الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

"ريش".. صرخة فلسطينية صامتة في "أيام قرطاج المسرحية"

  • مشاركة :
post-title
جانب من العرض الفلسطيني ريش

القاهرة الإخبارية - فنون وثقافة

قدمت فرقة شادن للرقص المعاصر من فلسطين عرضها "ريش" على خشبة قاعة الفن الرابع بتونس العاصمة، ضمن عروض المسابقة الرسمية للدورة السادسة والعشرين لأيام قرطاج المسرحية، التي تستمر فعالياتها حتى 29 نوفمبر الجاري. جاء العرض بتوقيع المخرجة شادن أبو العسل، التي أعادت عبره رسم ملامح التجربة الفلسطينية بلغة فنية بصرية تعتمد الجسد بوصفه أداة سردية كاملة.

ورغم غياب النص المنطوق، نجح العرض في بناء خطاب درامي متكامل ارتكز على الحركة باعتبارها وسيلة للكشف عن جدلية الحرية والسلطة. واعتمدت المخرجة على الرقص المعاصر كلغة أساسية للتعبير، حيث تحول الجسد إلى محور لصياغة المعنى، مستثمرة ثنائيات التباعد والاقتراب، التوتر والانسجام، والانفصال والاندماج، بما يوضح مسارات التحول النفسي والوجداني للشخصيات.

وجاءت السينوغرافيا مشبعة بالرموز، يتصدرها اللون الأزرق الذي غلف الركح ليمنحه طابعًا قاتمًا يوحي بالانغلاق والسجن الداخلي، كترجمة لظلال الحصار النفسي الذي يعيشه الراقصون.

كما استخدمت المخرجة المكتبة كعنصر بصري دال، فظهرت بوصفها رمزًا للمعرفة، وفي الوقت نفسه عبئًا حين تتحول الثقافة إلى أداة في يد السلطة. وتداخل حضور هذه العناصر مع الأداء الحركي لتشكيل صورة مركبة حول علاقة الإنسان بما يحرره وما يقيده.

وتقوم البنية الدرامية للعرض على شخصيات تتطور علاقاتها من توازن نسبي إلى اختلال واضح، في تجسيد لصراع داخلي بين التسلط والاستلاب، حيث ينقاد أحد الكائنات للآخر دون وعي بحدود هذا الخضوع. وقد سمح هذا البناء الحركي بتقديم قراءة دقيقة لكيفية تحول الحب إلى تبعية والارتباط إلى قيد ينتهي بانفجار داخلي يغير مسار العلاقات.

ويحمل عنوان العمل "ريش" دلالات الحرية والخفة والرغبة في الانعتاق، مقابل هشاشة الكائن المستلب الذي يمكن لأي مؤثر خارجي أن يغير مساره. ويشكل الريش رمزًا لصراع دائم بين قوة الطيران وضعف السقوط، وهو ما يعكس بوضوح حالة الفلسطيني الواقع بين التمسك بالحرية واستمرار القيد.

ورغم طابعه التجريدي، لم ينفصل العرض عن الواقع الفلسطيني، بل قدم قراءة رمزية لمظاهر الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال. كما طرح العمل أسئلة حول العلاقة بين المعرفة والسلطة من خلال حضور المكتبة الضخمة، التي ظهرت كذاكرة جمعية تُخضع الفرد وتحدد مسارات وعيه.