وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بكين، أمس الأربعاء، بصحبة زوجته بريجيت ووفد رفيع المستوى، في زيارة دولة تمتد حتى الجمعة المقبل، تهدف لإعادة بناء جسور الثقة مع الصين بعد سنوات من التوتر.
وأفادت وكالة شينخوا الصينية بأن هذه الزيارة الرابعة لماكرون إلى الصين، وجاءت بدعوة من نظيره الصيني شي جين بينج، وتمثل ردًا على زيارة شي التاريخية لباريس العام الماضي التي احتفلت بمرور ستة عقود على إقامة العلاقات الدبلوماسية.
وفد اقتصادي ضخم
استقبل وزير الخارجية الصيني وانج يي، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، ماكرون وزوجته في مطار بكين، حيث ساروا على سجادة حمراء وسط أجواء شتوية باردة.
ويرافق الرئيس الفرنسي ستة وزراء يشرفون على ملفات الخارجية والاقتصاد والزراعة والبيئة والتعليم العالي والثقافة، بالإضافة إلى 35 مسؤولًا تنفيذيًا من شركات فرنسية عملاقة، مثل إيرباص وإي دي إف ودانون، وممثلين عن شركات في قطاعات السلع الفاخرة والصناعات الغذائية، وفقًا لما نقلته "فرانس 24".
وأشارت صحيفة ليزيكو الفرنسية إلى أن ماكرون يأمل استغلال هذه اللحظة الفارقة لتقريب المواقف بين البلدين، بعد أن دفعت جائحة كورونا وأزمة أوكرانيا الصين وأوروبا إلى معسكرين متعارضين.
معالجة الاختلالات التجارية
وصف الإليزيه الزيارة بأنها ذات بعد إستراتيجي، إذ ستركز على تحقيق توازن في التعاون الاقتصادي والتجاري، وهو طموح سيشكل جوهر رئاسة فرنسا لمجموعة السبع عام 2026.
وتواجه أوروبا عجزًا تجاريًا هائلًا مع بكين تجاوز 300 مليار يورو العام الماضي، بينما تستحوذ الصين وحدها على 46% من إجمالي العجز التجاري الفرنسي.
وأوضحت "فرانس 24" أن باريس تسعى لجذب استثمارات صينية أكبر وتسهيل نفاذ منتجاتها إلى الأسواق الصينية، مع توقيع اتفاقيات في قطاعات الطاقة والغذاء والطيران.
وحذَّر مستشار ماكرون من أن الصين تعوض فائض طاقاتها الإنتاجية بزيادة صادراتها، ما يحمل مخاطر جيوسياسية تتراوح بين إغلاق الأسواق والركود الاقتصادي.
وتطالب باريس الشركات الصينية بمشاركة ابتكاراتها في مجالات النقل المستدام والبطاريات والطاقة الشمسية، فيما تعاون عملاق الوقود النووي الفرنسي أورانو مع الشركة الصينية XTC لإنتاج مواد حيوية في دونكيرك شمالي فرنسا، فيما تصنع شركة إنفيجن الصينية بطاريات السيارات الكهربائية لمجموعة رينو في دواي.
ونقلت صحيفة "جلوبال تايمز" الصينية عن جيانج فنج، الباحث بجامعة شنجهاي للدراسات الدولية، أن الصين بذلت جهودًا مستدامة لتحسين هيكل تجارتها بتوسيع الانفتاح في قطاع الخدمات وزيادة الواردات، بينما أظهرت فرنسا نزعات حمائية واضحة في قضايا معينة كالسيارات الكهربائية.
وأكد أن الخلافات التجارية يجب حلها عبر الحوار والتفاوض بدلًا من تسييسها.
أوكرانيا والنظام الدولي
تتجاوز أجندة الزيارة القضايا الاقتصادية لتشمل ملفات إستراتيجية حساسة، إذ أشار "راديو فرانس" إلى أن كل شيء مطروح على الطاولة من أوكرانيا وتايوان واليابان إلى إعادة بناء النظام الدولي.
وكشف مسؤول دبلوماسي فرنسي رفيع، لشبكة "بي أف أم تي في" الفرنسية، عن أن باريس تريد من بكين إقناع موسكو -الشريك الإستراتيجي للصين- بالتحرك نحو وقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات تؤدي لضمانات أمنية متينة لأوكرانيا، مؤكدًا توقع فرنسا امتناع الصين عن تزويد روسيا بأي وسائل لمواصلة الحرب، بما في ذلك مكونات صناعة الدفاع.
في المقابل، أوضحت المتحدثة باسم الخارجية الصينية ماو نينج أن بكين تؤمن بالحوار والمفاوضات لحل الأزمة الأوكرانية، مشيرة إلى الدور البناء الذي لعبته الصين في تعزيز الحل السياسي.
ونقلت "جلوبال تايمز" عن كوي هونجيان، مدير مركز دراسات الاتحاد الأوروبي بجامعة بكين للدراسات الأجنبية، قوله إن أوروبا تحمل تصورات مبسطة حول العلاقات الصينية الروسية، مؤكدًا أن الصين مستعدة لدور بناء في تعزيز محادثات السلام بطريقتها الخاصة.
وستُطرَح قضية المعادن النادرة أيضًا على طاولة المحادثات، إذ تهيمن الصين على الإنتاج العالمي لهذه المعادن الحيوية لقطاعات السيارات والطاقة المتجددة والدفاع، وتفرض قيودًا صارمة على تصديرها.
بين بكين وتشنجدو
يلتقي ماكرون اليوم الخميس بـ"شي" في قاعة الشعب الكبرى للمحادثات الرسمية، ثم يشاركان في منتدى أعمال فرنسي صيني، قبل أن يجتمع الرئيس الفرنسي بمسؤولين صينيين آخرين، منهم تشاو ليجي رئيس المجلس الوطني لنواب الشعب، ورئيس الوزراء لي تشيانج.
وسيزور ماكرون مدينة تشنجدو في مقاطعة سيتشوان، إذ ستعقد محادثات إضافية يوم الجمعة في دوجيانجيان بموقع أحد أقدم أنظمة الري في العالم، إضافة لزيارة مركز أبحاث الباندا العملاقة إذ يقيم يوان مينج، أول باندا يولد في فرنسا وسمته السيدة الأولى بريجيت ماكرون.