أثار الفوز التاريخي للسياسي الديمقراطي اليساري زهران ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك موجة لافتة من الاهتمام في الصين، إذ انشغلت وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية بتحليل دلالات هذا التحول في كبرى مدن الولايات المتحدة، وإمكانية انعكاسه على مستقبل العلاقات الثنائية وسط التنافس المتصاعد بين بكين وواشنطن.
محطة استثنائية
لم يكن الحدث مجرد فوز انتخابي محلي بل اعتبر محطة سياسية مفصلية، بحسب صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست" الصادرة من هونج كونج، فمع عمر لا يتجاوز 34 عامًا، أصبح ممداني أصغر من يتولى المنصب منذ أكثر من قرن، وشخصية صاعدة تمثل الجيل الجديد من اليسار الديمقراطي.
ورغم أن حملته ارتكزت على قضايا معيشية داخلية مثل مجانية الحافلات وتجميد الإيجارات ورعاية الأطفال الشاملة وزيادة الحد الأدنى للأجور، إلا أن فوزه حمل صدى دوليًا، لا سيما في الصين، إذ أثارت هويته السياسية والأيديولوجية اهتمامًا واسعًا على الإنترنت وفي أوساط الباحثين.
بارقة أمل لبكين
يرى عدد من الأكاديميين الصينيين أن فوز ممداني يجسد صعود الجناح اليساري داخل الحزب الديمقراطي، وهو تطور قد يقلص الضغوط على الصين في مرحلة يتجه فيها التركيز السياسي الأمريكي نحو الملفات الداخلية.
واعتبر دياو دامينج، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الشعب الصينية، أن ممداني يمثل "أملًا جديدًا" داخل الحزب، وأن نتائج الانتخابات الأخيرة -التي شملت انتصارات ديمقراطية في ولايات مهمة- تعد بمثابة توبيخ واضح للرئيس دونالد ترامب، الذي يواجه استياءً متزايدًا بسبب سياساته الاقتصادية والجمركية.
وقال "دياو" إن الإحباط من الأوضاع الاقتصادية لعب دورًا أساسيًا في موجة الانتصارات الديمقراطية، بما فيها سباق نيويورك، مشيرًا إلى أن ذلك قد يدفع إدارة ترامب إلى إعادة النظر في بعض سياساتها تجاه الصين، وخاصة الرسوم الجمركية.
ورغم التفاؤل النسبي، حذَّر عدد من الخبراء الصينيين من الإفراط في تحميل فوز ممداني دلالات تتجاوز حجمه.
وقال "دياو" إن انتخابات عمدة نيويورك تبقى محكومة بقضايا محلية إلى حد كبير، ولا تعكس بالضرورة توجهًا واضحًا في السياسة الخارجية الأمريكية.
من جهته، يرى الباحث تشا داو جيونج من جامعة بكين أن التشابه في الأجندات الاجتماعية بين اليسار الأمريكي والصين، مثل مكافحة الفقر أو تعزيز المساواة، لا يعني بالضرورة تقاربًا في العلاقات الثنائية، مؤكدًا أن التفاعلات بين المجتمعين الأمريكي والصيني "محدودة للغاية" ولا تكفي لتغيير الصورة العامة.
ومع ذلك، يشير بعض الأكاديميين إلى أن أولويات ممداني واليسار التقدمي -كالعدالة الاجتماعية وتحسين ظروف الطبقتين المتوسطة والدنيا- تتقاطع مع أهداف الصين في خطتها الخمسية (2026-2030)، والتي تركز على الحراك الاجتماعي وتوسيع الطبقة المتوسطة وتحقيق الرخاء المشترك.
كما يرى "منج" أن ريادة الصين في مجال الطاقة المتجددة قد تفتح الباب لتعاون محتمل مع التقدميين الأمريكيين في ملف التغير المناخي.
ملامح مستقبلية
ويرى محللون في بكين أن أي تهدئة محتملة في العلاقات قد تتضح من خلال إجراءات ملموسة، مثل توسيع الرحلات الجوية المباشرة بين المدن الصينية ونيويورك، أو نتائج التجميد المؤقت للرسوم الجمركية بين البلدين.
لكن في الوقت نفسه، يتفق معظم الخبراء على أن فوز ممداني -رغم أهميته- لا يقدم بعد مؤشرًا حاسمًا حول مستقبل السياسة الأمريكية تجاه الصين، في ظل الانقسام الداخلي العميق، والسباق المستمر نحو انتخابات 2028.