استبعدت صحيفة "هآرتس" العبرية، أن تتوقف القضايا القانونية التي تواجهها إسرائيل في محكمة العدل الدولية بلاهاي، بعد إنهاء الحرب في غزة.
وذكرت الصحيفة، في تقرير لها، أنه بعد عام من صدور مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت، وبعد عامين من قضية جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، لا تزال الإجراءات ضد إسرائيل قائمة، ولم تبطئها عقوبات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واتهامات المدعي العام كريم خان، كما أن اعتقال المدعية العسكرية أضعف مكانة إسرائيل الدولية الضعيفة أصلًا.
وقالت الصحيفة إن أوامر الاعتقال جاءت عقب إجراءات بدأت قبل عام تقريبًا في محكمة العدل الدولية، واضطرت تل أبيب للدفاع عن نفسها ضد اتهام جنوب إفريقيا لها بالإبادة الجماعية. وعلى الرغم من أن محكمة العدل الدولية أصدرت أوامر مؤقتة، إلا أن القضية لا تزال قائمة وقد تستغرق سنوات عديدة قبل إصدار حكم نهائي.
مع ذلك، شعر العديد من الإسرائيليين في الأشهر الأخيرة أن القضية تلاشت عن الأنظار، ويعود ذلك جزئيًا إلى اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر، وجزئيًا بسبب موقف واشنطن العدائي المتزايد تجاه المحاكم في لاهاي، لكن هذا لا يعني أن الإجراءات القانونية ضد إسرائيل ومسؤوليها توقفت، وفق تصريحات خبراء في القانون الدولي لـ"هآرتس".
ويؤكد الخبراء للصحيفة على نقطة واحدة قبل كل شيء، وهى أن القضايا المرفوعة ضد إسرائيل وكبار مسؤوليها لا تزال قائمة، وعلى الرغم من تغير الظروف، لا شيء يشير إلى أنها على وشك التبخر.
تقول البروفيسورة تامار هوستوفسكي برانديس، المحاضرة في كلية الحقوق بكلية أونو الأكاديمية: "في إسرائيل، ساد اعتقاد بأن القانون الدولي لم يعد ذا أهمية في عهد ترامب، وبالتالي يمكن تجاهل عواقبه، لكن هذا ببساطة خطأ.. قد تختتم هذه الإجراءات بعد عهد ترامب، وقد تلقي تداعياتها بظلالها على إسرائيل لسنوات".
يشير الخبراء أيضًا إلى أن التطورات الأخيرة، وأبرزها قضية سديه تيمان، واعتقال المدعية العامة العسكرية السابقة يفعات تومر-يروشالمي، تعمِّق مكانة إسرائيل الدولية الضعيفة أصلًا.
ورغم أن هذه التطورات لا تؤثر بشكل مباشر على الإجراءات في لاهاي، إلا أنها تعزز الاعتقاد بأن النظام القانوني الإسرائيلي لم يعد قادرًا على التحقيق بشكل مستقل في الجرائم المزعومة التي ارتكبها جنوده.
يقول إلياف ليبليش، أستاذ القانون الدولي العام في جامعة تل أبيب: "تُنظَر قضية المدعية العسكرية دوليًا بطريقة مباشرة للغاية، وهى أن المسؤولة المكلفة بالتحقيق في جرائم الحرب في إسرائيل فُصِلت واعتُقِلت، على خلفية التحقيق في أعمال غير قانونية ارتكبها جنود الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين".
ويضيف: "تعتبر القصة المسربة عن إساءة معاملة أحد المعتقلين في سديه تيمان، ومزاعم عرقلة العدالة، ثانوية مقارنة بهذه الحقيقة الجوهرية، خاصة في ضوء التقارير التي تفيد بتعرض النيابة العسكرية لضغوط لعدم التحقيق في مثل هذه الحوادث".
كان أحد الأسباب الرئيسية لتورط إسرائيل في قضية محكمة العدل الدولية هو التصريحات القاسية وغير المسؤولة التي أدلى بها كبار المسؤولين الإسرائيليين، والتي استُشهد بها في أوامر المحكمة المؤقتة، والتي بدت وكأنها تشير إلى نية إسرائيل ارتكاب عمليات قتل جماعي في غزة.
وتشير"هآرتس" إلى أن العديد من الإسرائيليين يعتقدون أن اتفاق وقف إطلاق النار وصفقة تبادل المحتجزين والأسرى من شأنهما مساعدة إسرائيل على الدفاع عن نفسها في قضية الإبادة الجماعية المرفوعة ضدها أمام محكمة العدل الدولية.
