سلطت صحيفة "ذا تليجراف" البريطانية، الضوء على بُعد خفي في الحرب بين روسيا أوكرانيا، وهو حملة الاغتيالات المتزايدة بشكل مطرد والتي تمتد من شوارع كييف وموسكو إلى ضواحي مدريد.
ولفتت الصحيفة إلى القبض على رجل بريطاني في أوكرانيا، للاشتباه في مساعدته روسيا في تنفيذ اغتيالات سياسية، وأوضحت أن روس ديفيد كاتمور، الذي وصل إلى أوكرانيا في عام 2024، متهم باستيراد وتوزيع الأسلحة المستخدمة في قتل 3 أوكرانيين بارزين.
وذكرت الصحيفة أن ما قام به "كاتمور" عكس تكتيكًا روسيًا أوسع نطاقًا في أوكرانيا، إذ اعتمدت موسكو على السكان المحليين والمهاجرين والشبكات الإجرامية لملاحقة الشخصيات السياسية والعسكرية في أوكرانيا وخارجها.
واستشهدت الصحيفة بمنظمة "أكليد"، التي تراقب الصراعات، وسجلت 9 محاولات اغتيال روسية ناجحة أو محاولات اغتيال في أوكرانيا بين عامي 2023 وأغسطس 2025.
وتراوحت الأهداف بين شخصيات قومية وضباط استخبارات عاملين، وغالبًا ما يتم اختيارهم لتعزيز رواية الكرملين حول مكافحة التطرف.
ومع ذلك، ترى الصحيفة أن الأبحاث تظهر أن أوكرانيا تفوز في هذه الحرب الخفية، وقالت إن وتيرة حملة الاغتيالات الأوكرانية ونطاقها تجاوزت نظيرتها الروسية بهامش كبير، ويمثل أواخر عام 2024 نقطة تحول.
في أول 8 شهور من عام 2025، تجاوز عدد محاولات الاغتيال التي نفذتها أوكرانيا داخل روسيا بالفعل الإجمالي السنوي للأعوام 2022 و2023 و2024، إذ تحول تركيز كييف من الدعاة إلى المهندسين والمشغلين لآلة الحرب.
من أبرز الأمثلة على ذلك اغتيال الفريق إيجور كيريلوف، في 17 ديسمبر من العام الماضي، حين قُتل الضابط الذي كان مسؤولًا عن الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية الروسية بعبوة ناسفة تم تفجيرها عن بعد داخل دراجة كهربائية.
قبل أيام، قتل ميخائيل شاتسكي، المهندس المشارك في إنتاج الصواريخ والطائرات المُسيَّرة رميًا بالرصاص. وفي أبريل 2025، أودت تفجيرات بسيارات مفخخة بحياة شخصيتين بارزتين مرتبطتين بالحرب الإلكترونية والتخطيط العملياتي، أحدهما الجنرال ياروسلاف موسكاليك، وهو شخصية بارزة في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية.
كانت عمليات القتل هذه دقيقة ومتطورة بشكل متزايد، تضمن العديد منها استخدام متفجرات وقنابل بريدية جمعت بمساعدة أشخاص تم تجنيدهم عبر الإنترنت.
سجلت "أكليد" أيضًا تفجيرات انتحارية داخل روسيا، بما في ذلك مقتل أرمين سركيسيان، مؤسس كتيبة أربات، وزاور جورتسييف، الذي أشرف على القصف المدمر لماريوبول، وفي الحالة الأخيرة ربما لم يكن الرجل الذي سلّم العبوة الناسفة يعلم أنه يحملها.
حتى في المناطق التي سيطرت عليها روسيا لأكثر من عقد، أثبت النفوذ الأوكراني قوته، وكان اغتيال ألكسندر زاخارتشينكو، أحد أمراء حرب دونيتسك في عام 2018 مثالًا مبكرًا على قدرة كييف على العمل في المناطق الخاضعة لسيطرة روسيا.
