منذ أن وطأت قدماه البيت الأبيض رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، ويثير ترامب ورجال دائرته الضيقة الجدل، وآخره ما أثاره حوار موسع أجرته سوزي وايلز، رئيسة ديوان البيت الأبيض، مع مجلة "فانيتي فير" من جدل واسع في الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية، بعدما كسرت صمتها الطويل وقدمت رواية غير مسبوقة من داخل الدائرة الأقرب لدونالد ترامب، تخللتها انتقادات حادة لشخصيات نافذة في الإدارة، ولخيارات سياسية كبرى خلال السنة الأولى من ولايته الثانية.
وتعد "وايلز"، التي وصفها ترامب سابقًا بـ"المرأة الجليدية"، واحدة من أنجح تعييناته، إذ تمتلك خبرة تمتد إلى حقبة الرئيس الراحل رونالد ريجان، وقادت خلال العام الماضي ما وصف بأنه أكثر حملات ترامب انضباطًا عبر مسيرته الانتخابية. وفي البيت الأبيض، تحولت إلى أقرب مساعديه وأكثرهم تأثيرًا، إلى حد أن الرئيس أطلق عليها علنًا لقب "سوزي ترامب"، مشيدًا بدورها أمام أنصاره.
وعلى مدى أشهر، نجحت وايلز فيما عجز عنه كثيرون من محيط ترامب، إذ التزمت الصمت الإعلامي، وقلّصت بشكل لافت تسريبات البيت الأبيض. غير أن هذا النهج تغير مع سلسلة لقاءات أجرتها مع الكاتب والصحفي الأمريكي البارز كريس ويبل، بلغت 11 جلسة، شكّلت أساسًا لتحقيقين مطولين نُشرا في المجلة الأمريكية.
مدمن كحول
في حديثها، أطلقت وايلز انتقادات مباشرة للرئيس ترامب، معتبرة أن لديه "شخصية مدمن كحول"، في إشارة إلى ما وصفته باندفاعه المفرط وثقته المطلقة بنفسه، رغم كونه لا يشرب الكحول. وأوضحت أنها قادرة على التعامل مع هذه الشخصية بحكم نشأتها مع أب مدمن كحول، ما جعلها "خبيرة في الشخصيات الكبيرة".
ولم يسلم نائب الرئيس جيه دي فانس من انتقاداتها، إذ وصفته بأنه "منغمس منذ عقد في نظريات المؤامرة"، وأن تحوله من منتقد لترامب إلى حليف جاء بدافع "المنفعة السياسية". كما هاجمت المدعية العامة بام بوندي، معتبرة أنها "فشلت تمامًا" في إدارة ملفات جيفري إبستين، وهو ملف حساس لدى القاعدة اليمينية لترامب.
أما الملياردير إيلون ماسك، الذي شغل دورًا استشاريًا وقاد ما عرف بـ"إدارة الكفاءة الحكومية"، فقد كان هدفًا لانتقاداتها اللاذعة، إذ وصفته وايلز بأنه "شخص غريب الأطوار" وأن سلوكه "غير عقلاني أحيانًا"، معربة عن صدمتها من قراراته، ولا سيما منحه صلاحيات واسعة لإغلاق وكالات فيدرالية وتسريح موظفين بأعداد كبيرة.
كما أعربت عن غضبها من تفكيك وكالة التنمية الدولية الأمريكية، معتبرة أن ما جرى "لا يمكن لأي شخص عقلاني أن يراه خطوة صحيحة".
القضاء والسياسة الانتقامية
وفي واحدة من أكثر النقاط إثارة للجدل، أقرت وايلز بأن ترامب استخدم وزارة العدل لتصفية حسابات مع خصومه السياسيين، مؤكدة أنها حاولت دون جدوى إقناعه بوقف ما وصفته بـ"الانتقام". كما كشفت أنها عارضت بعض قراراته في حينها، من بينها العفو عن أكثر المشاركين عنفًا في أحداث اقتحام الكونجرس في 6 يناير 2021.
وتطرقت أيضًا إلى الحرب التجارية، مشيرة إلى أنها نصحت الرئيس بتأجيل فرض الرسوم الجمركية بسبب الانقسام الحاد بين مستشاريه، لكنه مضى في الإعلان عنها، معتبرة أن نتائجها جاءت "أكثر إيلامًا مما توقعت".
وفي الملف الأوكراني، ناقضت تصريحات ترامب العلنية بشأن نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مؤكدة أن ترامب "لا يعتقد أن بوتين يريد السلام، بل يسعى للسيطرة على أوكرانيا بأكملها".
إبستين وكلينتون وماسك
وكشفت "وايلز" أنها اطلعت على "ملفات إبستين"، مؤكدة أن اسم ترامب ورد فيها، لكنها شددت على أنه "لم يفعل شيئًا مروعًا"، مشيرة في الوقت نفسه إلى عدم وجود أدلة تدين الرئيس الأسبق بيل كلينتون، ومعتبرة أن ترامب "كان مخطئًا" في اتهاماته بهذا الشأن.
كما أعربت عن استغرابها من نقل جيلين ماكسويل، شريكة إبستين، إلى سجن منخفض الحراسة، قائلة إن القرار أغضب ترامب نفسه، وإنها لا تعلم سبب اتخاذه.
ووصفت الملياردير الأمريكي إيلون ماسك بأنه "مدمن على الكيتامين".
سياسات الهجرة وفنزويلا
وفي ملف الهجرة، أبدت "وايلز" تحفظات على بعض ممارسات وكالة الهجرة والجمارك، داعية إلى "التدقيق المزدوج" في قرارات الترحيل، خصوصًا في الحالات التي لا يكون فيها الأمر واضحًا، بعدما جرى ترحيل أمهات مع أطفالهن رغم التزامهن بالإجراءات القانونية.
أما بشأن السياسة الخارجية، فقد لمحت إلى أن هدف ترامب الحقيقي في "الحرب على المخدرات" هو إحداث تغيير في النظام الفنزويلي، معتبرة أن الرئيس يعتقد بأن الضغط المتواصل سيؤدي في النهاية إلى استسلام الرئيس نيكولاس مادورو.
ونفت "وايلز" بشكل قاطع نية ترامب الترشح لولاية ثالثة في 2028، معتبرة أن حديثه المتكرر عن ذلك، رغم عدم دستوريته، يهدف "مئة في المئة إلى استفزاز الناس وإرباكهم".
محاولة لاحتواء التداعيات
عقب نشر التحقيقين، وفيما بدا محاولة لاحتواء التداعيات، نشرت وايلز تغريدة على منصة "إكس" هاجمت فيها ما وصفته بـ"تقارير اغتيال سياسي" تستهدفها وتستهدف الرئيس وفريقه. واعتبرت أن المجلة تجاهلت السياق الأوسع لتصريحاتها، وسعت إلى رسم صورة "فوضوية وسلبية" عن الإدارة.