الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الروائية المصرية هالة عباس بعد حصد الجائزة الدولية لأدب الطفل: الكتابة نافذة لفهم الذات

  • مشاركة :
post-title
الشيخة بدور القاسمى تمنح هالة عباس الجائزة الدولية لأدب الطفل

القاهرة الإخبارية - أحمد منصور

وسط حضور ثقافي متنوع في معرض الشارقة الدولي للكتاب بدورته الـ44، برز اسم الكاتبة المصرية هالة عباس بعد فوزها بالجائزة الدولية لأدب الطفل العربي في دورتها السابعة عشرة عن فئة كتاب اليافعين، تقديرًا لروايتها "أبناء الظل" الصادرة عن دار عصير الكتب، ويأتي هذا التتويج ليعكس التحولات المتزايدة التي يشهدها أدب اليافعين في العالم العربي، إذ تتقدم أعمال تطرح أسئلة وجودية ونفسية عميقة، وتمنح القراء الصغار فرصة للتفاعل مع قضايا تمس هويتهم ونظرتهم إلى العالم.

في حوار لـ"القاهرة الإخبارية"، تتحدث هالة عباس عن خلفيات كتابتها للرواية، وكيف تحوَّل مشهد عابر إلى نقطة انطلاق لبناء عالم روائي كامل، كما تتناول أثر الجائزة في مسيرتها، وعلاقتها بالترجمة، وتجربتها الممتدة بين مصر وكوريا، وتطلعاتها للمشهد العربي في أدب الأطفال.

- بداية.. ما الذي دفعك لكتابة أبناء الظل؟ وكيف بدأت فكرة الرواية في ذهنك؟

أي قصة عندي، سواء ما أتممت كتابته أو ما لا يزال ينتظر في قائمة الأفكار، تبدأ بمشهد معين يقفز إلى خاطري، وتكون جهودي بعد ذلك محاولة اكتشاف القصة التي قد تفسر وجود ذلك المشهد، وفي حالة "أبناء الظل" كان المشهد المذكور الذي ألحَّ عليّ هو المشهد الافتتاحي في القصة: فتى يختبئ في الظلام في غرفة أرشيف قديمة في مكتبة تسلل إليها بحثًا عن شيء مهم، ولكنه يلتصق بالجدار البارد متخفيًا وهو يخشى أن يكتشفه الرجل الذي دخل الغرفة لتوه، ورغم أن الرجل المذكور يوجه كشافًا إلى الفتى فقد كان الفتى مطمئنًا من أنه لن يراه أبدًا مهما كان الضوء قويًّا، ما كان يخيفه هو أن يغير الرجل الزاوية فيظهر ظله.

كان السؤال بعدها كيف يمكن أن يكون المرء غير مرئي في ضوء قوي ولا يزال لديه ظل؟ وما الذي أتى بفتى ليلًا إلى هذا المكان؟ وعما كان يبحث في غرفة الأرشيف القديمة بالضبط؟ ومن الشخص الذي جاء إلى نفس المكان؟ والرواية هي عملية استكشاف القصة التي تجيب عن هذه الأسئلة وتصف المشاعر المتناقضة التي شعر بها الفتى في تلك اللحظة.

- ماذا تعنى لك جائزة فئة كتاب اليافعين فى مسيرتك المقبلة؟

تعني الكثير.. فأول جائزة لفئة رواية اليافعين غير المنشورة فزت بها في عام 2021 في مسابقة عبدالحميد شومان لأدب الطفل، إذ منَّ عليّ الله بالفوز بالمركز الأول في المسابقة عن روايتي "معسكر غابة السناجب"، وكانت هذه نقطة فارقة لأنها اللحظة التي قررت فيها أنني سأمنح حلمي القديم البعيد بأن أكون كاتبة فرصة، وشجعني ذلك لأكتب رواية "أبناء الظل" فعلًا، وظللت أراسل دور النشر بلا جدوى حتى قبلت "عصير الكتب" مشكورة نشرها، وهكذا أصبح عندي أول رواية منشورة، ولما منَّ الله عليّ للمرة الثانية بفوز الرواية، اندهشت جدًّا طبعًا، ولكنني قررت في الآن ذاته أنني على الطريق الصحيح إن شاء الله، فقررت أن أتفرغ أكثر للكتابة، وأعطتني دفعة نفسية كبيرة لأعمل على تحقيق حلمي القديم.

- الرواية تتناول "انفجار الحقيقة" و"الشك أو الوهم" كما ورد في كلمة الغلاف.. كيف ترين علاقة الإنسان بالواقع والظل في روايتك؟

يكتشف بطل الرواية أن الصورة التي رسمها للعالم من حوله لم تكن دقيقة، ويكتشف أنه كان يشك في ذلك بالفعل في قرارة نفسه، ولكنه لم يكن يجرؤ على مصارحة نفسه أو من حوله بذلك، ولكن حدثًا مزلزلًا غير متوقع يضعه في موقف لا يمكنه فيه الكذب على نفسه أكثر من ذلك، فيضطر لمصارحة نفسه أولًا، ثم يضطر لاتخاذ رد فعل ثانيًا. ويكتشف أن الخطوتين: المصارحة واتخاذ رد الفعل أصعب وأعقد مما كان يظن.