لكن الخبراء يقولون إن الأمور أكثر تعقيدًا، ومن المتوقع أن تدفع إسرائيل بأن الاتفاقية تفند ادعاء جنوب إفريقيا بأنها كانت تنوي إبادة جزء من الشعب الفلسطيني، لكن من المتوقع أن ترد جنوب إفريقيا بأن إسرائيل لم تقبل الشروط إلا تحت ضغط أمريكي، ما يعني أن الاتفاقية فُرضت عليها فعليًا.
كما أنه من غير المرجح أن يؤثر وقف الحرب في غزة على تحقيق المحكمة الجنائية الدولية، الذي أسفر عن إصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو وجالانت، لأن المذكرات تتعلق بأفعال يُزعم أنها وقعت بالفعل، ولا يزال يتعين الفصل فيها.
وفقًا لـ"ليبليش"، ألحقت الولايات المتحدة ضررًا بالغًا بالمحكمة الجنائية الدولية، لكنها لم تشلها، ويوضح قائلًا: "المشكلة هي أنه لا يوجد قانون تقادم للقضايا المعروضة على المحكمة الجنائية الدولية.. في نهاية المطاف، ستنتهي إدارة ترامب، ومن المرجح أن ترفع هذه العقوبات".
من العوامل الرئيسية الأخرى التي تقوض المحكمة الجنائية الدولية مزاعم الاعتداء الجنسي ضد المدعي العام كريم خان.
تقول الدكتورة تمار مجيدو، المحاضرة الأولى في قسم العلاقات الدولية بالجامعة العبرية في القدس المحتلة، إن "الاتهامات الموجهة ضد خان تقوِّض المكانة العامة والأخلاقية للمحكمة الجنائية الدولية، التي كانت بالفعل تحت ضغط كبير بسبب العقوبات الأمريكية".
ومع ذلك، تؤكد "مجيدو" أن هذه الادعاءات لا تؤثر على السلطة القانونية للمحكمة أو قدرتها على مواصلة التحقيق مع إسرائيل. وتضيف: "تعتمد قدرة المحكمة الجنائية الدولية على العمل بشكل كبير على دعم الدول الأعضاء فيها، البالغ عددها 124 دولة، سواء من خلال تنفيذ أوامر الاعتقال، أو توفير التمويل، أو تقديم الدعم العام الذي تحتاجه المحكمة".
يشير ليبليش إلى أن مذكرات التوقيف الصادرة بحق جالانت ونتنياهو لا تزال سارية المفعول، وأن الرجلين ممنوعان من زيارة الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية.
وكشف تحقيق أجرته صحيفة "ذا جارديان" البريطانية، العام الماضي، أن إسرائيل تجسست على خان وسلفه بتوجيه من نتنياهو، وهو ما لم يحسن الصورة العامة لإسرائيل أو صورة رئيس وزرائها.
وتضيف مجيدو أن الدول الأعضاء ملزمة قانونًا بتنفيذ مذكرات التوقيف عند امتلاكها القدرة على ذلك.
وغالبًا ما يكون إصدار مذكرة توقيف هو الخطوة المستقلة الأخيرة التي يمكن للمحكمة الجنائية الدولية اتخاذها، وكل شيء بعد ذلك يعتمد على الدول الأعضاء.
الجدير بالذكر أيضًا أنه ليس من الضروري أن تكون الدول أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية لاتخاذ إجراءات عقابية ضد إسرائيل، فقد أصدرت تركيا مؤخرًا مذكرات توقيف بتهمة ارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية بحق 37 مسؤولًا إسرائيليًا رفيع المستوى، من بينهم نتنياهو، ووزير الأمن القومي إيتمار بن جفير، ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، ورئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير، وقائد البحرية ديفيد سلامة.
توضح مجيدو أن الدول تتمتع بالولاية القضائية العالمية التي تسمح لها بمقاضاة المشتبه بهم في جرائم دولية خطيرة، ويمكن استخدام هذه الولاية القضائية ضد الإسرائيليين حتى في دول خارج إطار المحكمة الجنائية الدولية.
ويضيف ليبليش نقطة أخيرة ينبغي أن تقلق العديد من الإسرائيليين، وهى احتمال أن تكون بعض الدول أصدرت مذكرات توقيف سرية بحق إسرائيليين، مذكرات قد لا تعلم بها إسرائيل على الإطلاق.