كشف الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني نعيم قاسم تفاصيل الدور العسكري الذي قام به الحزب داخل اليمن طوال التسع سنوات الماضية، من أمثال القيادي هيثم الطبطبائي وغيره من قادة الحزب الذين استهدفتهم إسرائيل أخيرًا.
في المقابل، صرّح بعض القادة الحوثيين من أمثال عبد الملك الحوثي، زعيم الجماعة وقائدها العسكري ومرجعها الفكري، عن استعدادهم لإرسال الآلاف من الحوثيين للقتال بجانب الحزب في حربه ضد قوات الكيان الإسرائيلي، الذي لم يتوقف عن استهداف لبنان معلنًا استمرار الحرب حتى يتم نزع سلاح حزب الله.
تأسيسًا على ما سبق، تطرح تصريحات الأمين العام للحزب حفنة من الأسئلة عن العلاقة بين الحزب وجماعة أنصار الله "الحوثيين" وعمقها، أهمها: ماذا قدّم الحزب لجماعة أنصار الله؟.. وما الدور الذي يقدمه الحوثيون للحزب؟.. والموقف الإسرائيلي من هذا التعاون بين الحزب والجماعة؟
دوافع الاتفاق
تعد العلاقة بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن وحزب الله في لبنان علاقة وثيقة ومحورية ضمن ما يُعرف باسم "محور المقاومة" الذي يضم أيضًا بعض الفصائل المسلحة في العراق وسوريا وتقوده إيران في المنطقة، ويقوم على عدد من الأسس يمكن بلورتها في الآتي:
1. الترابط الأيديولوجي والسياسي (المرجعية الإقليمية): يعتبر كل من جماعة أنصار الله (الحوثيين) وحزب الله في جنوب لبنان والفصائل الشعبية المسلحة في لبنان وسوريا، حلفاء استراتيجيين لإيران، حيث يمثل حزب الله نموذجًا تم تكراره -بدرجة أقل إلى حد ما- في اليمن عبر قيام إيران بتوفير جميع أوجه الدعم الفكري، بداية من الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. وفي الألفية الثالثة تمكنت إيران من التأثير في الحوثيين وتحويلهم فكريًا من الزيدية إلى الاثني عشرية، التي تعتبر أقرب للمذهب الشيعي الإيراني، وذلك لخدمة أجندة إيران في الإقليم فيما بعد، حتى ظهرت جماعة أنصار الله الحوثية كجماعة مسلحة لأول مرة في الحرب التي دارت بينها في صعدة وبين جيش الدولة إبان حكم الرئيس الراحل علي صالح والمعروفة بالحروب الست خلال الفترة الممتدة من 2004-2010.
هذا ويعتبر حزب الله، الذي سبق الحوثيين في النشأة والوجود في ساحة المعركة، بمثابة الإلهام الأيديولوجي الذي تأثرت به أدبيات وخطابات الحوثيين بشكل كبير، حيث ينظر زعماء الحوثيين إلى تجربة حزب الله كنموذج إلهام، خاصة في مجال مقاومة الولايات المتحدة وإسرائيل منذ نشأته سنة 1982.
ومن هذا المنظور، ومع بدايات الحروب الحوثية الست ضد نظام الرئيس الراحل علي صالح خلال الفترة الممتدة من 2004-2010، كان هناك تنسيق سياسي وإعلامي واستراتيجي بين الطرفين، وكثيرًا ما يتخذان مواقف متقاربة في القضايا الإقليمية. وهذا بخلاف الدعم العسكري والتدريبي وتبادل الخبرات وذلك تحت عين إيران ورعايتها.
2. الأهداف المشتركة: حرصت إيران عند شروعها في تأسيس محور للمقاومة أن تضع ركائز "جامعة" بين مكونات منفصلة تجمعها عقيدة فكرية واحدة أو متشابهة لتكون أساس الترابط بين هذه الفصائل، حتى وإن كانت لا تجمعها جغرافيا واحدة، وحرصت أيضًا على تحديد العدو شرط أن يكون عدوًا لكل الفصائل بل لكل دول الإقليم، وهي: إسرائيل المغتصبة للأراضي العربية والإسلامية، والولايات المتحدة الأمريكية من خلفها.
وبالتالي أصبحت هذه الفصائل والجماعات المسلحة جزءًا من استراتيجية إيرانية أوسع لإنشاء جبهات قتالية إقليمية لمواجهة خصومها (إسرائيل والولايات المتحدة وفي مراحل أخرى بعض دول الخليج).