- شخصيات الرواية تعيش صراعات نفسية داخلية وخارجية.. كيف بنيت هذه الشخصيات؟

بنيتها من واقع معايشتي لنفسي ومن حولي، القصة في هيكلها الخارجي تدور في إطار مغامرة خيالية، ولكنها في واقع الأمر تناقش مسألة مهمة وسؤالًا أخلاقيًا يؤرقني شخصيًا، كل منّا له تصوُّر جيد معين عن نفسه مثلًا "أنا صادق، أو: أنا وفي"، ولكنه حين يكبر قليلًا أو كثيرًا، أحيانًا يجد أن الحياة تهاجمه بمواقف مفاجئة معقدة لم تكن في الحسبان، وأحيانًا يجد أنه في تلك المواقف، دون تفكير، وقع في الخطأ الذي كان يظن نفسه لن يقع فيه أبدًا، فيكذب مثلًا، إن كان يعرف نفسه بالصدق.. وهنا لا بد لأي إنسان أن يتأثر ويهتز ويراجع نفسه، إذا سقطت هذه المرة أيعني هذا أنني لست صادقًا؟ أم أنني لا أزال كذلك والزلة لا تحدد طريقي بعد ذلك... هل يمكن الآن وقد بدأت طريقًا يختلف عمّا كنت أحب أن أتحسس طريقي عائدًا إلى الصورة النبيلة التي رأيتها لنفسي؟ هذه أسئلة قد تبدو بسيطة، ولكنها عندما تحدث في الواقع لا تكون كذلك، والألم أو الصدمة التي يواجهها المرء حين يزل زلة أخلاقية تنافي صورته النبيلة عن نفسه قد يدفعه لإنكار الأمر برمته أو اتخاذ الحجج والأعذار، بدلًا من مواجهة النفس وتصحيح المسار. وأبطال القصة هم تجسيد لمناقشة هذه المسألة، ويستعرض كل موقف يقعون فيه كيف أنها ليست مسألة بسيطة.

- أنتِ مترجمة وتعملين في المحتوى للأطفال واليافعين.. فكيف أثرت هذه الخبرة في كتابة "أبناء الظل"؟

قبل كل ذلك، كانت الخبرات الأساسية التي شهدتها كأم جديدة لأطفال في الغربة بعيدًا عن الوطن العربي والإسلامي، واحتكاكي بالأطفال من مختلف الجنسيات هي الحافز الأساسي التي جعلني أدرك أولًا الفقر الذي يواجهه الطفل واليافع العربي في المحتوى المقدم له مقارنة بالخارج، وهو ما جعلني أوجه كتاباتي الأولى لليافعين، وبعد فوزي بجائزة "عبدالحميد شومان" وفي الفترة التي كنت أنتظر فيها أن تقبل دار نشر رواية "أبناء الظل" أعددت بودكاست مخصصًا للأطفال واليافعين، هو "بودكاست إكليل"، وقدَّمت ولا أزال أقدم فيه محتوى يتراوح بين البرامج الموسوعية والبرامج اللغوية الثقافية وبرامج الحكايات، والخبرات التي راكمتها خلال ذلك كله كانت بمثابة الخيوط التي نسجت منها عناصر الرواية من حبكة وأسلوب حكاية ولغة وحتى السؤال الأخلاقي الذي تناقشه الرواية.

ــ كيف أثرت الترجمة من الكورية إلى العربية ونوعية الكتب التي تترجمينها على تجربتك في الكتابة للغة العربية؟

كان للترجمة كبير الأثر في تجربتي طبعًا، وفي أسلوب كتابتي، ولكنني لم أترجم سوى كتابًا واحدًا من الإنجليزية، وهو كتاب عن المغالطات المنطقية بعنوان "التفكير من الألف إلى الياء"، فأنا أتخصص في ترجمة النصوص المتخصصة أو شديدة التخصص مثل النصوص التاريخية أو الكلاسيكية القديمة بالأساس، والنصوص الثقافية، والعلمية، وأيضًا الأخبار، وكنت حصلت على منحة لدراسة الماجستير في جامعة سول الوطنية بكوريا فور تخرجي في كلية الألسن قسم اللغة الكورية، وعشت في كوريا لمدة 13 سنة، ولا أزال أتردد على كوريا باستمرار ولكنني أقيم في مصر أغلب العام، وقد أثر عملي في الترجمة، وفي تعليم اللغة العربية للكوريين، وفي العمل كمذيعة راديو بإذاعة كي بي إس على إدراكي للغة العربية وإحساسي بها وبإيقاعها الشعوري والتعبيري، كما أثرت أيضًا الترجمة الفورية، إذ عملت لفترة طويلة مترجمة فورية في مجال الترجمة الطبية والقانونية، على إدراكي لما يمكن أن تحمله الكلمات المتقاربة في المعنى من دلالات شعورية مختلفة تمامًا، وكيف يمكن أن يكون لهذا أكبر الأثر على إدراك الآخرين للموقف وتفاعلهم معه.