منذ عام 2022، وقعت 5 عمليات قتل بارزة على الأقل في لوجانسك، من بينها اغتيال إيجور كورنيت، وزير الداخلية المعيَّن من قبل روسيا. وفي ديسمبر 2024 اغتال عناصر أوكرانيون أيضًا رئيس سجن "أولينيفكا" في دونيتسك، حيث قُتل العشرات من أسرى الحرب الأوكرانيين في قصف عام 2022.
وتستبعد "ذا تليجراف" أن يُوقف التخلص من الأفراد المجهود الحربي الروسي، لكنه يُلقي بعبء نفسي على من يخدمونه، إذ يمتد التهديد إلى ما هو أبعد من ساحة المعركة، فأي شخصية مرتبطة بالحرب، من الدعاة إلى المهندسين والضباط العسكريين، تجد نفسها هدفًا للهجمات.
وحاولت روسيا الرد بالمثل، إذ تشير "أكليد" إلى 9 محاولات اغتيال روسية على الأقل بين عامي 2023 وأغسطس 2025، إلا أن العديد منها نُفِذ بشكل سيء، واعتمد على وكلاء محليين.
في يوليو 2025، قُتل العقيد إيفان فورونيتش من جهاز الأمن الأوكراني، بالرصاص في وضح النهار في كييف، وتبنته جماعة يمينية متطرفة يُشتبه في صلتها بروسيا.
وفي مايو، أصيب سيرهي ستيرنينكو على يد امرأة جندها عملاء روس، وفي مارس اُغتِيل دميان هانول بالرصاص في أوديسا، ويرتبط هؤلاء الضحايا -إلى جانب فاريون وباروبي- بمواقفهم القومية أو المناهضة لروسيا.
وقال نيتشيتا جوركوف، المحلل البارز لشؤون أوروبا وآسيا الوسطى في منظمة "أكليد"، لـ"ذا تليجراف": "مبارزة الاغتيالات تحدث بالتوازي مع قواعد الاشتباك المتدهورة في الحرب التقليدية، والتي تتجلى في الاستهداف العشوائي للمدنيين وسوء معاملة أسرى الحرب أو إعدامهم".
وأضاف أن" هذه الممارسة، التي لا تقيدها حدود ساحة المعركة.. قد تصبح دوامة من العنف ذاتية الاستدامة، وتتخذ طريقًا مختصرًا خطيرًا بعيدًا عن الإجراءات القانونية الواجبة ولا تترك أي خيارات للتبرئة للضحايا".
وتابع جوركوف أن "التكتيكات أصبحت تشبه بشكل متزايد تلك التي تستخدمها وكالة التجسس الإسرائيلية الموساد، والتي تشمل تكتيكاتها استخدام العبوات الناسفة المقنعة والاستهداف عبر الحدود".
في مايو، أشار اغتيال أندريه بورتنوف، السياسي الأوكراني السابق، في مدريد إلى مدى اتساع جبهات الصراع السرية.
وقبل ذلك بعام، قُتل مكسيم كوزمينوف، الطيار الروسي المنشق إلى أوكرانيا، في أليكانتي.
تدرك بريطانيا جيدًا أن نفوذ روسيا يتجاوز حدودها الإقليمية، وأمس الخميس، خلص تحقيق عام إلى أن بوتين أمر بهجوم سالزبري عام 2028، عندما نقل عملاء غاز أعصاب شديد السمية إلى مدينة مزدحمة في محاولة فاشلة لاغتيال العميل المزدوج سيرجي سكريبال؛ لإظهار قوة روسيا حول العالم.
وتستبعد "ذا تليجراف" أن تتوقف عمليات القتل إذا انتهت الحرب ومتى انتهت، مشيرة إلى أنه خلال السنوات الطويلة التي أعقبت الحرب الأولي عام 2014، استمرت الاغتيالات على كلا الجانبين.
وختمت الصحيفة قائلة: "مع تدفق الأسلحة إلى المجتمع، واحتمالية بقاء عشرات الأشخاص دون تسوية، قد تستمر عمليات القتل إلى ما بعد أي تسوية سلمية تتفاوض عليها الولايات المتحدة".