تتهيأ جدران قصر "جرايسي" لاستقبال ساكن جديد يحمل معه ملامح جيل مختلف، فبين تاريخ طويل من الرفاهية والسياسة والرموز المتوارثة، يستعد عمدة نيويورك المنتخب زهران ممداني، للا نتقال إلى القصر ، الذي شهد قرونًا من التحولات -من الحروب والعبودية إلى الحفلات الفخمة- لكن ما يشغل الإعلام العبري هو شيء واحد "المِزوزة" المثبتة عند الباب الرئيسي منذ سبعينيات القرن الماضي.
قصر جرايسي
والمِزوزة عادة دينية ثقافية منتشرة في المنازل اليهودية حول العالم، عبارة عن أنبوب صغير من المعدن أو الخشب أو الزجاج تُكتب عليه آيات من التوراة وتُثبت على قائمة باب المنزل أو المؤسسة أو الغرفة من الجهة اليمنى عند الدخول، وتعد علامة للإيمان، ورمزًا للحماية الإلهية، ويقبلها بعض اليهود عند المرور من أمامها كنوع من البركة.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، أنه قبل أشهر، دعا عمدة نيويورك المنتهية ولايته إريك آدامز، المئات من أبناء الجالية اليهودية إلى مقر إقامته الرسمي في قصر جرايسي، للاحتفال بـ"شهر التراث اليهودي"، مشيرة إلى أنه في الحفل تكررت همسات تقول "انتهزوا اللحظة، فقد تكون هذه آخر مرة سنكون هنا".
وفي الأول من يناير 2026، سينتقل العمدة الجديد زهران ممداني إلى القصر، وعلى عكس سلفه آدامز، لا يبدو أنه سيحظى بشعبية بين الجالية اليهودية، ووفق "يديعوت أحرنوت" فمن غير المؤكد ما إذا كان ممداني سيحافظ على التقاليد القديمة، مشيرة إلى أنه من المؤكد أن "المِزوزة" المثبتة عند المدخل ستبقى في مكانها، بعدما وضعها رئيس البلدية اليهودي أبراهام بيم، في سبعينيات القرن الماضي.
وأشارت "يديعوت أحرنوت" إلى أن القوانين البلدية الخاصة بالحفاظ على التراث تمنع أي تغيير في أرضية المدخل الرسمي، ما يعني أن "المِزوزة" ستبقى معلقة على الباب.
العمدة الجديد
ما يزال ممداني، البالغ من العمر 34 عامًا، يعيش في شقة صغيرة من غرفة واحدة بحي أستوريا مع زوجته الفنانة السورية المولد راما ديفاجي البالغة 28 عامًا، وقبل انتخابه بأيام، تعرضت شقتهما لتسريب مائي، واضطر إلى وضع المناشف على الأرض الخشبية لامتصاص المياه، وأقرّ لاحقًا بأن المساحة ضيقة عليهما، وهو ما يبرز الفارق الكبير بين واقع حياته الحالية وما ينتظره في القصر المطل على النهر.
وقصر جرايسي، الذي تبلغ مساحته نحو 1020 مترًا مربعًا، يضم خمس غرف نوم وقاعة حفلات وحديقة واسعة وساحة مزروعة بأشجار التفاح والتين، وغالبًا ما ينتقل رؤساء البلديات إلى هذا القصر رغم تفضيل بعضهم البقاء في منازلهم الخاصة، بسبب اعتبارات أمنية وشرفية.
العداء لإسرائيل
ركّز الإعلام الإسرائيلي، خاصة صحيفة "يديعوت أحرنوت"، على مواقف ممداني من إسرائيل، إذ يُعد من أبرز المنتقدين لسياساتها، ويدعو إلى إنهاء الإعفاءات الضريبية للجمعيات المؤيدة للمستوطنات.
كما وصف إسرائيل بأنها "دولة فصل عنصري ترتكب إبادة جماعية في غزة"، مطالبًا باعتقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وتعرض ممداني لسؤال متكرر بشأن موقفه من "حق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية"، فأجاب: "أنا لا أؤيد أي دولة تمنح حقوق المواطنة بناءً على الدين".
رغم ذلك، شدّد على أنه يعترف بحق إسرائيل في الوجود كدولة، لكنه دعا إلى التزامها بالقانون الدولي، مؤكدًا أنه سيزيد ميزانية مكافحة جرائم الكراهية حال فوزه.
وديسمبر الماضي، سأل مهدي حسن، المذيع السابق في قناة "إم إس إن بي سي"، الذي يشغل حاليًا منصب رئيس التحرير والرئيس التنفيذي لشركة "زيتيو"، ممداني: "سيد البلدية ممداني، هل ترحب بزيارة رئيس الوزراء نتنياهو إلى مدينة نيويورك لأي سبب كان، نظرًا لأن الولايات المتحدة ليست دولة موقعة على المحكمة الجنائية الدولية، لذا يمكنه السفر إلى الولايات المتحدة، على عكس العديد من الدول الأخرى؟، فقال: "لا. لو كان عمدة مدينة نيويورك، لاعتقل بنيامين نتنياهو. هذه مدينة تتوافق قيمنا فيها مع القانون الدولي. حان الوقت لأن تكون أفعالنا كذلك".