ومن الطريف في تجربتي في الترجمة، أنني حصلت على جائزة المترجم الصاعد من المعهد الكوري للترجمة الأدبية في عام 2023 عن ترجمتي لنص تاريخي، وكان عضو لجنة التحكيم العربي في ذلك الوقت هو محمد فضل من دار عصير الكتب، ولم أكن أتصور في ذلك الوقت أن أتعاون مع الدار بعد ذلك ككاتبة، فأنا مدينة بالكثير لعصير الكتب.

- ما أهمية كتب اليافعين خاصة أن بعض الأشخاص ينظرون إلى تلك الكتب أنها غير مهمة على حسب تعبيرهم؟

كتب اليافعين من أهم فئات الكتب في المكتبة العربية، وذلك لأن اليافع يقف في مفترق طرق خطر للغاية، لأنه غادر مرحلة الطفولة، ولكنه لم يصل إلى عالم الكبار بعد، وفي هذه المرحلة يجد أنه يواجه تغيرات نفسية وفكرية وجسدية كثيرة، ويواجه أيضًا تغيرات كبيرة في رؤيته للعالم، إذ يبدأ في إدراك أن أفكاره عن العالم في مرحلة الطفولة لا تفسر العالم حقًّا، ويبدأ في البحث عن المعنى وعن الحقيقة وعن نفسه وسط عواصف تمرد طبيعية تجوب في صدره، وهي أيضًا مرحلة مهمة، لأنها المرحلة التي يتخذ فيها قرارات كبيرة ستؤثر على حياته فيما بعد، ومنها قرار أي دراسة أختار وأي أصدقاء أختار، ولأنها سن يصعب فيها التوجيه المباشر، وينفر فيها اليافع من نصائح الكبار المقربين كسمة طبيعية جدًا للمرحلة، فمن المهم جدًا أن تتوفر كتب وروايات ومحتوى متنوع يصل إليه حقًا، ويثير خياله وتفكيره، ويجعله ينظر للعالم بعين أخرى، وإذا حدث ذلك التواصل بين الكاتب والقارئ اليافع، فإنه يحصل على احترام القارئ الصغير، ويكون لكلامه وزن في وعيه، وإن لم يكن هذا مهمًا، فأنا لا أعرف ما هو المهم.

وأنا أعرف أن ما ذكرت حقيقي جدًا لأنه ما جربته أنا نفسي والكثير من جيلي مع كتابات العراب الراحل أحمد خالد توفيق والراحل نبيل فاروق مثلًا، فهي لم تكن مجرد قصص ممتعة "وقد كانت كذلك" بل كانت مدرسة في التذوق اللغوي والتفكير والنقد ومصارحة الذات والارتقاء بالذوق والإحالة لكتب وعناصر ثقافية وتاريخية كثيرة.

- بعد "أبناء الظل" ما الذي تفكرين فيه من مشروعات مستقبلية؟ هل تستعدين لرواية جديدة أو انتقال إلى نوع أدبي مختلف؟

أعمل على رواية جديدة لليافعين، كنت انشغلت عنها تمامًا خلال العام الماضي، ولكن الجائزة أعادت لي الثقة وأعطتني دفعة كبيرة لأعيد العمل فيها، ولله الحمد والفضل والمنة، وقررت أن أبدأ في إتمام العمل على عدد من قصص الأطفال في المراحل الأصغر أيضًا، ورغم أنني أود أن أعمل على بعض الأفكار لروايات الكبار التي ظلت تحتل رأسي لسنوات طويلة، أرى أن الكتابة لليافعين والأطفال لها الأولوية، وأنوي أن أكرس لها العام المقبل .

- مَن الكتاب الذين تأثرت بهم عبر حياتك سواء عربًا أم عالميين؟

إن كان لا بد أن أختار واحدًا من كل فريق، فسأختار المفكر الراحل عبدالوهاب المسيري -جزاه الله عنّا خير الجزاء- وخاصة كتابه الأثير عندي "رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر"، ولا أعرف كم مرة قرأت هذا الكتاب ولا كم مرة سأقرأه بعد، ولكنه أثر في شخصيتي وتفكيري وحياتي بدرجة كبيرة.

ومن الكتاب الأجانب، أختار الروائي "كازوو إيشيجورو"، وخاصة روايته "بقايا اليوم" التي أعدها أقرب الروايات إلى قلبي على الإطلاق، وأحرص على إعادة قراءتها كل فترة، لما تركته من أثر كبير في طريقة نظرتي إلى حياتي وأولوياتي وماضيّ.