بدأت جولة جديدة في المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة، بعد التحقيق الاستقصائي الذي نشره الصحفي الأمريكي سيمور هيرش، وقال فيه إن واشنطن تقف وراء التفجيرات التي خربت خطي أنابيب نورد ستريم للغاز.
دفع التقرير روسيا إلى المطالبة بفتح تحقيق دولي في تخريب" نورد ستريم"، ومحاكمة الرئيس الأمريكي وشركائه. وقال رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودين، اليوم الخميس، إنه ينبغي إجراء تحقيق دولي أساسه مدونة هيرش، في تخريب خطى أنابيب "نورد ستريم" للغاز.
وأضاف فولودين: "يجب أن تصبح الحقائق المنشورة أساسًا لتحقيق دولي، يقدم بايدن وشركاءه إلى العدالة"، وتابع أنه يجب أن تدفع الولايات المتحدة تعويضات للدول التي تضررت بسبب الهجوم الإرهابي".
من جهته، قال متحدث الكرملين ديمتري بيسكوف، اليوم الخميس، إن تقرير سيمور هيرش، يؤكد الحاجة إلى تحقيق دولي في الأمر. وشدد على أن التحقيق يحتاج إلى اهتمام دولي، معربًا عن استغرابه من أن التقرير "لم يلق تغطية واسعة في الإعلام الغربي". وقال إن العالم يجب أن "يعرف الحقيقة بشأن من يقف وراء هذا الفعل التخريبي"، واصفًا الأمر بأنه "سابقة خطيرة جدًا".
وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف، إنه ستكون هناك عواقب للولايات المتحدة. وأضاف أن الأمر لم يكن مفاجئًا لروسيا، وأنه كان واضحًا منذ البداية من كان المستفيد من وراء تخريب خط الأنابيب.
هيرش: البحرية الأمريكية نفذت عملية التخريب
وتوصل تحقيق استقصائي أجراه هيرش إلى أن الولايات المتحدة تقف وراء تنفيذ تفجيرات، في سبتمبر الماضي، استهدفت خطوط أنابيب "نورد ستريم"، التي تنقل الغاز الروسي إلى أوروبا، وذلك في عملية سرية نفذتها قوات البحرية الأمريكية.
وفي التحقيق الاستقصائي، قال هيرش إنه يمكن العثور على "مركز الغوص والإنقاذ" التابع للبحرية الأمريكية في موقع غامض مثل اسمه، أسفل ما كان في السابق حارة ريفية في مدينة بنما سيتي، وهي مدينة ساحلية مزدهرة الآن في جنوب غرب فلوريدا، على بعد 70 ميلًا جنوب حدود ولاية ألاباما.
وبحسب هيرش، يقوم المركز بتدريب الغواصين ذوي المهارات العالية في المياه العميقة منذ عقود بمجرد تكليفهم بالخدمة في الوحدات العسكرية الأمريكية في جميع أنحاء العالم، على أن يكونوا قادرين على ممارسة مهام غوص فنية باستخدام متفجرات (C4) إما لأعمال جيدة مثل تطهير الموانئ والشواطئ من الحطام والذخائر غير المتفجرة، أو لتنفيذ عمليات سيئة مثل تفجير منصات النفط الأجنبية وإتلاف صمامات السحب الملوثة لمحطات الطاقة تحت سطح البحر وتدمير الأهوسة على قنوات الشحن الحيوية.
وكان وسط مدينة بنما سيتي، الذي يضم ثاني أكبر مسبح مغلق في أمريكا، المكان المثالي لتجنيد أفضل خريجي مدرسة الغوص وأكثرهم هدوءًا، والذين نجحوا في الصيف الماضي في القيام بما سمح لهم بما فعلوه على عمق 260 قدمًا تحت سطح بحر البلطيق.
