رغم الثبات الذي بدا عليه منذ بدء الحرب مع روسيا، يواجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تحديًا كبيرًا لرئاسته، بعدما هزت اتهامات فساد كبرى دائرته الداخلية في زمن الحرب، فيما تكثّف واشنطن ضغوطها للموافقة على اتفاق سلام يبدو مُهينًا لكييف.
أجّجت فضيحة الفساد في أوكرانيا الغضب الشعبي من احتمال أن تكون النخبة الحاكمة في البلاد قد ملأت جيوبها الخاصة بإرسال قواتها للموت باسم الديمقراطية والقيم الغربية، "ما زاد الضغوط على زيلينسكي، الذي يخاطر بفقدان ثقة بلاده حتى وهو يتفاوض على مستقبلها على المسرح العالمي"، كما تشير صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
وتنقل الصحيفة عن مشرّعين ومحللين إن زيلينسكي "لم يتبق له سوى خيارات قليلة لاستعادة تلك الثقة، ما لم يقم بإصلاح النظام الذي سمح لمثل هذا الفساد بالاستمرار دون رادع، ويعيد السلطة إلى البرلمان الذي همّشته إدارته. بينما التوقيت لا يمكن أن يكون أسوأ من هذا".
انتشار الفساد
هذا الشهر، نشر المكتب الوطني لمكافحة الفساد في أوكرانيا (NABU)، أدلة واسعة النطاق على تورط مسؤولين في مخطط رشاوي كبير أدى إلى سحب أموال من قطاعي الطاقة والدفاع، بينما يعيش الأوكرانيون المنهكون من سنوات الحرب إما في جبهة قتال وحشية أو في ظلام دامس تقريبًا بسبب الهجمات المتواصلة على شبكة الطاقة.
تشير "واشنطن بوست" إلى أن الغضب كشف عن حدود ما كان حتى الآن "تفاهمًا عامًا في زمن الحرب"، حتى بين المعارضين السياسيين، بأن البلاد يجب أن تظل موحدة لهزيمة روسيا "وهو ما انهار عند الاعتقاد بأن مجموعة صغيرة من الأقوياء استفادت من حرب تقتل الكثير من مواطنيهم".
ومع تفاقم الأزمة الداخلية، يضغط البيت الأبيض على كييف للموافقة على مقترحه الجديد، الذي قد يُجبر أوكرانيا على تقديم تنازلات كبيرة لطالما اعتبرتها البلاد غير مقبولة، بما في ذلك التنازل عن أراضٍ للروس وتقليص حجم الجيش الأوكراني بشكل كبير، أو فقدان الدعم الأمريكي للبلاد. وهذا يُعرّض القوات الأوكرانية، التي تعتمد بشكل كبير على تبادل المعلومات الاستخباراتية الأمريكية وصفقات الأسلحة، للخطر.
أيضًا، هناك مخاوف في أوكرانيا من أن تُضعف اتهامات الفساد، التي يُتوقع أن تتوسع قريبًا لتشمل المزيد من كبار المسؤولين المقربين من زيلينسكي، موقفه الصعب أصلًا على طاولة المفاوضات.
ومع أن أي اتفاق لإنهاء الحرب يتطلب أيضًا موافقة البرلمان، يُدرك زيلينسكي تمامًا أنه لا يستطيع إجبار بلاده على اتفاق غير عادل أو غير شعبي، ما يُقيد حركته أكثر في ظل ضغط واشنطن عليه للتوصل إلى اتفاق.
إصلاح الحكومة
في الوقت الحالي، تتزايد الدعوات لزيلينسكي لإصلاح حكومته الحالية بأكملها، التي يقول المنتقدون إنها بُنيت جزئيًا على يد المتأثرين بالفساد أو المتورطين فيه بشكل مباشر.
كما اتحد حلفاء زيلينسكي في حزبه لحثه علنًا، لأول مرة، على إقالة أقرب مساعديه وصديقه المقرب، أندريه يرماك، وهو شخصية غير شعبية يرأس المكتب الرئاسي ويشتبه في ارتباطه بالفساد على الرغم من عدم توجيه اتهامات رسمية إليه.
وتلفت الصحيفة الأمريكية إلى أنه "بعيدًا عن الفساد، يرى كثيرون أن يرماك -صديق زيلينسكي القديم- مسؤول عن تعزيز السلطة بشكل خطير في المنصب الرئاسي، وتحييد البرلمان القوي في السابق، والسيطرة على معظم جوانب المجال السياسي والأمني في أوكرانيا".
تضيف: "التحقيق الأخير أجرته هيئة مكافحة الفساد، والتي كادت تُعيق عملها هذا الصيف بعد توقيع زيلينسكي على مشروع قانون يُقيّد استقلاليتها بشكل كبير، أثار شكوكًا لدى الرأي العام بأن كبار القادة كانوا يعتزمون حماية أنفسهم بتعطيل هذا التحقيق تحديدًا".
وبينما تراجع زيلينسكي عن قراره بتقييد هيئات مكافحة الفساد في البلاد بعد احتجاجات شعبية حاشدة في يوليو الماضي، لكنه في الوقت الحالي متمسكٌ بموقفه الرافض لتوسيع نطاق إقالاته استجابةً للتحقيق الأخير.