الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

حمى الإنفاق الدفاعي تجتاح أوروبا بين مخاوف باريس الاقتصادية وشكوك برلين

  • مشاركة :
post-title
المستشار الألماني فريدريش ميرز والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

القاهرة الإخبارية - أحمد أنور

بينما تسعى برلين إلى استعادة قدرتها كقوة عسكرية رائدة في أوروبا، تواجه باريس ووارسو تحولًا سياسيًا هائلًا، إذ كان الاتحاد الأوروبي يعتمد على تفاهم ضمني مفاده أن تتولى ألمانيا إدارة الأموال، وفرنسا تتولى الشؤون العسكرية، بحسب "بوليتيكو".

وبمسعى ألمانيا لتصبح القوة العسكرية المهيمنة في أوروبا، يتغير التوازن السياسي في القارة العجوز، ففي فرنسا، ثمة صراع للحفاظ على أهميتها، بينما في بولندا، تُثير إعادة تسليح ألمانيا ذكرياتٍ قديمة، وتُوحي بأن تحالف برلين-وارسو قد يكون السبيل الأكثر فعالية لإبقاء روسيا تحت السيطرة.

قال كريستوف شميد، النائب الألماني عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي وعضو لجنة الدفاع في البرلمان الألماني "البوندستاج": "أينما ذهبتُ في العالم، من دول البلطيق إلى آسيا، يُطالب الناس ألمانيا بتحمل المزيد من المسؤولية"، وأضاف: "المتوقع أن تُعزز ألمانيا أخيرًا ثقلها الاقتصادي وتُوازي قوتها الدفاعية".

بحلول عام 2029، من المتوقع أن تنفق ألمانيا 153 مليار يورو سنويًا على الدفاع، وهذا يمثل نحو 3.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أكبر توسع عسكري للبلاد منذ إعادة توحيدها. في المقابل، تخطط فرنسا للوصول إلى نحو 80 مليار يورو بحلول عام 2030.

الجيش الألماني

وتعتزم بولندا إنفاق 186 مليار زلوتي (44 مليار يورو) على الدفاع هذا العام، وهو ما يعادل 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي -وهو أعلى مستوى في حلف شمال الأطلسي- وتخطط لامتلاك أحد أكبر الجيوش وأفضلها تجهيزًا في أوروبا.

ومع معاناة باريس من ديون تتجاوز 110% من الناتج المحلي الإجمالي وعجز يزيد على 5%، تمنحها قدرة برلين على الاقتراض حريةً لا يحسدها عليها جيرانها. كما تُكافح بولندا للسيطرة على الإنفاق العام، الذي تفاقم بسبب تضخم الإنفاق الدفاعي.

وصف مسؤول في الاتحاد الأوروبي التحول في الإمكانات العسكرية الألمانية بأنه "مُزلزل للأرض"، وعبّر دبلوماسي آخر عن ذلك بشكل أكثر صراحةً: "إنه أهم ما يحدث الآن على مستوى الاتحاد الأوروبي".

بالنسبة للدبلوماسيين الأوروبيين، يثير هذا الارتفاع أكثر من مجرد تساؤلات حول الميزانية، بل يُشكك في الرواية التي لطالما روّج لها الاتحاد الأوروبي حول من يحمي أمنه، ويتردد هذا السؤال في بروكسل، حيث يتساءل المسؤولون عن حقيقة ما سيكون عليه تعزيز ألمانيا "الأوروبي" في الواقع.

الجيش الألماني

لقد قاومت ألمانيا منح المفوضية الأوروبية صلاحيات أكبر في شراء الأسلحة، وتخطط للاعتماد بشكل كبير على الأطر الوطنية، بما في ذلك قانون مشتريات جديد سيستخدم بشكل منهجي المادة 346 من معاهدة الاتحاد الأوروبي، يسمح هذا البند للدول بتجاوز قواعد المنافسة في الاتحاد الأوروبي لتفضيل العقود المحلية.

تُظهر أوراق المشتريات الداخلية التي أطلع عليها موقع "بوليتيكو" أن برلين تستعد لتمرير عقود دفاعية بقيمة 83 مليار يورو عبر البوندستاج بحلول نهاية عام 2026، وهذا يمثل زيادة غير مسبوقة تمس كل مجال من مجالات القوات المسلحة، من الدبابات والفرقاطات إلى الطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية وأنظمة الرادار.

وهذه ليست سوى المرحلة الافتتاحية، خلفها، تكمن "قائمة أمنيات" للجيش الألماني أكبر بكثير، بقيمة 377 مليار يورو، وهي خطة طويلة الأجل تغطي أكثر من 320 برنامجًا جديدًا للأسلحة في جميع المجالات العسكرية.

الجيش الألماني

فوفقًا لخطط المشتريات، سيذهب أقل من 10% من العقود الجديدة إلى موردين أمريكيين - وهو تراجعٌ بعد سنواتٍ كانت فيها برلين من أبرز عملاء واشنطن في قطاع الدفاع. أما بقية العقود تقريبًا، فستبقى في أوروبا، ومعظمها مع قطاع الصناعات الدفاعية الألماني.

بالنسبة لأوروبا، هذا يعني أن المحرك الاقتصادي للاتحاد الأوروبي أصبح هو المحرك الصناعي الدفاعي أيضًا، حيث تقوم برلين بتوجيه مئات المليارات إلى خطوط الإنتاج المحلية بينما تظل فرنسا والدول الجنوبية مقيدة ماليًا.

قال مسؤول في الاتحاد الأوروبي: "في فرنسا، يُعدّ جهاز الدفاع جوهر النظام. الفرق بين باريس وبرلين هو أن أي مسؤول في فرنسا هو في نهاية المطاف مسؤول دفاع".

وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ عام 2017 لتحسين العلاقات الفرنسية الألمانية، فإن انعدام الثقة تجاه برلين لا يزال متجذرًا بعمق في دوائر الدفاع الفرنسية.