في يونيو الماضي، قام غواصو البحرية الأمريكية، الذين يعملون تحت غطاء مناورة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) حظيت بتغطية إعلامية واسعة في منتصف الصيف والمعروفة باسم (BALTOPS 22)، بزرع المتفجرات التي تم تفجيرها عن بعد والتي دمرت بعد 3 أشهر ثلاثة من خطوط أنابيب نورد ستريم الأربعة، وفقا لما نقله "هيرش" عن مصدر لديه معرفة مباشرة بالتخطيط التشغيلي للعملية.
وكان اثنان من خطوط الأنابيب، التي كانت تعرف مجتمعة باسم "نورد ستريم 1"، تزود ألمانيا والكثير من دول أوروبا الغربية بالغاز الطبيعي الروسي الرخيص لأكثر من عقد. وتم بناء زوج ثان من خطوط الأنابيب، يسمى "نورد ستريم 2"، لكن لم يتم تشغيله بعد.
ومع احتشاد القوات الروسية على الحدود الأوكرانية ونذر الحرب الأكثر دموية في أوروبا منذ عام 1945 التي كانت تلوح في الأفق في ذلك الوقت، رأى الرئيس الأمريكي جو بايدن أن خطوط الأنابيب تتيح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين استخدام الغاز الطبيعي كسلاح في مواجهة أوروبا.
قرار تخريب نورد ستريم
وقال هيرش إن قرار بايدن بتخريب خطوط الأنابيب جاء بعد أكثر من 9 أشهر من النقاش السري للغاية داخل مجتمع الأمن القومي في واشنطن حول أفضل السبل لتحقيق هذا الهدف. وخلال معظم ذلك الوقت، لم تكن القضية هي ما إذا كان يجب القيام بالمهمة، وإنما كيفية إنجازها دون أي دليل على هوية المسؤول عن تنفيذها.
وأوضح التحقيق أنه "كان هناك سبب بيروقراطي حيوي للاعتماد على خريجي مدرسة الغوص في المركز الواقع بمدينة بنما سيتي. وكان الغواصون من البحرية فقط، وليسوا أعضاء في قيادة القوات الخاصة الأمريكية، بحيث يجب إبلاغ الكونجرس بعملياتها السرية وإطلاع قيادة مجلسي الشيوخ والنواب مسبقًا، أو ما يسمى بـ "جماعة الثمانية" (مصطلح عامي لمجموعة من 8 قادة داخل الكونجرس الأمريكي يتم إطلاعهم على مسائل الاستخبارات السرية من قبل السلطة التنفيذية).
وكانت إدارة بايدن تبذل كل ما في وسعها لتجنب التسريبات حيث تم التخطيط للعملية في أواخر عام 2021 وحتى الأشهر الأولى من عام 2022، وفقًا لهيرش.
وكشف الصحفي الأمريكي أن الرئيس بايدن وفريقه للسياسة الخارجية، بما في ذلك مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ووزير الخارجية توني بلينكن ووكيلة وزارة الخارجية للسياسة فيكتوريا نولاند، كانوا صريحين وثابتين في عدائهم لخطى الأنابيب، اللذين يسيران جنبًا إلى جنب لمسافة 750 ميلًا تحت بحر البلطيق من ميناءين مختلفين في شمال شرق روسيا بالقرب من الحدود الإستونية، ويمران بالقرب من جزيرة بورنهولم الدنماركية قبل أن ينتهيا في شمال ألمانيا.
وأوضح هيرش أن من شأن هذا الإجراء الذي يمكن تتبع المسؤولية عنه وصولًا إلى الإدارة الأمريكية أن يمثل انتهاكًا لوعود الولايات المتحدة بتقليل الصراع المباشر مع روسيا، ومن ثم كانت السرية ضرورية.
البيت الأيض ينفي
ونفى البيت الأبيض بشكل قاطع ما أورده تقرير هيرش، الذي وصفته أدريان واتسون المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض بأنه "من نسج الخيال".
وأعاد متحدث باسم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تأكيد نفي البيت الأبيض، واصفًا التقرير بأنه "كاذب تمامًا وبشكل مطلق".