكن تقسيم خريطة شركات التطوير العقاري حسب توسعها وقدرتها على الحصول على التمويل، ومدى تبنيها لمشروعات عقارية عملاقة.
وبالتالي، في الإمارات العربية المتحدة، يوجد العديد من الشركات مثل إعمار العقارية التي تعتبر من أكبر المطورين في الخليج، إذ طورت داون تاون دبي، برج خليفة، ومول دبي، فضلًا عن نخيل، والدار العقارية، وداماك العقارية، ومراس، وبن غاطي. وفي مصر، توجد شركات مثل بالم هيلز للتطوير العقاري، وإعمار مصر، وسوديك، وماونتن فيو للتنمية، وشركة النيل للتطوير العقاري. هذه الشركات تقود عمليات التطوير العقاري في منطقة الشرق الأوسط.
(-) اتجاهات الاستثمار: حولت شركات التطوير العقاري في عام 2025 استثماراتها نحو المشروعات التي توفر استقرارًا ومرونة على المدى الطويل، حيث ركزت استثمارات المطورين على المشاريع متعددة الاستخدامات، ومراكز البيانات، والسياحة والضيافة الفاخرة، والمشاريع المستدامة التي تركز على معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية.
اتجاهات السوق
(-) الدمج التقني: من المحتمل أن تشهد البنية التحتية الرقمية في قطاع العقارات تحولًا سريعًا من مجرد فكرة إلى واقع ملموس. فتوكنة العقارات، أي تحويل قيمة العقار المادي إلى رموز رقمية يمكن شراؤها وبيعها وتداولها على تقنية البلوك تشين، ستُحدث تحولات هيكلية كبيرة في سوق العقارات بالمنطقة. كما أن دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في السوق العقاري سيزداد بشكل كبير في عام 2026، إذ جمعت شركة Prop-AI المتخصصة في التكنولوجيا العقارية تمويلًا بقيمة 1.5 مليون دولار، مما يشير إلى الاتجاه المتزايد نحو الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، والذي يمكّن المستثمرين من اتخاذ قرارات مثلى.
تستهدف الشركة إطلاق منصةProp-AI Business وواجهات البرمجة(APIs) المصممة لمحترفي القطاع العقاري، إذ تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في المنطقة من خلال وكيل ذكي(Agentic AI) مخصص للعقارات، مما يضع معيارًا جديدًا للاستثمار العقاري في المنطقة.
(-) تغيّر بوصلة مطوري العقارات: تشير التوقعات إلى أن مطوري العقارات سيتجهون نحو الدول التي توفر تسهيلات عقارية، ففي عام 2025 بدأت بعض دول الشرق الأوسط التي تحتاج إلى إعادة إعمار كبيرة بوضع تسهيلات في التراخيص لإقامة مشروعات عقارية، مما سيجذب شركات التطوير بشكل كبير.
يعني هذا إعادة توزيع رأس المال؛ إذ ستبحث بعض رؤوس الأموال التي كانت تركز على دول معينة عن أسواق ناشئة أقل تكلفة وأكثر مرونة. هذا التوجه لن يكون خروجًا جماعيًا، بل تنويعًا في المحافظ الاستثمارية، مع تباطؤ نسبي في توسع بعض المطورين خارج المشروعات الضخمة، وزيادة المنافسة على جذب المستثمرين عبر تسهيلات وتمويلات أفضل، مما يشجع الدول على تحسين مناخ الاستثمار العقاري.
(-) زيادة دور المكاتب العائلية: تعتبر المكاتب العائلية جيلًا جديدًا من المستثمرين في سوق العقارات بمنطقة الشرق الأوسط، حيث يركزون على التنويع والاستثمار في المشاريع ذات التأثير الاجتماعي. ومن المتوقع أن تزداد مكانة هذه المكاتب في السوق العقاري بحلول عام 2026، خاصة مع زيادة الطلب على هيكلة الثروات عبر الحدود.
يمكن القول إن الأثرياء سيعيدون رسم خريطة العقارات في منطقة الشرق الأوسط، فخلال العقد الماضي نما عدد الأثرياء بنسبة 98%، واستأثرت منطقة الشرق الأوسط بمعدل نمو بلغ 6%، مما سيغير نوعية الطلب على العقارات نحو الفاخرة بشكل أكبر.
(-) ازدهار صناديق الاستثمار العقاري(REITs): ساهم انخراط كبار المستثمرين في صفقات صناديق الاستثمار العقاري عام 2025 في تعزيز الثقة بالقطاع، ومن المرجح أن يستمر هذا الاهتمام في عام 2026، إذ توفر هذه الصناديق عوائد جذابة مقارنة ببدائل السوق العالمية. ومن المتوقع أن تستفيد صناديق الاستثمار العقاري المتخصصة في القطاع التجاري من التفاوت بين العرض والطلب، محققةً هامش ربح مناسب.
(-) استهداف الاستدامة: من المتوقع أن تصبح الاستدامة أداة تسعير فعالة في سوق العقارات بالمنطقة عام 2026، إذ يسهم انخفاض استهلاك الطاقة في تحقيق هوامش تشغيلية أعلى وتقليل المخاطر، مما يدعم التوجه نحو الهندسة المعمارية والتصميم الصديق للبيئة.
(-) تصدير العقارات: ستزداد جهود دول الشرق الأوسط لتسهيل تملك الأجانب للوحدات السكنية، وهو ما تم تمهيده في 2025 عبر إدراج المدن الجديدة بالمنصة الإلكترونية الرسمية لتصدير العقار، وتفعيل قانون الرقم القومي الموحد للعقارات، وتقليل الضرائب العقارية، لضمان الشفافية وجذب المستثمر الأجنبي.
(-) نمو معتدل لأسعار العقارات: من المتوقع أن تشهد المنطقة تباينًا إقليميًا في الأسعار، إذ تشير الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين إلى أن بعض الأسواق ستشهد تصحيحات طفيفة أو ركودًا، بينما سيرتفع معظمها ببطء وثبات بنسبة 2-4% سنويًا، مرتبطًا بأسواق العمل المحلية، والمخزون، والتغيرات الديموغرافية في قطاع الإسكان، ما يتيح فرصًا أكبر لعمليات شراء مدروسة.
خلال ما سبق، يمكن التأكيد على أهمية القطاع العقاري في اقتصاديات الشرق الأوسط، وأهمية إنعاشه لتحقيق منفعة اقتصادية كبيرة، إذ يتركز الاتجاه العام للدول على تطوير سياسات جذب الاستثمارات العقارية. ويُحقق ذلك من خلال استقطاب مطورين ذوي خبرة وأفكار متوافقة مع تطورات العصر، يعملون على تنفيذ مشاريع تزيد معدلات الطلب داخل الدولة، بما يعزز معدلات النمو الاقتصادي.