يأتي فيلم "يونان" بوصفه تجربة سينمائية تتداخل بهدوء في أعماق النفس البشرية، بعيدًا عن الصخب السردي والحلول الجاهزة، إذ يواصل المخرج السوري أمير فخر الدين، من خلال هذه التجربة، مشروعه التأملي الذي يراهن على الزمن، والصمت، والذاكرة، باعتبارها عناصر أساسية لصناعة المعنى، لا حكاية تقليدية بقدر ما يفتح مساحة للتأمل في لحظة إنسانية هشة، لحظة الإنهاك الصامت الذي يسبق الرغبة في الاستمرار.
السينما التأملية
وبعد فوزه بجائزتي "أفضل مخرج" و"أفضل ممثل" في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في نسخته الخامسة، وضمن جولته في المهرجانات العالمية، أكد المخرج أمير فخر الدين، لموقع "القاهرة الإخبارية"، أنه يتعامل مع السينما بوصفها رحلة داخلية أكثر منها حدثًا خارجيًا، إذ يقول: "استقبلت خبر فوز فيلمي "يونان" بجائزتين في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بهدوء عميق، لم يكن الفرح صاخبًا بل كان أقرب إلى شعور بالاطمئنان، شعرت بأن الفيلم وصل إلى عدد كبير من الجمهور، وأن السينما التأملية رغم كل ما يُقال عنها ما زالت قادرة على الوصول والتأثير عندما تقدم بصدق".
حالة إنسانية هشة
وأضاف فخر الدين : "لم تأت فكرة "يونان" من حبكة أو قصة جاهزة بل من سؤال داخلي ظل يرافقني طويلًا.. كنت مهتمًا بتلك اللحظة التي يمر بها الإنسان حين تتراكم الخسارات داخله بصمت، دون حدث واضح يمكن الإمساك به، ما حمَّسني وجذبني هو الاقتراب من هذه الحالة الإنسانية الهشَّة كما هي دون أحكام ودون محاولة تفسيرها أو احتوائها بإجابات جاهزة، لهذا تحرك الفيلم ضمن مساحة غامضة؛ لأن التجربة نفسها غير محددة المعالم، لم أرغب في بناء التشويق عبر الأحداث بل عبر الإحساس بالزمن والانتظار والفراغ".
كواليس العمل
عن كواليس العمل، يقول المخرج السوري: "كواليس العمل كانت هادئة لكنها شديدة الدقة على مستوى الصناعة، استغرق إنجاز الفيلم نحو 3 سنوات بين الكتابة والتصوير والمونتاج حتى خرج إلى النور بالشكل الذي يشبه روحه".
ويضيف: "أكبر التحديات التي واجهتني كانت الدفاع عن البطء وعن مشاهد لا يحدث فيها فعل واضح، الأصعب كان الحفاظ على الصدق من دون شرح أو تفسير زائد، الصمت كان عنصرًا أساسيًا في الفيلم، لكنه عنصرًا صعبًا لأنه يتطلب ثقة كاملة بالصورة وبالممثل وبقدرة السينما نفسها على التعبير دون كلام".
حضور قوي
وعن اختيار الممثل اللبناني جورج خباز ليكون بطلًا للعمل، يقول: "اخترت جورج خباز لأنني رأيت فيه حضورًا داخليًا قويًا وقدرة عالية على التعبير بالصمت، العلاقة بيننا في الكواليس كانت قائمة على الثقة والهدوء، لم نعمل على الأداء الخارجي بقدر ما اشتغلنا على الحالة النفسية للشخصية، وكان جورج شريكًا حقيقيًا في بنائها لا مجرد مؤدٍّ للدور".
الرغبة في الحياة
وحول رسالة العمل، يؤكد أمير فخر الدين أنه لا يسعى في أفلامه إلى إيصال رسالة مباشرة أو طرح حلول جاهزة، إذ يقول: "ما أردته من "يونان" هو أن يشعر المشاهد بأن وحدته مفهومة، وأن هشاشته ليست ضعفًا، أحاول أن أقول إن الرغبة في الحياة قد تعود بهدوء، دون خطابات أو شعارات فقط عبر الزمن، الاحتكاك الإنساني والقدرة على البقاء".
جولة الفيلم
بعد مشاركة الفيلم في مهرجان البحر الأحمر السينمائي، يتحدث مخرج العمل عن جولة الفيلم، قائلًا: "اليوم يواصل الفيلم رحلته عبر عدد من المهرجانات الدولية والعروض الخاصة، تتخللها لقاءات ونقاشات مع الجمهور، بالنسبة لي لا تكمن أهمية هذه الرحلة في عدد المحطات بل في نوعية التفاعل وفي ذلك الصمت الذي يعقب العرض، حين يخرج المتفرج وهو يحمل الفيلم معه".