وعلى ذلك أصبحت جماعة أنصار الله "الحوثية" تمثل تهديدًا للمصالح الأمريكية وحلفائها في البحر الأحمر، بينما يمثّل حزب الله تهديدًا من الشمال على إسرائيل، وكلاهما يعملان على توسيع نفوذهما ضمن هذه الاستراتيجية.
3. التنسيق العسكري والتدريبي (مستوى عالٍ): هذا هو الجانب الأكثر وضوحًا في العلاقة بين قائد محور المقاومة إيران وأطرافها. فتقوم إيران بأداء مهمات استراتيجية مثل التخطيط والاتصال والتمويل المالي والاستخباراتي والإمداد اللوجستي من سلاح وعتاد وتقنيات متقدمة، علاوة على الدعم المعنوي الإعلامي وغيره للأطراف، وتقوم الأطراف بأدوارها وفقًا لنظرية التكامل والإسناد. فقد قام حزب الله بدور الخبير والمدرب للحوثيين، فهو الناقل الرئيسي للخبرات العسكرية الإيرانية إليهم.
وفي هذا السياق أفادت العديد من التقارير بوجود خبراء عسكريين من حزب الله داخل اليمن، وتدريب عناصر حوثية في معسكرات تابعة للحزب في لبنان أو أماكن أخرى. ساهمت هذه الخبرات في تطوير القدرات القتالية للحوثيين، خصوصًا في مجالات الطائرات المسيّرة (الدرونز)، خاصة فيما يتعلق بتطوير تقنيات التصنيع والإطلاق. كذلك الصواريخ الباليستية - تحسين الدقة والمدى، إضافة إلى القتال البحري، وتطوير القدرات البحرية لتهديد الملاحة، وهو ما يظهر جليًا في العمليات الأخيرة في البحر الأحمر.
ناهيك أن حزب الله بتنسيقه مع جماعة أنصار الله (الحوثيين) استطاع أن يمنحهم شرعية إقليمية ودعائية كجزء من "محور المقاومة"، وعمل أيضًا على تلميع صورتهم إعلاميًا، وظهر التنسيق بينهم بشكل أوضح في العمليات الأخيرة المتعلقة بالحرب في غزة، حيث أعلن كل منهما عن فتح جبهة دعم بالتزامن، ما يدل على وجود توجيه استراتيجي مشترك لإدارة الصراع الإقليمي.
التنسيق لمواجهة إسرائيل
التعاون والتنسيق بين الحوثيين وحزب الله في مواجهة إسرائيل، هو في الأصل جزء من استراتيجية أوسع تُعرف بـ"محور المقاومة"، ويعتبر هذا التنسيق الآن في أعلى مستوياته، خاصة بعد بدء الحرب في غزة، وهذا التنسيق يتمحور حول هدف استراتيجي موحد، هو تشتيت الجهد العسكري الإسرائيلي والأمريكي وفتح جبهات ضغط إقليمي، وقد تم التنسيق على النحو التالي:
جبهة البحر الأحمر.. الدور الأبرز للحوثيين: تشير نتائج الحرب الحوثية الإسرائيلية والحرب الأمريكية الحوثية إلى أن الدور الذي قامت به جماعة أنصار الله (الحوثيين) في البحر الأحمر هو الدور الأوضح في مستوى التعاون، فقد وظّفت الجماعة موقعها الجغرافي (باب المندب) لتوجيه ضربات مباشرة وغير مباشرة ضد المصالح الإسرائيلية والملاحة المتجهة إليها، ما خلق ضغطًا اقتصاديًا هائلًا على إسرائيل وبعض دول العالم التي تمر تجارتها عبر البحر الأحمر، وذلك تم عبر التنسيق بين أطراف محور المقاومة.
وقد أشارت التقارير إلى أن خبراء من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله يوجدون في اليمن لتقديم المشورة العسكرية حول استهداف السفن واستخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة، وتوفير المعلومات الاستخباراتية المساعدة في تحديد السفن "المتجهة إلى إسرائيل" وسط حركة الملاحة الكثيفة، وهي مهمة معقدة. فضلًا عن التصريحات العلنية لقادة الحوثيين حيث أعلنوا مرارًا أن عملياتهم تأتي "إسنادًا لغزة" وتصعيدًا في المواجهة مع إسرائيل، وهو خطاب ينسجم تمامًا مع خطاب حزب الله.
جبهة الشمال.. دور حزب الله التقليدي: تم التنسيق بين حزب الله وجماعة أنصار الله على أن يقوم حزب الله في قصف متبادل ومستمر على الحدود الشمالية لإسرائيل، بهدف تثبيت القوات الإسرائيلية على تلك الجبهة ومنعها من الانخراط الكامل في جبهة غزة.
في المقابل تقوم الجماعة بالضغط في الجنوب (البحر الأحمر) ليكمل الضغط الذي يمارسه حزب الله في الشمال (لبنان)، ما يضع إسرائيل والولايات المتحدة أمام تحدي جبهات متعددة وغير متصلة جغرافيًا، لكنها متصلة استراتيجيًا.
التنسيق الاستراتيجي العام (مظلة إيران): التنسيق الفعلي لا يتم بمعزل عن إيران، التي تعتبر الطرف المحوري والضامن لتماسك هذا المحور، فهي بمثابة غرفة عمليات مشتركة. فعلى الرغم من النفي الرسمي، يعتقد المحللون بوجود درجة من التنسيق العملياتي والاستراتيجي تتم عبر قنوات اتصال تحت إشراف طهران، تضمن توزيع المهام على "وكلاء" المحور (الحوثي، حزب الله، الفصائل العراقية، حماس) لخدمة الهدف المشترك.
مسارات الدعم والمساندة
1. المسار الأول.. تراجع التنسيق العملياتي المباشر ضد إسرائيل: من المتوقع أن يستمر تراجع التنسيق اليومي والمباشر الذي كان قائمًا بهدف الإسناد العسكري النشط لغزة. فبمجرد أن تم إعلان وقف إطلاق النار (أو التهدئة واسعة النطاق)، يقل الدافع المباشر لفتح جبهات "الإشغال والاستنزاف".
وقد أعلن الحوثيون صراحة أن عملياتهم في البحر الأحمر تستهدف السفن المتجهة إلى إسرائيل "حتى يتوقف العدوان على غزة". لذلك، فإن التنسيق الخاص بتوجيه الصواريخ والطائرات المسيّرة نحو إيلات أو استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل قد يتوقف رسميًا (على الرغم من استمرار الضغط الأمريكي والدولي عليهم).
بينما يقوم الحزب بالتركيز على إعادة التموضع وإعادة ترتيب صفوفه في الجنوب اللبناني، خصوصًا في ظل استمرار سياسات الاغتيالات الإسرائيلية وتزايد الضغوط الدولية لـ"نزع سلاحه" أو "تحجيم نفوذه".
2. المسار الثاني.. استمرار التنسيق الاستراتيجي والأمني (مستوى ثابت): العلاقة بين الطرفين حزب الله – جماعة أنصار الله، هي أعمق من مجرد حرب عابرة، فمن المرجّح أن يظل التنسيق الأيديولوجي والسياسي قائمًا بينهما كأذرع رئيسية ضمن "محور المقاومة" الذي تقوده إيران، ولن يتوقف في مجال نقل الخبرات العسكرية (التدريب، المشورة التقنية في الصواريخ والطائرات المسيرة). بل قد يزداد هذا التنسيق في محاولة لـ"ترميم" و"تعويض" الخسائر التي تكبّدها المحور في فترة الحرب.
وقد يتحول اليمن تحت سيطرة جماعة أنصار الله ليصبح أكثر أهمية استراتيجية للمحور، خاصة إذا تعرّض حزب الله لضغوط داخلية أو دولية أكبر في لبنان. وبالتالي، يستمر التنسيق لتعزيز قدرات الحوثيين العسكرية على المدى الطويل كجبهة إقليمية بعيدة، فكلا الطرفين يعتمد على تبادل المعلومات الاستخباراتية المشتركة لتجنب الاستهدافات الإسرائيلية والأمريكية المستمرة للقيادات.
3. المسار الثالث.. تحوّل الأولويات الداخلية والخارجية:سيواجه الحوثيون بعد وقف الحرب على غزة وفقًا لاتفاق السلام الموقّع (شرم الشيخ) بشكل أكبر للضغوط الدولية المتعلقة بهجماتهم في البحر الأحمر، والضغوط الداخلية لاستئناف محادثات السلام في اليمن (مع السعودية والأطراف اليمنية). وقد يتمحور التنسيق مع حزب الله حول كيفية إدارة هذه الملفات الداخلية والدولية والاحتفاظ بالمكاسب التي حققوها.
أما حزب الله، فسيتركز تنسيقه حول كيفية التعامل مع المطالب الدولية والداخلية بالانسحاب من الحدود الجنوبية، وترك السلاح والتعافي من الضربات العنيفة، وإدارة المشهد السياسي اللبناني المضطرب.
ختامًا،التنسيق العسكري الساخن ضد إسرائيل قد يهدأ، لكن التنسيق الاستراتيجي والأمني والتقني بين الحوثيين وحزب الله، تحت رعاية إيران، سيستمر وربما يتعمّق كجزء من استراتيجية المحور لإعادة التموضع والتحضير للمواجهة المقبلة.